دبي (الاتحاد)

منذ إطلاقها مطلع مارس 2019، نجحت مبادرة «صناع الأمل» في اجتذاب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي. حتى اليوم، تلقت مبادرة «صناع الأمل» آلافاً من قصص الأمل، من أفراد ومجموعات، لديهم مشاريع ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس وتحسين نوعية الحياة، أو المساهمة في حل بعض التحديات، التي تواجهها مجتمعاتهم.
وتسعى مبادرة «صناع الأمل» إلى نشر قصص ملهمة من العالم العربي لأشخاص كانوا مصدر إلهام للآخرين، الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل. في السطور التالية نستعرض قصصاً تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في عالمنا العربي.

1 القصة الأولى
على النازحين الأمان في «سامراء»
لم يطق علي فرحان السامرائي رؤية إخوته في وطنه العراق من النازحين عن مناطقهم وبيوتهم طلباً للأمان في مدينته سامراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء مع عوائلهم وأطفالهم دون مأوى يظلهم أو عون يقيل عثراتهم. فما كان منه إلا أن بادر إلى افتتاح مركز تطوعي في سامراء لاستقبال وإغاثة النازحين وتمكينهم من سبل الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم؛ حتى حلول موعد عودتهم إلى مناطقهم سالمين آمنين.
وبعد أن رأى المؤسسات الاجتماعية في المدينة ترزح تحت ثقل أعداد أفواج من تقاطروا عليها من مختلف المناطق في العراق، تطوع مع كثيرين من شباب وأبناء وطنه بتأسيس المركز استجابة لاحتياجات النازحين وتنسيق توزيع مساهمات المتبرعين والمانحين من المؤسسات المحلية والدولية، وحصر الأعداد الدقيقة للعوائل، التي يتولى المركز مد يد المساعدة لها.
واستطاع المركز بفضل تضافر الجهود التخفيف من آثار النزوح في المدينة اجتماعياً ومعيشياً، ودمج العائلات النازحة وتمكينها عبر توفير العديد من فرص العمل لها بالتعاون مع الفعاليات الاقتصادية والمجتمعية في المدينة، فضلاً عن دعم إلحاق الطلبة النازحين بمدارس المنطقة.
وتعاون متطوعو المركز والمساهمون فيه والداعمون له على إنجاز مشاريع نوعية لخدمة النازحين، لم تقتصر على استقبال الحالات المرضية الطارئة أو توفير الخدمات الأساسية من مياه الشرب النظيفة والحصص الغذائية والكساء، بل شملت أيضاً الخدمات الصحية العامة والتعليم والأنشطة الشبابية وتمكين أصحاب الهمم.
كما يطلق المركز مبادرات موسمية مثل الحقيبة والكتب المدرسية، والزي المدرسي، وكسوة الشتاء والصيف، وكسوة العيد، والسلة الرمضانية، وتوزيع وقود التدفئة، والتكفل بمصاريف طلبة من النازحين في جامعة سامراء.
ويشارك المتطوعون في تقديم ورش تدريبية متكاملة تحقق التنمية البشرية وتطور قدرات النازحين ومهاراتهم، التي تؤهلهم لإيجاد فرص عمل أو امتهان حرف أو إطلاق مشاريع صغيرة توفر لهم دخلاً. كما يوفر المركز مساعدات صحية وطبية للمرضى وأصحاب الهمم من النازحين، وتشمل إنشاء العيادات الطبية وتطعيم الأطفال، وتركيب الأطراف الصناعية وتوفير الكراسي المتحركة وتقديم الأدوية.
ويأمل علي أن يتواصل هذا المشروع الذي أعاد الأمل للنازحين بالقيم الإنسانية، التي تجمع أبناء الوطن الواحد بغض النظر عن الانتماءات والخلفيات، بعد أن نجح خلال خمس سنوات في جمع أكثر من (2) ملياري دينار عراقي لمساندة أكثر من 800 ألف شخص من خلال أكثر من 60 مشروعاً شارك فيها متطوعون من مختلف أرجاء الدولة قدموا أكثر من 43 ألف ساعة تطوعية من وقتهم وجهدهم لخدمة النازحين وإسعادهم.
كما يتطلع السامرائي إلى توسيع إطار مبادرات المركز لتشمل التأهيل النفسي للأطفال ممن تعرضوا لتأثيرات النزوح والحرب، لدمجهم بشكل إيجابي في مجتمعاتهم التي أصبحوا فيها، بالإضافة إلى توفير مشاريع تنموية تساعد العائلات النازحة على تحقيق الاكتفاء سواء في سامراء أو في مناطقهم، التي يعودون إليها بعد أن تستقر.

2 القصة الثانية
في لبنان.. «دفى» تداوي البرد بالعطاء
حين يكون العطاء عابراً للهويات والمناطق والعقائد والانتماءات والاختلافات الثقافية والعرقية، يشيع الدفء، وتنهض قيم التلاحم والتكافل المجتمعي، وترتفع هامة التضامن والتعاطف الإنساني الحقيقي سداً منيعاً في وجه عواصف العوز وغيوم الحرمان وصقيع الفقر الذي يلبّد سماء الحياة الكريمة.
وفي لبنان، انطلقت مبادرة إنسانية عام 2015 بعنوان «حملة دفى» بدأتها آنذاك الإعلامية اللبنانية بولا يعقوبيان، بمشاركة 100 متطوع، لتخفيف آثار البرد عن المحتاجين في لبنان من مختلف المناطق والجنسيات والعقائد، وتقديم بعض المواد الغذائية والأساسية لمساعدتهم على نوائب الشتاء.
وتمثل المبادرة إحدى الاستجابات الإنسانية العديدة، التي شارك بها المجتمع اللبناني للتصدي لصعوبات الأوضاع الاقتصادية، التي تعاني ضائقتها فئات عدة، كما تأتي في إطار تفاعله مع استقبال البلد الصغير بمساحته، الكبير بحضوره الإنساني، مئات آلاف النازحين ممن اضطرتهم النزاعات إلى ترك بيوتهم وممتلكاتهم وأرزاقهم، حفاظاً على أرواحهم وأرواح أطفالهم خلال العقد الحالي، لكن «حملة دفى» تتميز عن غيرها من المبادرات بإتاحة المجال أمام الجميع من الأفراد والمؤسسات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في الحملة لمد يد العون والمساندة للمحتاجين في موسم البرد.
وتحت شعارها «من خيرك ساعد غيرك»، تفسح الحملة المجال لكل الراغبين والخيرين لمنح الدفء وصناعة الأمل لعشرات آلاف المحتاجين في موسم البرد في لبنان، وهي في عامها الرابع تواصل التوسع لتوفير البطانيات والملابس الشتوية والسلال الغذائية والمواد الأساسية، التي تحتاجها عائلات من الفقراء والنازحين المقيمين على امتداد الجغرافيا اللبنانية دون تمييز أو تفرقة.
وتعمل الحملة منذ انطلاقها على استباق موسم البرد بإعداد قوائم بالأسر والأفراد الذين يحتاجون إلى الدعم والمعونات والمساندة لمواجهة فصل الشتاء، ويعمل متطوعو الحملة في المناطق اللبنانية على حصر احتياجات كل أسرة من الأغطية والثياب والغداء. وتستثمر الحملة منصات التواصل الاجتماعي بما تشهده من سعة النشاط وسرعة الحركة في حشد الدعم المادي والمعنوي والمتطوعين للمبادرة من مختلف الأوساط خاصة مؤثري التواصل الاجتماعي والفنانين وأعضاء البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، كما تقيم الفعاليات لجمع التبرعات العينية بشكل مباشر في المناطق العامة في العاصمة اللبنانية بيروت، والمدن اللبنانية الرئيسة.
وقد وصلت الحملة إلى عشرات آلاف العائلات والأسر في مختلف المناطق حتى تاريخه، وتمكنت حتى عام 2018 من مساندة أكثر من 180 ألف أسرة، في ظل مشاركة كثيفة من فعاليات خيرية ومؤسسات اجتماعية وإنسانية محلية ودولية، وبدعم من شخصيات ناشطة في العمل العام والأوساط الثقافية والوسائل الإعلامية.

3 القصة الثالثة
«بسمتكم بتهمنا» .. وجوه فلسطينية تشتاق للفرح
التطوع يصنع فرقاً في كل المجتمعات، وهو دليل على حيوية الشعوب، وقدرتها على الحياة. وفي فلسطين، اجتمعت 45 شابة فلسطينية من مختلف مدن الضفة، على حلم تعبر عنه رسالة واحدة هي: «نحلم بأن نكون البسمة الدائمة على وجه من يستحقها، وحاجتنا الوحيدة هي أن نبقى ذوي بصمة تحمل خيراً للمجتمع، نحمل رسالة بقلوبنا قبل عقولنا لكي نصل إلى قلب من يحتاجون هذه البسمة».
وتنفذ الشابات من خلال مبادرة «بسمتكم بتهمنا» أنشطة تطوعية عدَّة تستهدف فئات مختلفة من المجتمع، لهدف وحيد هو رسم البسمة على وجوه جافتها الفرحة.
وتتحدث نسرين الصرص (22 عاماً) عن بداية تأسيس المبادرة، فتقول: «بدأت الفكرة من منظوري للخير، واعتبرت أنَّ رسم البسمة على وجوه تحتاجها هو جزء أصيل من عمل الخير الذي ينقص مجتمعنا».
وبالفعل بادرت نسرين إلى طلب المساعدة من صديقاتها في الجامعة، لتأسيس فريق تطوعي يُنَفِّذُ أنشطة ترفيهية واجتماعية للفئات المحتاجة كالأطفال، وذوي الإعاقة بشكل خاص، وكذلك دور رعاية المسنين والأيتام والجمعيات الخيرية والمراكز والمؤسسات والمستشفيات والمدارس، وغيرها من الأعمال التطوعية التي من شأنها أن تخدم المجتمع، كزيارة أهالي الأسرى وتكريمهم ودعمهم من الناحية المعنوية.
وأرادت نسرين أن يقتصر الفريق على النساء الشابات لإبراز دور المرأة وعطائها في المجتمع، وخاصة الدور القيادي للمرأة الفلسطينية، فالفتاة الفلسطينية تستطيع أن تتحدى قيود المجتمع والصورة النمطية المرسومة عنها في الأذهان، وهي أنها لا تصلح إلا لأعمال المنزل.
وبطبيعة الحال لم يخل الطريق من الصعوبات، فمنذ تأسيس «بسمتكم بتهمنا» سنة 2018، واجهت صعوبات عدة، من أبرزها التنسيق مع الجهات الرسميَّة ومخاطبتها، ومعرفة الأصول المتبعة في كلِّ مؤسَّسة، إضافة إلى عدم توفر جهة داعمة مادياً، حيث إنَّ عمل الفريق يقوم على التبرع الشخصي من أعضاء المجموعة، ورغم ذلك فإن ما يشجّع الفتيات على الاستمرار هو الأثر الإيجابي في نفوس الفتيات المشاركات بالأنشطة التطوعية، وتوضِّح أنوار أبو عيشة، إحدى المشاركات في المبادرة الأثر الإيجابي لتطوعها مع الفريق الذي ساعدها في بناء شخصيتها وإزالة حاجز الخوف. وتشعر أنوار بالرضا عن نفسها عندما ترى أثر الأنشطة على الأطفال، وساهم ذلك بتعزيز ثقتها، ومكنها من الاعتماد على نفسها بشكل أكبر، وزاد من إيمانها بقدرتها على العطاء والإنجاز.
ترفيه لأطفال التوحد
لم تقف الصعوبات عائقًا أمام طموح نسرين وزميلاتها، وحصدن ثمار مبادرتهن برؤية البسمة ترتسم على وجوه الأطفال والمسنين والمحتاجين. تقول رائدة المصري، مديرة اللجنة المحلية لتأهيل ذوي الإعاقة بمخيم العين في مدينة نابلس: «نفَّذت مجموعة (بسمتكم بتهمنا) نشاطاً ترفيهيّاً لأطفال التوحد، وكان نشاطاً مميزاً خاصة أنَّه جاء بمبادرة ذاتية من المجموعة وبشكل تطوعي نابعاً من رغبة المجموعة في إسعاد هؤلاء الأطفال، وساهم النشاط في إخراج الأطفال من حالة العزلة وتغيير الجو الروتيني الذي يعيشون فيه، كما نفَّذت المجموعة أنشطة ترفيهية للطالبات في مدرسة المخيم». وتأمل المصري عودة مثل هذه المبادرات للمجتمع الفلسطيني، لأنَّها تترك أثراً إيجابياً على نفوس المشاركين والمستفيدين على حدّ سواء، وتمنَّت لو أنَّها تستطيع المشاركة مع الفريق في تنفيذ الأنشطة لما تركه من انطباع مميز لديها.
ونفَّذت «بسمتكم بتهمنا» نشاطاً تطوعياً في جمعية الهلال الأحمر بنابلس، كما أوضحت علا أبو ضهير، مديرة مدرسة التربية الخاصة في الجمعية، مضيفة: «كانت المجموعة مميزة جداً، أدخلت البهجة على نفوسنا وعلى نفوس الأطفال، فمجرد وجود مجموعة تقوم بكل هذه الأنشطة بشكل تطوعي هو مؤشر إيجابي على بقاء الخير في المجتمع وانتشاره».