الكتابة على الجدران.. رسائل حب وبيانات تتأرجح بين الجد والهزل!
ظاهرة باتت تبعث على القلق والحيرة والطرافة في بعض الأحيان، شعارات، رسومات، كتابات جدارية.. أشعار، وحب وهيام تبتكر كل جديد في دنيا الحب والسياسة وغيرها. كتابات تمتلئ بها الجدران في كل مكان، تراها على جدران الشوارع والمدارس والجامعات، في الطرقات وعلى المنازل والمقاعد والحدائق وفي الأماكن العامة، حتى أن غرف الهاتف العمومي المنتشرة في الأحياء لا تخلو من انعكاسات هذه الظاهرة الجديدة.
وتتراوح الشعارات والكتابات والرسومات في مواضيعها، من السياسة الساذجة، إلى العبارات الطريفة في الحب والغرام، إلى تلك التي تحمل تعصباً لفريق رياضي أو حزب معروف، أو تلك التي تؤرخ لذكرى محببة في كلمات صارخة بالحب لفتاة، وأرقام هواتف متراصة بطرقة عجيبة، مع أغان لمطربين مشهورين، وأشعار لشعراء، وصولاً إلى العبارات التي تحمل الضحك والاستهزاء في آن معاً. كتب أحدهم ليعبّر عن حبه المتيم لحبيبة لوعته بالهجر والفراق والسهر والعذاب «أحبك حتى الموت.. لا أقدر على الابتعاد عنك.. الفراق يعني الموت». والأمر لا يقتصر على الكتابات الجدارية فقط، بل يتعداها إلى رسومات تحمل المشاعر الجارحة، ورسم قلب ينزف، وخط لسهم يرمز إلى أول حرفين للحبيبين، يخرق القلب. هذه الإبداعات والفنون يعجز عنها بيكاسو الرسام الإسباني الشهير، وأفصح الأدباء والمفكرين، لأنها تنجم عن صدمة حب، أو موقف متعصب لزعيم أو رئيس أو حزب ما، المهم أن يسجل الحبيب همساته ومشاعره على الجدران، فهذا العمل أسهل طريقة لإيصال أحاسيسه إلى من يحب. وماذا اذا قرأنا على الجدران: «يقبرني جمالك ودلالك»... «لك روحي وعقلي وحياتي»، «مين حبيبي أنا»، «أموت فيك أنا»، «اشفقي على شبابي» وغير ذلك من الكتابات التي يرتدي بعضها زي الأجنبي مثل: LOVE أو روميو وجولييت أو قلب كبير بكبر الحب الذي لا حدود له.
كلمات... كلمات
الطريف في هذه الظاهرة، تنوع الكتابة على الجدران في مجتمعاتنا بحسب طبيعة البيئة الثقافية والاجتماعية التي ينتمي إليها كاتب هذه العبارات، فكثيرة هي الكلمات المليئة بالأخطاء الإملائية التي تدل على أن كاتبها لم يحصّل من التعليم إلاّ على الشيء اليسير، مثل كتابة: طاهة، الخوة، عبد الرحمان.. والمقصود به: طه والإخوة وعبدالرحمن، وغالباً ما تخط معظم الكتابات والعبارات تخط بالليل، حيث يبثّ فيه الشاب المراهق لواعج قلبه وحبه لفتاة ما، مذيّلة بقلب جريح ينقّط دماً، ويخترقه سهم وفي طرفي السهم حرفان، هما بكل تأكيد حرفا اسم المحبوب والمحب. وتتحول في كثير من الأحيان، الجدران لمعارك بين مشجعي فريقين رياضيين، فيبدأ أحدهم بالكتابة: «أنا نجماوي»، ويرد عليه أحد مشجع «الأنصار» أو فريق «الحكمة» وغيرها. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأحزاب السياسية المنتشرة على الأراضي اللبنانية، على طريقة الحزب «الفلاني بس والباقي خس»، ولتتطور المعركة إلى شتائم بذيئة بحق كلا الفريقين أو الحزبين. ونجد بعض الجدران تحولت إلى سجال للحكمة، حيث كتب بعضهم: «غدار يا زمن.. وكيد الرجال يهد الجبال.. وكيد النساء يهد الرجال». أما أكثر العبارات المكتوبة في المدارس الإعدادية على الجدران أو على المقاعد، فهي اسماء الطلاب المكتوبة بخط كبير كذكرى، أو دعاية لشلة من الأشقياء تصارع شلة أخرى ومنها «عصابة الكف الأسود تكسر رأس الكل».
تشيع في المدارس والجامعات
إذا انتقلنا إلى المدارس الثانوية والجامعات، نرى عبارات الحب والغزل ومقاطع من أشعار نزار قباني، وكلمات أغاني تملأ الجدران والمقاعد ورسوما ساذجة لفتيات، تعبر عن مخيلة المراهق في مجتمعاتنا، ولا تختلف كثيراً جدران الجامعة أو مقاعدها عن هذا الشيء، فنجد مقاطع أغنيات شبابية عربية أو أجنبية، وأشعارا مكتوبة على الجدران، وذكريات لحب ضائع أو «شتيمة» لاستاذ أعطى علامة متدنية لأحد الطلاب، وأيضاً كتابة لجزء من المقرر ربما يسعف الطالب في أحد الامتحانات الجامعية. ولا تنسى هنا أنه في كثير من الأحيان، تتحول الجدران إلى مكان للدعاية والإعلان الرديء، عن محل لتصليح السيارات، وآخر لبيع الأدوات المنزلية، بخط سيئ وبدائي كتب على عجل في أغلب الأحيان. والكتابات الجميلة المعبرة والمشوقة، تندمج بالشعارات السياسية لتعطي مزيداً من «الحضارة»: سيد الغضب مر من هنا، أبو الجماجم ملك القبضايات.. وهذا يدل على أن لكل منطقة وحيّ، «عصابته» ورجاله وشعاراته دون أن ننسى الصور والإعلام التي ينتمي اليها هذا «القبضاي» وذاك المعلم.
ظاهرة عامة
السؤال المهم الذي يطرح حول هذه الظاهرة، هو هل هي مقتصرة على شريحة ثقافية معينة، أو اجتماعية واحدة؟ أم أنها ظاهرة منتشرة بشكل صارخ؟ فنحن نجدها في الأحياء الراقية كما في الأحياء الشعبية، ونجدها في الشوارع كما نجدها في المدارس والجامعات. وأيضاً هل هي مقتصرة على مجتمعاتنا أم أننا نراها في أماكن ومجتمعات أخرى؟ والمتتبع يلحظ أنها ظاهرة موجودة في أنحاء متفرقة من العالم، نجدها في الأحياء الخلفية لمدينة نيويورك، وتجد المرافق العامة في الغرب، تغصّ بكتابات متنوعة، أصبحت فناً معترفاً به. وفي البحث عن أسباب هذه الظاهرة في المجتمعات العربية، يرى أحد الاختصاصيين أن أحد الأسباب الرئيسية والأساسية التي تتمثل في لجوء الشباب للكتابة على الجدران، هو التعبير عن حاجاتهم وأفكارهم وظروفهم الاجتماعية والنفسية والمادية، مستخدمين لذلك أساليب عديدة، وللأسف فقد باتت الكتابة على الجدران، من أهم وسائل تنفيس الاحتقان، وكذلك تلعب الخلافات بين الشباب المراهق، دوراً في انتشار هذه الظاهرة، فكل طرف يعبّر عن هذا الخلاف من خلال كتابة الشتائم والتشهير بالطرف الآخر، وبأصدقائه وأحياناً تصل إلى التشهير بالعلائلات.
المصدر: بيروت