العناب:جمعية التراث العمراني تلتقي دافنشي والأساطير في قبرص
دأبت «جمعية التراث العمراني» في الدولة، على القيام برحلات استطلاعية وزيارات ميدانية داخل الدولة وخارجها، انطلاقاً من أهداف الجمعية التي تنشد التعرف إلى حضارات العالم وتراثهم العمراني، وتبادل المعرفة والمعلومات التاريخية المتصلة بالآثار والعمران مع الجهات المستضيفة. وقام مؤخراً أعضاء من الجمعية برحلة إلى جزيرة قبرص، للتعرف على آثارها والوقوف على محطات من تاريخها، وعادوا بجعب مليئة بالذكريات والمعلومات أشار إليها أحمد عناب - مدير الجمعية، حين قال : «إن الجمعية المتمثلة برئيسها المهندس رشاد بوخش وأعضائها البالغ عددهم 1800 من المهتمين بقطاع التراث المعماري، رغبوا أن تكون وجهتهم إلى قبرص، الجزيرة التي تقع في القسم الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، ذات الشهرة الواسعة المستمدة من أساطيرها وتاريخها وتقاليدها وجمالها الطبيعي ومنتجعاتها العصرية التي تجذب السياح على مدار العام. والأهم من ذلك، أنها آمنة تعطي صفاء الذهن لمحبي الأمان والاستقرار».
ويسترسل العناب مشيراً إلى تاريخ الجزيرة، يقول: «كانت قبرص مأهولة بالسكان في العصر الحجري الحديث منذ 6800 قبل الميلاد، وهي غنية جداً بمعدن النحاس الذي أعطى الجزيرة اسمها. وتعد ثالث أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط، وملتقى ثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، ولا يبعدها عن الشواطئ العربية سوى نحو 50 دقيقة. فيما تبلغ مساحتها 9.250 كم مربع، وتمتد سواحلها 648 كم ويبلغ عدد سكانها 853 ألف نسمة».
برنامج الرحلة
هبطت الطائرة التي حملت أعضاء الجمعية في مطار لارناكا الدولي، ولم يضع الأعضاء وقتهم، بل استثمروه منذ وصولهم، يوضح العناب ذلك، ويقول: «على مقربة من المطار توجد «تكة هالة سلطان» مقام أم حرام بنت ملحان عمة النبي (صلى الله عليه وسلم) وقبرها في قبرص لواء يُسترشد به ومنارة تنير سبيل السالكين. كما يعتبر «تكة هالة سلطان» أشهر جامع على الجزيرة يقصده المسلمون القبارصة بانتظام لممارسة شعائرهم الدينية. ثم توجهنا إلى المدينة الأثرية «بافوس» التي تقع في الطرف الغربي لقبرص. وتوقف وفد الجمعية عند «صخرة الأفروديت» التي تميز المكان حيث ولدت «أفروديت» الأسطورية، رمز الحب والجمال، وتم التقاط الصور التذكارية، كون المدينة عريقة بتاريخها، فقد تركت الفترات المتعاقبة من التاريخ آثارها على المدينة، حيث مقابر الملوك والمعابد والأديرة، التي يتألق فن الموزاييك فيها».
«بافوس» التراث
يشير العناب إلى أن «بافوس» تُرعى حاليا بواسطة «اليونسكو» وهي رغم احتفاظها بطابعها المعماري التقليدي فقد تحولت إلى مدينة سياحية عصرية، فيما يعد الكورنيش البحري فيها من المناطق الجميلة التي تغص بالسياح». يكمل العناب محطات الرحلة، يقول: «وقفنا على مدرج «بافوس» الأثري الذي يتسع لسبعة آلاف متفرج حيث استخدم لمشاهدة الرياضات اليونانية القديمة، ثم توجهنا إلى «مقبرة الملوك» ويرجع تاريخ معظم الأضرحة فيها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وتم حفرها في صخر صلب ويعتقد أنها مقر دفن أرستقراطيي بافوس وكبار الموظفين الحكوميين حتى القرن الثالث قبل الميلاد (سمي المكان بمقبرة الملوك لروعته ولكن لا يوجد ملوك مدفونين فيه حقيقة). وتحوي بعض الأضرحة لوحات جدارية وأعمدة رومانية، كما تم دفن القوارير وغيرها من الممتلكات مع الموتى مما يعين الأثريين في كثير من الأبحاث».
«نيقوسيا» الشمال والجنوب
توجه وفد الرحلة إلى زيارة أهم المدن القبرصية وأكثرها شهرة، «نيقوسيا» العاصمة الرسمية لجزيرة قبرص. يقول العناب: «يسكن نيقوسيا حوالي 195,000 نسمة. وقد أثار اهتمامنا الحي الشعبي «لايكي يتوتيا» لأنه المثال النموذجي على ما كانت عليه نيقوسيا قديماً، وهو جزء من المدينة مخصص للمشاة، وقد تم ترميمه بحرص. يضم صفوفاً من المحال التجارية المتنوعة وشوارع خاصة بالمشاة». كما أشار العناب إلى زيارة الوفد إلى متحف قبرص، الذي يشمل مجموعة من التحف القبرصية والثروات التي تعود إلى العصر «النيوليتي» حيث تعتبر بوابة «أغيو خرستو» من روائع الفن المعماري القديم، وهي أحد أهم المداخل الرئيسية في جدران المدينة والتي أعيد ترميمها.
مساجد وكنائس
زار الوفد خلال تجواله في نقوسيا عدة دور عبادة، يقول العناب في ذلك: «زرنا مسجد «العمرية» ومسجد «بيرقدار» وثمة كنائس قديمة، ومتاحف بيزنطية، وأخرى خاصة بالفن الشعبي، وكذلك مقر الأسقفية وكاتدرائية القديس يوحنا، بلوحاتها الجدارية الفاتنة، ومتحف النضال الوطني، ومبنى «حاتجيور إياكيس كونيسيوس» وهو مثال جيد للفن المعماري الخاص بالقرن الثامن عشر، ويضم «المتحف القومي». على مسافة قريبة من هذه الآثار يوجد الخط الأخضر الفاصل الذي يقسم جمهورية قبرص عن الشمال الذي اجتاحته القوات التركية عام 1974م. فكانت فرصة مهمة للوفد كي يشاهد الجانب التركي من قبرص والوقوف عند أهم المعالم الإسلامية هناك ومن بينها مسجد «السلمية» الذي يعتبر رمزا من رموز العمارة العثمــــانية (كان سابقا كاتدرائية القديســــة صوفيا تم بناؤها في عام 1209م وفي ســــنة 1571 تم تحويلها إلى مســـــجد وفي عام 1954 تغير اسمه إلى مسجد السلمية).
«ليمونس» المرتفعات
ينقلنا العناب إلى مدينة جميلة تعد ثاني أكبر مدن الجزيرة بعد العاصمة، إنها ليمونس التي يقول عنها: «أولى محطاتنا في ليمونس كانت «قلعة ليماسول» المبنية في القرن الرابع عشر ميلادي. عاش فيها الملك ريتشارد الثالث (قلب الأسد) وبنيت على الطراز البيزنطي وتحيط بها حدائق جميلة. ثم توجهنا إلى الجامع الكبير الذي تقام فيه الصلاة إلى يومنا هذا، ويعد علامة مميزة على التعايش السلمي بين الطوائف، وقد بني في العهد العثماني على أنقاض كنيسة بيزنطية، هو مثال حي لمختلف المراحل التاريخية التي مرت بها قبرص». يضيف: «بعد ذلك توجهنا إلى مرتفعات «ترودوس» أكبر سلسلة جبلية في قبرص أعلاها مرتفع «أوليمبوس» يبلغ ارتفاعه 1952 متراً. وزرنا مجموعة من الأديرة والكنائس البيزنطية حيث توجد 9 كنائس مدرجة في التراث العالمي لليونسكو. وخلال تواجدنا في هذه المرتفعات اتجهنا إلى قرية «اومودوس» والتي تتميز بطابعها الهندسي القديم وجمالية تخطيطها في مكان يبعد عن ليماسوس 42 كلم».
عقد القرى
قيض للوفد أن يزور مجموعة من القرى الجميلة، ويبد أن قرية «كواروكويتيا» واحدة من أجمل القرى التى زارها الوفد بحسب العناب، إذ يقول كاشفاً السبب: «تعتبر الفرية أهم مواقع ما قبل التاريخ في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. بنيت في العصر الحجري الحديث من القرن 4-7 قبل الميلاد، ويعتبر هذا الموقع علامة مميزة لتطور المجتمع البشري في هذه المنطقة الأساسية. وبعدها انتقلنا إلى قرية «ليفكرا» التي تقع على المنحدرات الجنوبية من الجبال في لارنكا بقبرص، وقد أغرت القرية أغرت ليوناردو دافنشي قبل 5 قرون بما تتميز به من أعمال فنية يدوية غاية في الدقة والاتقان فخصها ببعض فنه». وانهينا هذه الرحلة بجولة خفيفة داخل مدينة لارنكا حيث استمتع الوفد بمشاهدة النسيج العمراني للمدينة والاستراحة للصلاة في الجامع الكبير في مدينة لارنكا. فكانت بحق زيارة تاريخية اقتحمن بوابة الماضي بتفاصيلها ومشاهدها الحية المتمثلة في الحياة الاجتماعية لسكان هذه الجزيرة التي تسير على وتيرة الهدوء والسكينة
المصدر: دبي