فور توقف قطار هارموني اكسبريس في محطة قطارات عاصمة الصين القديمة “زايان”، تهرع كتيبة من العمال بزيهم الأزرق الموحد الى تلميع أسطحه الخارجية البراقة. هذا هو وجه السكك الحديدية العصرية في الصين وأحدث مستجدات شبكة قطارات سريعة آخذة في الانتشار، منتظر أن تكون الأكبر عالمياً خلال خمس سنوات بحسب تقارير الحكومة الصينية. وتثير خطط توسعات هذه الشبكة الدهشة لدى كثيرين، فهي تضم 30 ألف كيلومتر من السكك الحديدية المقرر مدها بحلول منتصف هذا العقد بكلفة تبلغ 400 مليار يوان (أو 586 مليار دولار). يذكر أن شركات خطوط السكك الحديدية، التابعة للحكومة الصينية، خارجة للتو من سنوات من الخسائر وأضحت تعول على سوق السفريات المحلية المتنامية الازدهار، غير أنها تواجه عراقيل محتملة من جهاز حكومي آخر هو قطاع السكك الحديدية الذي تديره وزارة السكك الحديدية. ويتوقع لبو شاويونج رئيس شركة شرقي الصين للخطوط الجوية أنه إذا تم إنشاء خطوط السكك الحديدية عالية السرعة لتغطي أكثر مناطق الصين ازدحاماً وتطوراً اقتصادياً، فإن ما يصل الى 60 في المئة من سوق الطيران التجاري المحلي سيتأثر بشكل ما، وقد تجلى هذا التأثير فعلاً في الخذ الجديد بين زايان وزينجزهو الذي يبعد عن بكين 505 كم والواقع في إقليم هنان المجاور. وكانت كل من شركة جوي للخطوط الجوية التابعة لشركة شرق الصين وكونبنج للخطوط الجوية التابعة لإير تشاينا تشغلان رحلات منتظمة ولكنهما قامتا بإلغاء كافة الخدمات بين المدينتين بعد أسابيع من افتتاح خط هارموني اكسبريس السريع في شهر فبراير الماضي نظراً لعدم وجود عدد كافٍ من الركاب بحسب منفذ بيع رسمي لتذاكر الطيران في مطار زايان. والرحلة على متن قطار هارموني اكسبريس عالي السرعة بين رنجزهو وزايان توضح سبب شدة قلق مديري شركات الطيران في الصين . إن محطات السكك الحديدية في الصين قديمة وقذرة وتجذب أعداداً من اللصوص والنشالين والمحتلين، ولكنها عادة تقع في وسط المدينة بدلاً من مشاريع المدينة التي تقع فيها مطارات الصين . وبالنسبة لزايان ورنجزهو ومعظم المدن الصينية الكبرى يضطر المسافرون الذين يصلون الى المطار إما في انتظار خدمات الحافلات غير المنتظمة أو الوقوف في طابور سيارات الأجرة التي تقطع الطريق الطريق الجديدة الخاضعة للرسوم في أكثر من ساعة. كذلك تتأخر الرحلات الجوية في الصين دائماً، ويضطر المسافرون الى الذهاب مبكراً الى المطارات لكي يخضعوا لعمليات فحص أمني مطول. أما على متن الطائرات فالخدمة متردية وغالباً ما تكون الحمامات قذرة والأطعمة غير مستساغة. في المقابل، تتميز قطارات الصين البراقة الجديدة عالية السرعة بالنظافة والسرعة والنعومة وتلتزم بالمواعيد بشكل شبه دائم. ولا تفرض رسوماً على الأمتعة الزائدة وتعتبر فحوصها الأمنية بسيطة وفي مقدور الركاب استخدام هواتفهم المحمولة. وربما يكون أكثر ما يقلق الخطوط الجوية هو سعر تذاكر القطارات الأرخص كثيراً من تذاكر الطائرات، خصوصاً إذا أخذ في عين الاعتبار تكاليف سيارات الأجرة ورسوم عبور الطريق. و مع نمو شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في الصين يتوقع محللون أن توقف شركات الخطوط الجوية الرحلات التي تقل مسافاتها عن 500 كيلومتر رغم أنه ينتظر تحول نحو 40% من المسافرين بالطائرات في رحلات تتراوح بين 500 كم و 800 كم الى القطارات، وهو ما يعكس توجهاً مشابهاً في أوروبا في العقدين الماضيين حين توسعت شبكات القطارات عالية السرعة. كذلك تثار تساؤلات عن التأثير المحتمل على شركات الخطوط الجوية الصينية عن جدوى عشرات المطارات الجديدة قيد الإنشاء في أنحاء الصين. يذكر أنه ضمن حزم بكين للتحفيز الاقتصادي البالغة قيمتها 4000 مليار يوان لمواجهة الأزمة الاقتصادية العام الماضي شيدت الصين وطورت 22 مطاراً. كما رصدت الحكومة ما لا يقل عن 90 مليار يوان لتوسعة وبناء 25 مطاراً آخر هذا العام، بل إن هناك خططاً لبناء 60 مطاراً آخر خلال العقد المقبل لتفي بتوقعات رسمية بزيادة أعداد المسافرين بالطائرات، غير أن تلك الخطط أضحت على ما يبدو مبالغاً فيها إذا خذت بعين الاعتبار خطط توسعة شبكة القطارات عالية السرعة. في عام 2009، استخدام نحو 230 مليون مسافر رحلات جوية في الصين، غير أن هيئة الطيران المدني الصينية تتوقع زيادة العدد الى 700 مليون راكب بحلول عام 2010 غير أن نسبة كبيرة من أولئك المسافرين ربما يستقلون قطار هارموني اكسبريس متسائلين عما يجبرهم على تحمل مشاق الرحلات الجوية في الصين مجدداً. عن «فاينانشيال تايمز»