«آليو ماري»... وتداعيات الثورة التونسية
كيم ويلشر
باريس
قدمت وزيرة الخارجية الفرنسية "ميشال آليو - ماري" استقالتها الأحد الماضي بعد الانتقادات التي وجهت إليها على مدى الأسابيع الماضية، بسبب صلاتها بالنظام السابق في تونس.
في تعديل وزاري متعجل، وإنْ كان متوقعاً لحد كبير (الرابع خلال عام)، استقالت "ماري"، وهي واحدة من أقدم الوزراء، في الحكومة الفرنسية ليحل محلها السياسي المحافظ "آلان جوبي"، الذي شغل من قبل منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في تسعينيات القرن الماضي، وحكم عليه في قضية فساد سياسي عام 2004.
وهذه التغيرات حدثت بعد تصاعد الانتقاد لفرنسا، بسبب عدم قدرتها على التماشي مع وتيرة التغيير في العالم العربي، ومع الانتفاضات الشعبية التي تهز بعضاً من مستعمراتها السابقة. فرد الفعل الفرنسي حيال تلك الانتفاضات التي وقعت في تونس ومن بعهدها مصر اتسم بالبطء الشديد، كما أنها تواجه نقداً في الوقت الراهن بسبب الصلات الوثيقة التي أقامتها مع الزعيم الليبي معمر القذافي.
وقد ظهر الرئيس الفرنسي على شاشة التلفاز يوم الأحد الماضي، للرد على الاتهامات القائلة بأن سياسة بلاده الخارجية كانت تدار بأسلوب "طائش"، و"أقرب ما يكون لأساليب الهواة". وهذه الاتهامات تم توجيهها الأسبوع الماضي على صفحات جريدة "لوموند" الرصينة من قبل مجموعة من الدبلوماسيين الفرنسيين، الذين فضلوا عدم كتابة أسمائهم.
وتحدث ساركوزي في كلمته عن"التغييرات التاريخية"، التي تحدث في العالم العربي، الذي يأخذ الناس فيه مستقبلهم في أيديهم، ويطيحون بأنظمتهم، ودافع عن علاقات بلاده السابقة بتلك الأنظمة قائلاً بأنها كانت تمثل "حصناً حصيناً ضد التطرف والإرهاب".
وقد بدأت المشكلات التي واجهتها "ماري" في شهر يناير الماضي، وذلك عندما عرضت إرسال قوات أمن فرنسية لقمع الانتفاضة في تونس، وذلك قبل ثلاثة أيام على قيام المحتجين التونسيين بالإطاحة بالرئيس الأتوقراطي الذي يحكمهم منذ مدة طويلة زين العابدين بن على، وأجبرته على الفرار من البلاد.
وهذا التصريح تعرض للمزيد من المساءلة، عندما تكشف فيما بعد أنها قد قضت عطلة ما بعد عيد الميلاد في تونس، وذلك في نفس الفترة، التي كانت الاضطرابات تنتشر فيها في مختلف أنحاء البلاد. وخلال تلك الزيارة استخدمت الوزيرة الفرنسية طائرة خاصة مملوكة لرجل أعمال تونسي قيل إنه مرتبط بروابط وثيقة مع حكام البلاد، مرتين على الأقل.
وفي خطاب استقالتها أصرت "ماري" 64 سنة، والتي لم تمض في منصبها كوزيرة للخارجية سوى ثلاثة شهور على أنها "لم ترتكب أي خطأ"، وأنها كانت"هدفاً لهجمات سياسية وإعلامية"، أدت إلى إثارة شكوك حولها "كما أنها تعرضت" لمضايقات" تصل إلى حد"التآمر".
وأصرت "ماري" على أنها سافرت لتونس في زيارة خاصة، ولكن تبين فيما بعد أن والدها قد رافقاها خلال تلك الزيارة، واستثمرا أموالًا في شركة عقارية مملوكة من قبل نفس رجل الأعمال الذي استخدمت طائرته، كما تبين أيضا أنها قد تحدثت مع الرئيس المخلوع زين العابدين بن على هاتفياً.
وفي ملاحظاته يوم الاثنين حول التعديل الوزاري، لم يشر ساركوزي إلى "ماري"، التي كانت قد خدمت في حكومة سلفه جاك شيراك، واحتفظ هو بها في الوزارة التي قام بتشكيلها عقب توليه الحكم عام 2007.
ومن المعروف أن "ماري" قد شغلت منصباً وزارياً للمرة الأولى عام 1986 وصعدت بسرعة لتصبح أول امرأة فرنسية تشغل منصب وزير الدفاع ووزير الداخلية، ثم شغلت بعد ذلك منصب وزير العدل.
في بداية الأمر، قاوم ساركوزي النداءات المطالبة بإقالة "ماري" وجاء في صحيفة "لوفيجارو" الموالية للحكومة أن الرئيس أعطى الوزيرة في السادس من شهر فبراير مذكرة دعم خلال اجتماع لمجلس الوزراء تقول سطورها:" اصمدي! اصدقاؤك يقفون بجانبك. التوقيع ن. س".
والوزيرة السابقة لم تكن الوزيرة الفرنسية الوحيدة التي تعرضت لانتقادات بسبب وجهة السفر التي اختارتها لقضاء إجازتها حيث تعرض ساركوزي نفسه لانتقادات بسبب الزيارة التي قام بها إلى مصر لقضاء عطلة نهاية السنة، على نفقة الرئيس المصري السابق حسنى مبارك.
ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير في موضوع "ماري" كانت في الأسبوع الماضي عندما نشرت صحيفة "لوموند" الشكوى التي قدمها الدبلوماسيون الفرنسيون.
أما "آلان جوبي" الوزير الذي حل محلها في وزارة الخارجية، فكان قد خدم كما أشير آنفاً كرئيس للوزراء ووزير للخارجية في عهد شيراك، ولكن حكم عليه بالسجن 18 شهراً مع إيقاف التنفيذ عام 2004، مع حرمانه من تولي أي منصب عمومي لمدة 10 سنوات بسبب اساءة استخدام أموال عامة في تمويل الحزب الذي ينتمي إليه بالمخالفة للقانون. وعند استئناف الحكم، تم تخفيض مدة الحرمان لعام واحد فقط، كما تم تخفيض مدة السجن مع إيقاف التنفيذ من 18 إلى 14 شهرا.
أما وظيفة "جوبي" في وزارة الدفاع فقد تولاها" جيرار لونجي" رئيس كتلة حزب"الاتحاد من أجل حركة شعبية"، الحاكم، في مجلس الشيوخ في التعديل الوزاري الأخير تم أيضاً استبدال وزير الداخلية "بريس هورتفو"، وهو من أصدقاء ساركوزي المقربين، كي يقود حملة الرئيس لإعادة الانتخاب في العام المقبل. وحل محل "هورتفو" في منصبه "كلود جيان"، وهو أحد مستشاري ساركوزي في قصر الإليزيه.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«إم.سي.تي إنترناشيونال»