عادل خزام

يقدم الفنان الإماراتي محمد كاظم في معرضه الفردي الجديد (زوايا لا نهائية)، صرخة لونية يمكن للمشاهد أن يتحسسها بصرياً في أعمال الخدش التي يقدمها هنا، حيث يعتمد على مهارة بناء معزوفة من الخدوش على ورقة بيضاء مستخدماً المقص، في محاولة لجعل الصوت مرئياً. وفي التفاصيل الداخلية العميقة يلمس المتابع مهارة يد الفنان في تكوين هذه النتوءات على أسطح الورق، وفي ضبط إيقاعات اتجاهاتها بحيث يتوزع الضوء خفيفاً وغير مرئي عبر سطحها التجريدي.
يقام المعرض في غاليري ايزابيل بدبي. تم افتتاحه أونلاين في 23 مارس الماضي، ويستمر حتى 20 مايو. كما يضم لوحات جدارية كبيرة، وسلسلة مفتوحة ولا نهائية من الاسكتشات اللونية التي تحمل مواضيع اجتماعية ترصد الحياة اليومية للناس والعاملين في مواقع العمل المختلفة، إضافة إلى سلسلة من اللوحات التي تُمسك بزوايا الضوء الحادة. بما يشكّل في النهاية فضاءات هذا الفنان الذي يجمع بين مدارس عدة، وإن كان ينتمي إلى المفاهيمية تحديداً. وتنتقل أفكار الأعمال ما بين الأشياء المادية وغير المادية في العالم، فهي تكشف عن ضوء غير مرئي، وصوت غير مسموع موجود في تسلسل مستمر بلا بداية أو نهاية.

زوايا
في جدارياته التي سماها (زوايا لا نهائية) يذهب كاظم إلى اصطياد الضوء في المباني المعمارية قيد الإنشاء، يقيس الفراغات المفتوحة ويلتقط لحظة إشراق الضوء عليها من زوايا متعددة تظهرُ النتوءات والطوب الخرساني والجدران غير المكتملة والسقالات من خلال انعكاس الضوء عليها في أوقات مختلفة. في الفجر أحيانا، وأحيانا وقت الغروب. يقوم بتصوير تلك المواقع، ويعيد رسمها على القماش الكبير باستخدام ألوان الأكريليك والقلم، موثقاً اللحظات غير المكتملة في زمن العمارة الحديثة. وفي مقابل الوضوح الصريح المتجسد في هذه الجداريات، هناك مساحات تجريدية نقرؤها في أعمال (تجميع الضوء) التي تبدو كأثر لترددات الضوء وانبعاثاته، متناثرة على اللفائف الكبيرة من الورق الأبيض.

نوافذ على اليومي
في السلسلة الثانية (نوافذ)، يقدم كاظم صوراً من حياة البشر في مواقع العمل والبناء، لكنها صور متلاشية لا نرى فيها سوى الملامح الخارجية ليوميات هؤلاء وكأنهم مجرد ظلال ملوّنة، في مشيهم وجلوسهم تحت الأبنية المعمارية، وفي حركتهم غير المرئية. وهو غوص عميق إلى داخل الجيوب المجهولة من صور المدينة، التي تناقض صور الرفاهية والمرح في الشواطئ والأحياء الراقية. ربما يحدّق المشاهد عميقاً في التفاصيل، لكنه لن يرى سوى ضربات الفرشاة المشغولة بعناية، والألوان التي تخلق هي الأخرى إيقاعها الخاص. وقد تم عرض هذه النوافذ الصغيرة بشكل تسلسلي أفقي، بما يوحي أنها مستمرة ومفتوحة على اللانهاية. فيما نرى على الجانب الآخر من المعرض سلسلة أخرى من اللوحات تحمل اسم (صوت الزوايا)، وهي تجريد بصري لوني لزوايا سقوط الضوء بدرجات حادة داخل إطار اللوحة.
رغم شكلها الظاهري النافر، إلا أن هذه الأعمال تحمل بعداً تأملياً، وتطرح أسئلة فلسفية تتعلق بالبيئة والإنسان والحضارة المدنية التي تطغى عليها المادية، حيث المباني تزحف باتجاه الصحراء، وحيث الإنسان حبيس زوايا مربع العمل والبيت والمأكل والفراغ. لا أشجار في هذا المعرض، لا طبيعة ترتاح لها العين، وإنما انبعاث للقسوة الإسمنتية وهي تصبح موضوعاً فنياً.
يعد كاظم أحد أبرز الفنانين في الإمارات، حصد جوائز فنية كثيرة، وله مشاركات في معظم بيناليات العالم، وأعماله مقتناه في كبريات المتاحف الأوروبية، وفي الجوجنهايم أبوظبي، وغيره.
يمكن الولوج إلى موقع المعرض على الرابط: https:/‏‏/‏‏www.alserkal.online/‏‏gallery-isabelle-van-den-eynde