جرى أمس الأول افتتاح عرض المسرحية التاريخية “روميو وجوليت” للكاتب العالمي وليام شكسبير، وذلك على خشبة مسرح الجاهلي في نادي الضباط بأبوظبي، وبحضور عدد كبير من رجال الدولة والسفراء المعتمدين والنقاد والمثقفين والفنانين، وبرعاية وحضور الشيخ راشد بن أحمد بن حمدان آل نهيان، وبحضور الشيخ محمد بن أحمد بن حمدان آل نهيان. علي العزير (أبوظبي) - المسرحية العالمية ليست جديدة على متابعي المسرح، إذ لطالما كانت علامة مميزة في السجل الإبداعي للمسرحي البريطاني العالمي وليام شكسبير، وقد جرى عرضها لعدد لا متناه من المرات، وبأساليب ورؤى متنوعة، وبلغات شتى كذلك، لكن اللمسة الإضافية التي جسدها العرض موضوع البحث تمثلت بتقديم “روميو وجولييت” في قالب معاصر، تخطى الظروف التاريخية للنص الأصلي، فأطل الممثلون البالغ عددهم أربعة عشر ممثلاً بأزياء معاصرة، كذلك طغت سمة الراهنية على الحوار فلم يتكىء على اللغة الشكسبيرية المقعرة، وإن كانت الشاعرية ظلت محافظة على حضورها، خاصة في المنعطفات الإنسانية والرومانسية التي اجتازها النص المسرحي، وهي وافرة الحضور.. نسق تصاعدي ففي مناخ موسيقي جاذب، واعتماداً على ديكور بسيط ومرن في آن، قدم الممثلون عرضهم المسرحي دون افتعال أو تماد في الخطابة، هكذا عبر المشاهدون نحو أجواء الحبكة القصصية في سياق من السلاسة والمرونة، وتفاعلوا مع المستجدات الحدثية وفق نسق تصاعدي يحرص على تفادي المبالغة، بمقدار ما يبدي انحيازه الصريح لاستمرارية التواصل بين الخشبة والقاعة.. هكذا أمكن للعرض الذي سبق تقديمه بما يجعله قياسياً في تنويعاته المختلفة، أن يمتلك قدراً من الجدة والاختلاف كما لو أنه يعرض للمرة الأولى، وفي ذلك تعزيز لمقولة كون المسرح أكثر من مجرد حكاية تروى، وانحياز نحو اعتباره مزيجاً متقناً من إضاءة وديكور وأزياء وأداء وحركات أجساد ومواقف تعبير، ومؤثرات صوتية، بحيث يمكن لأي تغيير مدروس في مكوناته أن يفصح عن إنجاز مسرحي مستجد، مهما بلغت درجة التشابه المفترض مع المنشأ النصي. تناوب مدروس الرؤية الإخراجية التي حكمت المسرحية تشي بهيمنة استعراضية على مفاصله المتعددة، فالموسيقى تمتلك حضوراً طاغياً في أرجائه، كذلك خاصية التعبير عن مواقف جدية عبر الأغنية التي يتخللها الكثير من السخرية، وقد أمكن للبعد الاحترافي أن يحصد قبول المشاهدين الذين لم يجدوا صعوبة في التعامل مع التناوب المدروس بين لحظات التراجيديا ومساحات الكوميديا الواسعة، بحيث كانت البراعة في الآداء هي صاحبة الكلمة الفصل، وقد حظيت بترحيب مشاهدي تجلى في حالة إصغاء ممتع مارسه المشاهدون حيال المستجدات السردية بكثير من القبول، وهو لامس حدود الاسترخاء الكلي من جهة، والتفاعل النشط من جهة ثانية. قصة عاشقين ظلت الحكاية محافظة على قوامها السردي التقليدي.. قصة عاشقين هما “روميو وجولييت” جمعهما الحب العاصف وفرقهما كل ما يخالج حياتهما من ظروف عائلية واجتماعية ومكائد بشرية وأحقاد شخصية كامنة.. تعلق الشابان ببعضهما البعض وظنا أن الحلم قابل للتحقق ليفاجأ بكل ما يسع الحياة أن تضعه في درب طامحين إلى التلاقي، وكان عليهما أن يمارسا الفعل والتأثير حيناً، وأن يتلقيا الإنعكاسات أحياناً شتى، لينتهي بهما الأمر صريعين في مدفن واحد، وقد أهيل فوقهما الكثير من الخصومات العائلية التي لم يكن لهما أي ذنب في نشوئها، ضريبة الصراع العائلي يدفعها محبان، فيخسران كل ما يملكانه جراءها، يحصل كل ذلك فيما الآخرون يرون لهم حقوقاً مكتسبة في هذه الصلة البريئة التي لم تكن تطمح لأكثر من جعل الحياة أكثر بساطة ومعقولية.. آراء المشاهدين لحظة إعلان ختامها بدت مسرحية “روميو وجولييت” كما لو أنها صالحة لكل زمان ومكان، وأنها بقدر ما تعبر عن شفافية الحب هي تخضع مشاعر الحقد والبغضاء لمجهر التشريح والتحليل، وقد أعرب المشاهدون عن انسجامهم مع أحداثها، حيث وصفها عبد الغفور البلوشي بأنها جميلة ومعبرة وقادرة على جذب الانتباه من اللحظة الأولى حتى الأخيرة، كذلك قال عنها عبدالله البدواوي أنها مليئة بالأكشن الطريف المفتوح على بعد فكاهي، وفق حالة من التوازن، في حين رأت حليمة شبيب بدو أنها مسرحية متينة تسلتهم النص الأصلي لكنها تنجح في تجاوزه نحو أبعاد أكثر واقعية، وهي تعبر عن مشاعر إنسانية راسخة بأسلوب مرن، كذلك توقفت مريم نبيل عند كون المسرحية محافظة على الآراء القيمية والفكرية التي طرحها مؤلفها قبل قرون مع قدرتها على مراعاة النمط المعاصر من السلوكيات والآراء، وفي ذلك برأيها احترافية لا يمكن إغفالها، أما عبدالله المقبالي فقال إنها مسرحية ملائمة لمختلف الفئات العمرية، كذلك هي تتسق مع العادات والتقاليد المحلية، من خلال اعتمادها لغة ناضجة ومساراً حدثياً رصيناً. حقد وكراهية بعد وفاة روميو وانتحار جولييت حزناً عليه يتذكر الأهل أنه كان بوسعهم تخطي بعض الخصومات المزعومة، وأن عناصر الخلاف التي راكموها طيلة أعمارهم لم تكن بالضرورية التي أضفوها عليها، وأنه كان يكفيهم موقف إنساني جامع، مثل موت ولديهم العاشقين، حتى يتخطوا حواجز الحقد والكراهية، ويقرروا أن الحياة تتسع للجميع إن هم تخلوا عن بعض أثقال العداء التي يرزحون تحتها دون طائل، ودون أسباب مقنعة.. منارة لثقافات العالم أوضح، صاحب الرعاية، الشيخ راشد بن أحمد بن حمدان آل نهيان أن العرض العالمي للمسرحية يمثل إضافة نوعية للأعمال الفنية المسرحية التي تُعرض في أبوظبي، وهذا له مدلول ثقافي هام وقيمة تفاعلية مميزة، معرباً عن اعتقاده بأنها سوف تنال إعجاب كل أفراد الأسرة، ولن تقتصر فقط على الأطفال والشباب وحدهم، ومشيراً إلى أن ذلك ليس بجديد على أبوظبي التي أصبحت منارة لثقافات العالم. كما وجه الشيخ راشد بن أحمد بن حمدان آل نهيان كلمة شكر وترحيب إلى كل القائمين على هذا العرض المسرحي المميز من الشركة المنظمة حتى أبطال العرض من الفنانين والفنانات.