كيف ننمي في الطفل نزعة المساعدة في الأعمال المنزلية؟
أحياناً تشكو الأم من أن ابنتها ترفض القيام بأي مشاركة لها في أعمال المنزل، أو أن الابن يرفض كلياً شراء ما تريده من أشياء، وتصبح مشكلة·
لكن·· لماذا لا نبدأ نحن الآباء والأمهات في تعليم الأطفال كيف يساعدوننا في أعمال المنزل؟ ليس المهم عدد أو نوعية الأعمال التي نسندها إلى الطفل، بقدر شعوره بأنه ملتزم ويتحمل مسؤولية مشاركة الأسرة في ترتيب أمور الحياة داخل المنزل· يرفض بعض الآباء والأمهات أن يقوم الطفل بالمشاركة في أعمال البيت، لأن الأب لا يثق في قدرة ابنه على أن يشتري شيئاً من السوق، والأم لا تطمئن إلى غسيل ابنتها للأطباق· وعندما يسند الأب إلى ابنه مهمة شراء شيء، ولا يوافق الابن، فإن الغيظ يملأ قلب الأب ويقول: ''خائب منذ خُلقت·· لا تعرف كيف تدبر حياتك''· وعندما لا توفق الابنة في غسيل الأطباق أو تكسر أحدها، فإن الأم تصرخ ''كيف ستديرين بيتك؟ لاشك أن زوجك مغضوب عليه ليتزوج من مهملة مثلك''·· وهكذا يكفر الآباء والأمهات بقدرة الابن أو البنت على المساعدة في أعمال المنزل، وتكون النتيجة فقدان الأبناء ثقتهم في أنفسهم، ومن ثم يعيشون معزولين تماماً عن المشاركة في أعمال الأسرة·وهناك آباء وأمهات لا يرغبون في إرهاق أبنائهم بالعمل طوال الوقت لكي يتمتعوا بطفولتهم، وهذا ليس رأياً صائباً، بل يجب على الأب ألا يهمل مطلقاً مشاركة ابنه في المساعدة في بعض أعمال البيت، لأن هذا يجعل الطفل مهملاً في بقية المسائل، مثل إهمال التمسك بالأدب والمجاملات الاجتماعية وتقدير ظروف الآخرين· وهذا يخلق أبناء أنانيين ومزعجين ليس لنا فقط، ولكن للجيران أيضاً، ويجعلهم عندما يكبرون يرغبون في الاعتماد على غيرهم، فهم يتوقعون -مثلاً- أن يقوم إنسان آخر بعملهم في وظائفهم· كلنا نعلم أن الطفل يرغب في أن يساعد أسرته، ويرغب في أن يساعد نفسه، ويفرح عندما يعرف كيف يملأ لنفسه كوب الماء، ويفرح عندما يعرف كيف يرتدي ملابسه وحده، وهكذا يجب أن نعرف نحن الآباء أننا مسؤولون عن غرس الإحساس بالمسؤولية في الأطفال، ومسؤولون عن تشجيع رغباتهم الأولى في مساعدتنا، لكن لا يجب أن نجعل همنا الوحيد محاصرة الأبناء بالواجبات المنزلية وإلزامهم بعدد ساعات معينة من العمل اليومي في خدمة البيت ورعاية أمور الأسرة· إن الصواب أن نطلب من الأطفال مساعدتنا بروح طيبة ومليئة بالتشجيع، وبذلك نجعل الطفل يساعدنا في أعمال البيت والفرحة الدائمة تملأ قلبه، ونجعله يقبل على مساعدتنا وهو واثق من نفسه ومن تقديرنا له· إن مساعدة الطفل لأسرته يمكن أن تبدأ من سن السادسة وذلك بأن يتعلم كيف يرتب فراشه ويغسل الطبق الذي يتناول فيه طعامه· ولا داعي أبداً لتلك السخرية التي تقارن بين عمل الذكور وعمل الإناث· إن البعض أحياناً يقول: ''هذا عمل غير مناسب للصبي ومناسب للبنت''، لأن هذا القول يدفع الصبي الى الكسل والترفع عن بعض الأعمال التي يجب أن يساعد بها الأسرة·هناك أسباب كثيرة تجعل الأب والأم يشعران بالضيق من الأبناء بسبب الإخلال بنظام البيت أو كسر بعض الأشياء أو خصام الأبناء وخلافاتهم طوال النهار، وهنا تتحول الكلمات على شفاهنا الى أوامر، ونشعر بلذة غريبة -نخفيها نحن- هي لذة الإحساس بالسيطرة· فكثيراً ما سبب لنا آباؤنا الغيظ والضيق والكبت بسلسلة لا متناهية من الأوامر، ونجد أنفسنا ونحن آباء في موقف اللذة ونحن نعيد التمثيلية مع اختلاف في الدور، لكن يجب أن نتذكر أن الطفل سيكرر ما يفعله الوالدان·
إن الابن يرغب دائماً في أن يساعد أهله إن وجد فرصة للتشجيع وليس التوبيخ· وهو يشعر بالزهو والفخر عندما نطلب منه أن يفعل شيئاً يجيده· لكن علينا أن نلاحظ أن الأبناء يختلفون في أهدافهم عنا نحن الآباء· ولذلك لابد من أن نطلب منهم القيام بالأعمال التي نريدهم أن يقوموا بها بلهجة رقيقة، وتعكس إحساساً بالصداقة، وأن نساعدهم نحن في أداء هذه الأعمال· كل ذلك يمكن أن ينمي في أعماق الطفل الثقة والحب والرغبة في تحمل مسؤولية القيام بالأعمال التي نريده أن يقوم بها· ولكن إذا تسرعنا في إلقاء الأوامر وطلبنا أن يقوم الأطفال بكل الأعمال وحدهم فإن حماسهم يتلاشى كالبخار·
نحن نربي الأبناء من أجل المستقبل، ولهذا فلا أحد منا يمانع في أن يجعل ابنه سعيداً بمسؤولياته ويجعل الآخرين يشعرون بالسعادة بابنه لأنه يقوم بمسؤولياته كلها كاملة