لابد من التوت الأسود!
قاومت كثيرا لئلا أدع للشيطان فرصة يقودني فيها لأكون «كائنا استهلاكيا» بحتاً، وأن لا أغير هواتفي أو سياراتي أو أشيائي الصغيرة إلا بعد زمن معين تكون فيها هذه الأشياء قد انتهى عمرها الافتراضي، وظللت أدير وجهي عن أجيال من الهواتف النقالة التي يوافينا بها التجار أولا بأول حتى إنني لا أعلم حتى الآن أي جيل وصلت إليه الهواتف النقالة. وكلما فتح الأصدقاء حلقة نقاش حول هذا الاختراع المذهل أو سيرة «البلاك بيري» أو التوت الصغير تجنبت الدخول في التفاصيل حتى لا أسمع مميزات الهاتف الجديد الذي يستطيع أن يبحر معك في أجواء الشبكة العنكبوتية ويمنحك حرية التصفح في جميع المواقع المتاحة وغير المتاحة ويوصلك إلى صندوقك الإلكتروني في أي وقت وأي مكان وينبهك بوصول بريد، وقادر بأن يكون مكتبك الصغير المتنقل معك، لكن كل محاولاتي باءت بالفشل. وبالرغم من أنني من الذين لا يبيعون عشرة العمر بالرخيص حتى في الأشياء الصغيرة التي أغتنمها وأظل أحافظ عليها ما استطعت لدرجة أني ما زلت احتفظ بموبايلات قديمة جدا، وبالرغم من الاستعداد الذهني والنفسي، إلا أن نقاشاً بيني وبين ابني الصغير ناصر غير من وجهة نظري وحساباتي بشأن هذا التقنية الجديدة عندما قال: إذا لم تلحق بالتقنية أولاً بأول فستجد نفسك متأخرا وستضطر لأن تدرس التقنية التي سبقت، قبل الجديدة وهذا سيضيع وقتك. انتهى الحوار الذي جمعني بابني ولكن لم ينته تأثيره، حيث انهمرت الأسئلة في عقلي عن عدد الهواتف النقالة التي وردت إلينا خلال السنوات العشر الماضية ووجدت أن عددها أكثر من ثلاثين تقريبا بمعدل ثلاثة هواتف سنويا بعضها لم يكن يختلف عن سابقه إلا في الشكل الخارجي فقط. وإذا كانت ثورة الاتصالات قد استطاعت تغيير مفاهيم الحياة على سطح الكرة الأرضية فإن أجيال الهواتف النقالة التي تداهم حياتنا باتت هي الأصل بعد أن أصبحنا في منطقتنا العربية أكثر شعوب العالم على الإطلاق في سرعة استبدال هذه الهواتف. مؤخرا انتهينا في جريدتنا الغراء من دورة تدريبية متخصصة في طريقة البحث في الشبكة العنكبوتية وتأكدت من أن هذه التقنيات الحديثة باتت من أدوات الصحفي التي لا غنى عنها في عالم تنتقل فيه المعلومة عبر الإنترنت قبل أن تبثها وكالات الأنباء أو أن يصل إليها المراسل في موقع الحدث ومجبرا اقتنعت بوجهة نظر ابني وخرجنا معا نبحث عن التوت الصغير.
إبراهيم العسم