تراجع الاهتمام بالجار
عندما توفيت جدتي رحمها الله فوجئت بالكثير من الجيران والأقارب يحضرون الصواني الممتلئة بالطعام، يومها لم أفهم لماذا يحضرون هذا الطعام، وعندما كبرت علمت أنه من السنة أن يُقدم لأهل الميت الطعام لأنهم مشغولون بحزنهم،وكثيرا ما كنت أرى أمي تصنع لنا أشهى الطعام وقبل أن تمتد أيدينا إليه كنا نعطي منه نصيبا لجارتنا وكنت أسألها :فتقول (الجار للجار),وكم من مرة تمنعنا أن نخرج بالطعام أمام الأطفال في الشارع مراعاة لهم إما أن تقتسم معهم الطعام أو لا تعذبهم بتناولك الطعام أمامهم).
هي سلوكيات وآداب تربينا عليها وكانت أساس حياتنا أن نحب جيراننا ولا نؤذيهم وكانت كلمات جدتي العفوية«النبي وصى على سابع جار» تتردد دائما أمامنا فنشعر وكأن جيراننا جزء من العائلة، وما زلت أتذكر يوم أن أصيبت أختي الصغرى في حادثة ووجدت البيت ممتلئا عن بكرة أبيه بالجيران يسألون في لهفة عن أحوالها ويواسون أمي في مشاركة جميلة ما زلت أتذكرها. والآن لا أعرف ماذا حدث؟فقد تغيرت بعض العادات في المدينة،وأصبح العقار يضم الكثير من الشقق السكنية فلا يعلم الجار عن أخيه شيئا سوى السلام وربما يختفي هو الآخر مع الوقت،وما يزيد الطين بلة ما قد يحدث من عدم مراعاة لشعور الآخرين ,وقد تضع الجارة قمامتها أمام شقتها دون مراعاة للجارة التي تسكن في مواجهتها ولا حول ولا قوة إلا بالله. ما يحرق الدم أنك إن أردت أن تتواصل مع جارك في هذا الزمن تحقيقا لمبادئ ديننا الحنيف لا تجد صدى. والعجيب أنك تتعامل بالإحسان مع الجيران ولكن لا تجد استجابة مشجعة ، بل علي العكس أحيانا تجد الإنكار. قرأت مؤخرا عن جارين قتلا بعضهما بسبب عراك شب بين أطفالهما الصغار،مثل هؤلاء لم يراعوا حرمة الإسلام ولم يعطوا للجيرة حقها،فهل السبب هو ما تفشى في مجتمعاتنا الإسلامية من قيم دخيلة هدمت بنيان القيم الشامخ التي أسسها الإسلام؟ أم أن الدعاة في خضم أحداث عظيمه ألمت بأمتنا نسوا تذكير الناس بالقيم التي تقوم عليها المجتمعات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورِّثه «,نعم:لأن وقت الشدة قد يكون الجار هو أقرب الناس إليك في وقت قد يكون بينك وبين أهلك آلاف الأميال،وفي أمثالنا العربية (اختار الجار قبل الدار) لأن الجار قد يكون نعمة تحسد عليها إن كان صالحا،أو قد يقلب حياتك جحيما إن كان على النقيض. لماذا لم نعد نرى من جيراننا الخير؟ قديما كانت الجارة تعطي جيرانها من كل ما فاحت رائحته في مطبخها،والآن هل بخل الناس فضاق رزقهم (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه),أم أن القيم الجميلة مثل الكرم والجود ومحبة الخير للآخرين لم نعد نعلمها لأولادنا فشبوا على الأنا وحب الذات.
موزة درويش