دبي ( الاتحاد)

خلال أيام منذ إطلاقها في دورتها الثالثة، نجحت مبادرة «صناع الأمل»، المبادرة الأكبر من نوعها عربياً لتكريم أصحاب العطاء، في استقطاب عدد كبير من جنود الإنسانية في الوطن العربي للمشاركة فيها، حيث استقبل الموقع الرسمي للمبادرة خلال أسبوع فقط من فتح باب التسجيل رسمياً أكثر من 15 ألف طلب ترشيح من مختلف أنحاء العالم العربي، من أفراد ومجموعات ناشطة في العمل التطوعي في شتى مجالات العمل الإنساني، وكذلك من صناع أمل عرب ينشطون في العمل التطوعي، الخيري والإنساني، خارج الوطن العربي. كما حرص آلاف الأشخاص على زيارة الموقع الرسمي للمبادرة، سواء للتسجيل أو للتعرف عن قرب على جوانب هذه المبادرة، حيث وصل العدد الإجمالي لزوار الموقع إلى نحو 75.600 شخص.
وقال خالد الشحي، مدير مبادرة صناع الأمل ضمن مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية: «للعام الثالث على التوالي، تؤكد مبادرة صناع الأمل أن الوطن العربي مليء بقصص الأمل الملهمة.. وهي قادرة على تحريك الناس للتفكير بشكل إيجابي، والمساهمة في التصدي للتحديات المجتمعية التي تواجه أوطانهم».
وأضاف الشحي: «إن هذا الكم الهائل من المشاركات يعكس الصدى الكبير الذي حققته صناع الأمل منذ دورتها الأولى، على نحو جعل المبادرة حديث الشارع العربي، وهو ما يعكس رسالتها ورؤيتها بالدرجة الأولى كأكبر مبادرة عربية لتكريم أصحاب العطاء ناشري الأمل والتفاؤل من الرجال والنساء الذين يسعون من خلال مبادراتهم الإنسانية والمجتمعية إلى التصدي لأبرز التحديات في مجتمعاتهم والارتقاء بواقع الحياة فيها، طمعاً في مستقبل أفضل لأوطانهم».
كما تشهد الدورة الثالثة من صناع الأمل مشاركة كثيفة من قبل الشباب، عدد كبير منهم على مقاعد الدراسة الجامعية. وحرصاً على متابعة القصص كافة، شكلنا فريقاً مختصاً بفرز الطلبات ومعاينتها ودراستها وتقييمها مبدئياً، ومتابعة الطلبات التي تصلنا على الموقع الرسمي للمبادرة، ومتابعة أيضاً ترشيحات صناع الأمل على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي أو استقبال الرسائل التي كانت تصلنا بهذا الخصوص من كل أنحاء العالم.

الأولى عربياً
حتى الآن، تصدرت جمهورية مصر العربية قائمة الدول العربية من حيث المشاركة بنسبة بلغت 16.2% من إجمالي عدد المشاركات، تلتها دولة الإمارات العربية المتحدة بـ 16%.
وكان لافتاً هذا العام الحضور القوي لصناع أمل من دول شمال أفريقيا، من خلال عدد كبير من المشاركات مقارنة بالدورتين الماضيتين، حيث احتلت الجزائر المرتبة الثالثة عربياً بمعدل 9.5%، فيما جاءت المغرب في المرتبة الرابعة بمعدل يناهز 9%، في حين احتل العراق المرتبة الخامسة بمعدل يزيد على 6%.
إلى ذلك، انتزعت المشاركات الشبابية في مبادرة «صناع الأمل» الحصة الأكبر من إجمالي عدد المشاركات حتى اللحظة، حيث بلغ معدل الترشيحات في الفئة العمرية بين 21 – 35 أكثر من 57%، تلتها الفئة العمرية من 36 – 50 بأكثر من 23%، في حين سجلت نسبة المشاركات لصناع الأمل المرشحين فوق 51 عاماً أكثر من 13%. وتميز هذا العام بمشاركة لافتة للشباب والمراهقين تحت سن 20 عاماً، بمعدل بلغ نحو 6%.

قطاعات الأمل
وتوزعت مبادرات ومشاريع «صناع الأمل» على قطاعات ومجالات تطوعية وإنسانية متعددة، حيث تصدرت المبادرات المعنية بخدمة المجتمع العدد الأكبر من المشاركات بمعدل بلغ نحو 32%، تلتها المبادرات التعليمية بمعدل 13% تقريباً، ومن ثم المبادرات الصحية والطبية بنسبة 6%.
إلى جانب هذه القطاعات الحيوية، تشمل مبادرات صناع الأمل مجالات بيئية وإغاثية وثقافية وفنية، إلى جانب مبادرات معنية بتمكين المرأة والشباب والأطفال، وأصحاب الهمم.

1- أسسها علي محمد مـع متطوعات ومتطوعيــن أرادوا التقدّم لوطنهــم
«بصمة أمل» تدعم التنمية البشرية في المجتمع العراقي
كيف لمهد حضارات ما بين النهرين أن يستعيد مجده من جديد؟ كيف لمجتمع العراق الغني بتنوعه وتراثه وثقافته وتاريخه أن يواصل مساهمته في مسيرة التقدم الإنساني؟ وكيف للأجيال العراقية الجديدة والصاعدة أن تعزف لحن السعادة والأمل والإيجابية والفرح بعد سنوات من انعدام الاستقرار؟
هي أسئلة طرحها علي عبد الرحمن محمد على نفسه مراراً، لا ليبرر لذاته اتخاذ قرار الهجرة والخلاص الفردي بالخروج إلى جهات العالم الأربع، بل لاستكشاف أفضل السبل التي يمكنه من خلالها أن يوظف وقته وجهده وخبراته ومهاراته وعلاقاته الإنسانية لمساعدة إخوته من مختلف الانتماءات والطوائف في وطنه العراق.
وبعد تأمل وتفكير، قرر الشاب علي محمد من بغداد في 15 يناير 2015 تأسيس مجموعة تطوعية تحمل اسم «بصمة أمل»، هدفها الرئيس في ذلك الحين استقبال وخدمة المواطنين النازحين من مختلف المحافظات، طلباً للأمان، بعيداً عن مناطق النزاع المسلح.
وواصلت المجموعة تقديم الدعم المادي واللوجستي لسكان المخيمات المؤقتة الخاصة بالنازحين حتى عام 2016، حيث قرر أفرادها توسيع دائرة أنشطتهم والارتقاء بمهامهم لتشمل خدمة المجتمع وتمكين مختلف فئاته، لتصبح منظمة غير حكومية تحت اسم «منظمة بصمة أمل للشباب والتنمية البشرية».
وأصبحت المنظمة تعكف على رعاية من لا مأوى لهم؛ خاصة كبار السن، وتأهيلهم بالتعاون مع المؤسسات والهيئات الحكومية والأهلية المعنية بهذا الشأن، لما فيه حفظ الكرامة الإنسانية لهؤلاء، والمساهمة في إعادة دمجهم بشكل إيجابي في مجتمعهم.
كما بدأت «بصمة أمل» إطلاق مبادرات اجتماعية وإنسانية وتوعوية تستهدف الشباب بشكل أساسي، لتعزيز قيم التسامح والتعايش والتعاطف بين مختلف أطياف المجتمع بانتماءاته العرقية والعقائدية والثقافية المتنوعة. وبادرت الشابات والشباب المتطوعون في المنظمة للمساعدة في ترميم دور العبادة ترسيخاً لقيم التنوع والتلاقي في المجتمع.
ولأن التعليم والمعرفة والفكر والتحصيل العلمي هي خطوط الدفاع الأولى أمام موجات الجهل والإفقار والاستتباع والاستقطاب والانغلاق والتفرقة، شارك المتطوعون والمتطوعات في جهود تأهيل 516 مدرسة عراقية حتى تاريخه، لتوفير بيئة تعليمية حيوية للطلاب، تضج بالألوان والفرح والأمل، وتشجع التلاميذ على الإقبال على المدرسة والتحصيل العلمي، وتحارب التسرب من المدارس الذي يهدد مستقبل الوطن اقتصادياً واجتماعياً، ويطيح فرص الآلاف من الأطفال واليافعين والشباب الذين يستحقون الحصول على التعليم كحق إنساني أساسي وكمكون عضوي لتحقيق التنمية.
ويأمل علي محمد أن تستمر أعداد المتطوعين والمتطوعات في «بصمة أمل» بالنمو بعد أن أصبحوا 338 متطوعاً ومتطوعة من مختلف مناطق العراق، من أجل أن يواصل مشروعهم المشترك الذي استثمروا فيه إمكاناتهم كافة لإرساء مقومات تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة للعالم، على مستوى وطنهم العراق، من خلال توفير التعليم الجيد، والفرص الجديدة، والدعم الاجتماعي لمختلف الفئات من الطلبة والنازحين والأيتام.

2- بيت العم صيام عبده.. استراحة الأطفال في رحلة مكافحة «الخبيث»
يستيقظ قبل خيوط الفجر الأولى، يرتدي ثيابه، ويخرج مسرعاً، لا نحو محل بيع اللحوم الذي يعمل فيه، بل باتجاه بيت له خصصه للأطفال من مراجعي مستشفى 57357 لعلاج المصابين بالسرطان بمنطقة السيدة زينب في العاصمة المصرية القاهرة. يدخل الشقة الكائنة في الطابق الأرضي وهو يردد أدعية لا تفارقه بالشفاء للمرضى.
يتفقد الأسرّة السبعة الموزعة في أنحائها، يرتّب أغطيتها ووسائدها. يمر على المطبخ ليتأكد من نظافة الأشياء وحسن ترتيبها. يُخرِج بعض ألعاب الأطفال والكراسي المتحركة إلى الباحة أمام المنزل. يرفع عينيه إلى اللافتة التي ثبّتها في الشارع، يتأكد أنها ثابتة في مكانها واضحة للمارة: «يوجد سكن واستراحة يومية مجاناً لأطفال مستشفى 57357»، ثم يتطلع لحظات إلى وردة سماء الصبح التي بدأت تتفتح، وينطلق إلى محله في الشارع الذي بدأت الحياة تدب فيه.
سنوات مرت والعم صيام عبده الجزار يمارس هذا العمل الأثير إلى قلبه. يرى فيه فسحة أمل واستراحة مسافر ظليلة تخفف عن الأطفال المصابين بالسرطان الذين يأتون من مختلف مناطق القاهرة الكبرى والمحافظات المصرية إلى المستشفى في حي المدبح لمتابعة رحلة العلاج الطويلة التي يخوضونها مع المرض.
هؤلاء الأطفال صاروا أحبته وأصدقاءه، حتى صاروا ينادونه بـ «العم ظاظا»، يستضيفهم مع ذويهم في الشقة المتواضعة. يلتقيهم للحظات وجيزة يسرقها من يوم عمله الطويل، فتكون كافية لنسج صداقات جميلة معهم، والتخفيف من آلامهم بعد تناولهم لجرعات العلاج التي يحتاجونها أو يهدئ مخاوفهم قبل أخذ تلك الجرعات.
المنزل القديم المرتب، يخصصه صيام عبده مجاناً لاستقبال الأطفال وذويهم قبل وبعد تلقيهم للجرعات، بدل أن ينتظروا في الساحات الخارجية المحيطة بالمستشفى المكتظ بالمراجعين، لحمايتهم من التقاط أمراض معدية نظراً لضعف مناعتهم، وإراحة أجسادهم الغضة بعد تلقي الجرعات استعداداً لرحلة العودة.
وما على ذوي الأطفال الراغبين بالاستفادة من الإقامة المجانية في الشقة سوى تقديم بطاقة متابعة العلاج في المستشفى مع البطاقة الشخصية. وبدل أن يتقاضى أجرة يومية مجزية لمثل هذه الإقامة في الشقة القريبة جداً من المستشفى، يعتبر العم صيام مبادرته، التي نالت اهتماماً كبيراً من الصحافة ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، أقل الواجب تجاه الأطفال المرضى.
وهو يتطلع إلى تخصيص شقة ثانية من دخله الشخصي لاستقبال مزيد من الأطفال وذويهم وخدمتهم مجاناً في رحلتهم العلاجية في المستشفى الذي أثنى على عمله الإنساني، ودوره في رسم البسمة على وجوه الأطفال، وري غراس الأمل بالشفاء والتعافي لدى ذويهم الذين لا ينفكون يرددون أن الدنيا لا تزال بخير مع وجود أمثال العم صيام عبده ممن يكرسون جهدهم ووقتهم ومقدراتهم، مهما كانت محدودة، في خدمة من هم بحاجة إلى العون والمساندة والدعم في رحلة الحياة والتغلب على التحديات والصعاب.