الحديث عن مشاعر الحب لا ينتهي..والكلام عن كرامة المحب وكبريائه قديم قدم العلاقة الأزلية بين البشر، وملأ أدبيات صفحات ومجلدات عديدة يستحيل حصرها، ولم يقل المحبون كلمتهم الفصل فيها، فالاختلاف بين البشر سنة الله في الأرض، ولا يظن عاقل أن نقرأ اتفاقاً أو تطابقاً بين رأيين حول علاقة «الحب.. بالكرامة أو الكبرياء»، ولا أعرف لماذا يقترن كثيراً الكلام عن الحب بالكلام عن الكبرياء؟ هل هما معنيان أو إحساسان متلازمان أم متنافران؟ هناك من يشبهون المعنيين بقطبي«المغناطيس»، حيث يستحيل التقاء «الشمال بالجنوب»، وهناك من يرى عكس ذلك تماماً. السؤال هنا: هل يوجد كبرياء في الحب؟ ومهما كانت الإجابة بين«نعم»، أو»لا»، فما معنى الكبرياء ؟ أهي«الكرامة»؟ أم «الغرور»، أم «عزة النفس»؟ وهل يقتل الكبرياء الحب؟ ويمكن التساؤل بطريقة أخرى: هل يوجد كرامة في الحب؟ وهل يعرف الحب التسامح على حساب الكرامة؟ أم أن التسامح من شيم المحبين؟ لكن إلى أي حد؟ وهل يمكن لطرف أن يُضحي بكرامته من أجل الحفاظ على حبه؟ وهل يكون جرح الكرامة ثمن الحب والعطاء والتضحية بين المحبين؟ إن الاتهام بجرح الكبرياء يعني الاتهام بتلاشي الحب، فكلاهما يأبى التراجع، والمعركة بينهما ليس فيها منتصر، فالطرفان خاسران، وكلاهما مهزوم، فإن انتصر الحب خرج الثاني في مهانة، وإن انتصرت الكرامة جفت المشاعر وضاع الحب، فما العمل ؟وما الحل؟ تساؤلات ستظل تبحث عن إجابات: زلزال الكرامة يقول مزهر بطاينة «معلم»:»التعبير عن الكبرياء أو الكرامة يختلف من شخص لآخر، وعندما يشعر المحب بأن كرامته أهينت أو خدشت، يمكن أن تخرج منه ردود فعل غير محسوبة، ولا تتم السيطرة على الأفواه في لحظة غضب أو لحظة انفعال. ومن ثم ينهار البنيان، ويضرب زلزال الكرامة الحب بقوة، وقد لا يصمد أمامه مهما حفر حروفه على جدران القلوب، ويتحول الحب إلى حبر على ورق، ويصبح كأوراق الأشجار اليابسة التي تتساقط في فصل الخريف والسبب جرح الكبرياء». ويضيف: «عندما يجرح الكبرياء يستيقظ المرء من حلمه الجميل ليدخل كابوسا ثقيلا، ومن الطبيعي أن من يشعر بجرح كبريائه وكرامته من حبيبه سوف يكون رده عنيفاً ومتوازياً مع الألم الذي عاناه، والجرح الذي أدماه، ويدخل الطرفان في حلقة مفرغة من الفعل ورد الفعل، ولا نعلم من يعتذر أولاً، فيقول أحدهما: «على الآخر أن يعتذر، فقد جرح كبريائي، وأنا أقرب الناس إليه وحبيبه، وكيف جرؤ على ذلك؟، ويرد الثاني بالرفض، ويقول: لا.. هو الذي بدأ ولو كان لي قدر من الحب كما يدعي لما ظن في الإساءة إليه، لقد كان يدعي الحب، فلمّا وقعت أول مشكلة بيننا ظهر على حقيقته، ولم يصبر على التمثيل الذي كان يتقنه». وتعلق سمر القاضي «موظفة»: غالباً ما تكون وجهة نظر الرجل الشرقي هكذا. الحل في نظري أن يتجنبا الصدام، أو الوصول إلى نقطة اللا عودة، وألا تقع الحرب بينهما، فما دام الطرفان سيخرجان منها خاسرين فمن الأصوب ألا يخوضا فيها، وأن يحكم تصرفهما المنطق، لكن كيف يتجنبا الحرب ويبادران بالصلح والتسامح، فمن المهم أن يتغلبا على إشكالية من يبدأ بنفسه وقد تمسك كل طرف بوجهة نظره؟ الكبرياء ضروري يرى فادي بكري «أعمال حرة»: «أن لا حب دون كبرياء، وإذا غاب الكبرياء، غاب الحب، فالكبرياء ضروري للغاية لوجود الحب، وإذا كان لابد من تقديم تنازلات فلا يجب أن تمس الكرامة، فقد يقول المحب عن الطرف الآخر: «لم أره يعبر عن حبه»، ويرد الثاني: «لم أجده يهتم بكرامتي»، أو يقول أحدهما: «ابتعدت عنه لأنه جرحني»، ويرد الثاني: «هذا دليل إدانة. كيف تقر بحبي وتبتعد؟ «إنها بالفعل حلقة مفرغة من الاتهامات المتبادلة لن ينتج عنها سوى ازدياد البعد والفرقة وضياع كل شيء». أهمية الاعتذار ويقول خالد منير «طالب»: «نحن أمام طرفين كل منهما يشكو الآخر ويطلب منه اعتذاراً، فمن يبدأ؟ لابد أولاً أن نطلب من الطرفين قبول اعتذار الطرف الآخر لبعضهما لأن فكرة عدم القبول تعني الرغبة في إنهاء العلاقة، ومن وجهة نظري أنه لابد من وجود مساحة تسامح وود من الطرفين عند الاختلاف بقدر الاعتزاز والحب المتبادل. لهذا أرى أن الطرف الذي يواجه تهمة جرح الكرامة حتى لو لم يكن قاصداً يجب عليه أن يبدأ ويبادر بالاعتذار لأن الألم الذي سببه دون قصد لحبيبه أقسى وأشد من الألم الذي يشعر به بضياع الحب، فهذا الأمر يمكن التعبير عنه على فترات والتأكيد عليه مراراً، لكن مسألة الكرامة لا تتحمل التأخير». أهم الأشياء يؤكد نايف الهنوري«موظف»أن لا حب دون كرامة، والكبرياء عنوان الشخصية، فكرامتي أهم شيء في حياتي، ولا أسمح لأي إنسان أنه يقتلني، ولا أسمح له أن يمس كرامتي، يعنى باختصار ممكن أموت أهْون علىَ من أن أفرط في كرامتي، وعلى الطرف الآخر أن يعي ذلك ويحرص عليه أن كان يحبني سواء كان صديقاً أو حبيبة، فهناك أمور لا يجب الفصال فيها، أو نعتبرها من الثوابت، ولا أجد في ذلك عيباً في أن يعلم كل محب صفات الطرف الآخر، ومن الممكن أن يجانبني الصواب، لكنها في النهاية طبيعة بشرية لا أستطيع تعديلها». وأعتقد أن من يفرط في كرامته، يسهل عليه التفريط في حبيبه، ومن يفرط فى كرامته يفرط في نفسه ، ومن يفرط في نفسه يسهل عليه جداً أنه يفرط في أحب الناس إليه». أما راشد محمد علي«موظف»، فيتساءل:» هل من الممكن أن يكون الشعور بالكبرياء موجوداً وملازماً بين المحبين؟ هل من الممكن أن نقدم بعض التنازلات لكى يزدهر الحب وينمو للأبد؟ هل من الممكن أن نغمض أعيننا قليلا لنرى لأفقٍ أبعد، وأن تستمر حياتنا كما نتمنى؟ الإجابة نعم لأن من الممكن لكلمة أنت تخرج من غير قصد من أحد الطرفين في لحظة غضب أو موقف ما في لحظة انفعال وتهدم الهرم الجميل الذي بني َ لسنوات ويصبح رماداً». شخصان في واحد يؤكد مؤيد سعد الدين«مدير تجاري»أن أي شخصين تربطهما علاقة حب لابد أن تذوب الفوارق الشخصية بينهما، ولا وجود لما يسمى بالكبرياء، إذا كانت هذه المشاعر حقيقية، لأنهما يصبحان في هذه الحالة شخصين في شخصٍ واحد، فما يجرح أي طرف يجرح الطرف الآخر، فالحب فرصة ليصبح الإنسان أفضل وأجمـل وأرقى، لأنه ليس عاطفة وجدانية فقط وإنما هو طاقة فعالة، فالحب أعظم مدرسة يتعلم العاشق فيها لغة لا تشبهها لغة أخرى، وليست العلاقة حرباً أو لعبة يمارسها اثنان، وفي نهايتها أحدهما يربح والآخر يخسر، إنما هو تجربة عميقة تنتزع الإنسان من وحدته القاسية الباردة لكي تقدم له حرارة الحياة المشتركة الدافئة، وهو فضيلة من الفضائل التي نعلو بأنفسنا عن العبث والتهريج والابتذال العاطفي، ونحمي عقولنا من الضياع والتبعثر الفكري، وتجربة إنسانية معقدة بل هي أخطر وأهم حدث يمر في حياة الإنسان، لأنه يمس صميم شخصيته وجوهره ووجوده. وجهان لعملة واحدة «الحب والكرامة.. وجهان لعملة واحدة»- بحسب رأى- زوجته رولا قباني«حقوقية»، وتقول: «المرأة أصلاً جزء من نفس ومن قلب الرجل المحب، وبالتالي فإن كرامة المرأة أصلاً جزء لا يتجزأ من كرامة الرجل، وأنا أعتقد أن أجدر إنسان بالاحترام والحب من يحافظ على أحب الناس إليه، وعند الاختلاف لابد أن يكون هناك قدر معين من التنازلات، أو لنقل من التقارب، والتلاقي، وأن تتوسط الأمور بين الشد والجذب، وهناك قاعدة مهمة أقتنع بها تقول:»اثنان لا يتعلمان أبداً: الشخص»المستحي..و»المتعند» بمعنى«الخجول والعنيد». فالعناد يولد- كما يقولون- الكفر،لأن الكبرياء الزائد عن حده سيتحول إلى عناد، والعناد سيولد شرارة بغيضة ربما ستهدم كل شيء جميل»، فلا كرامة للعاشقين!. وتقول داليا هاشم «ربة بيت»: «دائماً ما كان يخطر في بالي قبل الزواج هذا السؤال، وكنت أحتار في معرفة التعريف الحقيقي للكرامة بين الزوجين، وماهي حدودها ومعاييرها، وكنت أقرأ «أنها تفضي إليه ويفضي إليها»، واكتشفت أن الزوج أقرب من أي إنسان في حياتي. فالزوجان اللذان يربطهما»ميثاق غليظ» وإنهما يعيشان تحت سقف واحد وتجمعهما أقوى رابطة مقدسة، فكيف يضعون معايير للكرامة، إن هذا التساؤل ظلّ يحيرني ويؤرقني، وكنت أغضب من أتفه الأسباب، لكنني أشعر الآن أنني تفهمت الحياة أكثر، فحتى تسير الحياة الزوجية إلى بر الأمان على الزوجين أن يقدما بعضاً من التنازلات حتى يحفظا الميثاق الغليظ الذي يجمعهما معاً، فلا يوجد كبرياء بمعناه الجامد بين الزوجين إن كانا حريصين على استمرار العلاقة الزوجية الناجحة بينهما». لا للغرور ويقول عبد العظيم قاسمي «موظف»: في حالة وجود حب حقيقي بين الطرفين لابد وأن يمحو شيئاً اسمه كرامة، وكبرياء، وغرور، وفي حالة وجود هذه الكلمات التي تؤدي إلى انهيار العلاقة من وجهة نظري، لأن كل طرف يفكر في نفسه فقط «أنانية»، فهذا يدل على أنه لا يوجد حب من الأساس، وهذا حب «مزيف»، ومجرد اختبار للعلاقة لا أكثر من الطرفين، فإذا كان يوجد حب حقيقي بين الطرفين، فلا بد من انتزاع هذه الكلمات الخطيرة من العلاقة بينهما حتى تستمر دون أي عقبات في حياتهما، وهذا الرأي لابد وأن يكون بين حبيبين أو زوجين أو خطيبين حتى ينعما بالسعادة الكاملة، وأن تنتهي كل علاقة حب بنهاية سعيدة، وأرى أيضاً أن لابد من تجديد هذه العلاقة التي أعدها أجمل علاقة في الكون لأنها هي الوحيدة التي تستمد قوتها من أعماق القلوب، وهذا يكفي بأن تكون الحياة رائعة». وفي تعليقه حول الخلاف الذي ينشب بين الطرفين قال قاسمي: «في حالة وجود أي خلاف، بشرط أن يكون بعيداً عن الخيانة التي تتعلق بالشرف، فلابد أن يتنازل أي طرف من الطرفين حتى لو كان الطرف هذا هو المظلوم حتى تسير الأمور بشكل طبيعي ولا تأخذ منحىً آخر». تقول نورا سعيد «موظفة»: «يجب أن نفرق بين التعامل الذي يحفظ كرامة الطرفين والتعامل الذي يهين أو يجرح مشاعر أي طرف من أطراف العلاقة الزوجية، أو العلاقة بين محبين، فهناك أزواجٌ نجدهم بعد الزواج ينسون الكلمات المعسولة قبل الزواج «وفي الطلعة والنزلة يسمعها أبشع الكلمات»، أو بالأحرى يهينها تماماً أو يضربها، أو يتصرف معها بطريقة غير لائقة أمام الناس، فهل تستطيع الزوجة أن تتنازل عن كرامتها في مثل هذه المواقف؟ والعكس صحيح إذا كانت الزوجة تهين زوجها أمام أطفاله أو أمام أهله، أو أمام الآخرين، فهل تنفع الكرامة أو الكبرياء، وتصمد أمام هذه التجاوزات. لا أظن!».