إبراهيم الملا حمل فيلم « عابر سبيل» للمخرج الإماراتي علي العبدول عبئاً فنياً مضاعفاً عندما انطلقت أولى عروضه المحلية في أواخر عام 1988، نشأ هذا العبء في الأساس من إشكالية التصنيف أو الصيغة الأسلوبية التي حاول الفيلم أن يعزلها عن الشكل التلفزيوني، ويقفز بها إلى حقل بصري جديد ذي مواصفات ورؤى ومعالجات مستقلة عن الفضاء الدرامي المكرس منذ الستينيات في الإذاعة و الشاشة الصغيرة وعلى خشبة المسرح أيضا. خاض (عابر سبيل) المغامرة وبجرأة نادرة، ولم تكن مقاييس النجاح أو الفشل هي المهمة أو المعنية بالرصد هنا، ولكن الفعل ذاته كان استثنائياً وجامحاً، بل مؤسسا لحساسية إبداعية مغايرة كان يفتقر لها المشهد الفني والثقافي في الإمارات قبل ظهور هذا الفيلم تحديدا، ساهم (عابر سبيل) في ظهور محاولات سينمائية مخلصة بعد ذلك، قدمها كل من المخرجين جاسم جابر في فيلمه «الطين الأخير» (1990) ومحمد نجيب في فيلم «مكان في القلب» (1996) ، وهذه المحاولات الجادة رغم ضعف الإمكانات الإنتاجية المتاحة حينها ما زالت مغيّبة عن الأجيال الجديدة من المخرجين، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالبحث في أرشيفات الماضي، والتواصل مع نتاجات الجيل الأول الذي أسس لملامح ومعالم السينما في الإمارات، فالمحاولات الجديدة مهما كان حجم طموحها لا يمكن لها أن تتخلى عن جذور البدايات، وعن شرارة الإبداع الريادية والمضيئة لكل التجارب السينمائية اللاحقة بعد ذلك. استطاع (عابر سبيل) وقبل 27 عاما من الآن أن يعبر حاجز التردد واللامبالاة فيما يخص الإنتاج السينمائي، وساهم في اكتشاف نمط روائي وتعبيري مختلف في حقل صعب ومتأرجح بين سقف عال من الطموح، وآخر منخفض من الإمكانات المتوافرة، تراوح هذا الهاجس أيضا بين الحماس المتقدّ والتوقعات المجهولة عند ترجمة هذا الحماس إلى موقع التصوير، ونقله من الورق إلى الشاشة الكبيرة. تطورت فكرة الفيلم على يد مجموعة من الشباب الهواة وشبه المحترفين وهم المخرج علي العبدول وشقيقه المنتج سهيل العبدول والكاتب عارف إسماعيل والأديبة رشا المالح وبمشاركة مجموعة كبيرة من الفنانين منهم: سعيد بوميان، وعبدالله المناعي، ومحمد سعيد، وبلال عبدالله، وعائشة عبدالرحمن، وسعيد عبدالعزيز، والفنانة سارة، ورشا المالح، وحسن محمد، وغيرهم. كما شارك في العمليات الإنتاجية والفنية والموسيقية للفيلم كل من: إسماعيل النوبي، وسيف الغانم، وعيد الفرج، وعبدالله صالح، وهدى الخطيب، ونعيم الخطيب، والمصور جورج ديميتري. يروي الفيلم المستوحى من قصة قصيرة بذات العنوان للكاتب الإماراتي محمد المري حكاية محلية تجري أحداثها في الخمسينيات من القرن الماضي وبالتحديد في استراحات صيفية كان يلجأ إليها الأهالي في فترة: «القيظ»، وكان يطلق على هذه الاستراحات اسم: «البراحة».انحاز الفيلم إلى الدراما الوثائقية التي تنقل حياة أسرة هادئة كانت تعيش ببساطة وعفوية قبل أن تعصف بها الظروف وتأخذها إلى حواف الأسى واليأس، عندما كان الجهل مسيطرا على عقلية الأهالي ومنقادا لإملاءات بعض المشعوذين المختفين تحت عباءة: «المطاوعة»، خصوصا مع انتشار الأمراض والأوبئة الغامضة التي احتكر هؤلاء المشعوذون علاجها، في ظل غياب الأطباء المتخصصين وانتفاء وسائل العلاج الحديثة. وعن فكرة فيلم (عابر سبيل) الذي شهد عروضا خارجية في موسكو والقاهرة أواخر الثمانينيات، يذكر لنا عارف إسماعيل كاتب سيناريو وحوارات الفيلم أن مشروع الفيلم انطلق أساسا من زخم وتنوع الإنتاج الأدبي المحلي في تلك الفترة، وخصوصا فن القصة القصيرة، وعبّر إسماعيل عن شغفه بهذه القصص وحرصه على صياغتها في شكل سيناريوهات بصرية يمكن نقلها إلى التلفزيون أو السينما، وكان منها قصة (عابر سبيل) للكاتب الإماراتي محمد المرّي، والتي نشرها في مجلة «دبي» قبل ثلاثين عاما تقريبا. وأوضح إسماعيل أن العمل واجه صعوبات إنتاجية كثيرة قبل تنفيذه، خصوصا وأن المحتوى السينمائي والتكنيك البصري الخاص به والوعي ببنية وطبيعة الفيلم، كان شبه معدوم عند أغلب المخرجين والممثلين الإماراتيين، وأضاف إسماعيل أن السيناريو ظل حبيس الأدراج لسنوات طويلة قبل أن يتخذ علي العبدول ومعه شقيقه سهيل العبدول من خلال ( المجموعة الفنية ) التي أنتجت الفيلم، قرارا جريئا بتحويل النص إلى عمل سينمائي طويل، استغرق تنفيذه أكثر من سنة ونصف السنة، حيث بدأت مرحلة إعداد مواقع التصوير والبروفات ــ كما يذكر إسماعيل ــ في نوفمبر 1987 من خلال ترميم جزء من مستشفى (سارة هاوسمن) بالشارقة، وكذلك ترميم منزل تاريخي في منطقة الفهيدي بدبي، كما تم تصوير أجزاء من الفيلم في متحف دبي وفي المناطق الصحراوية القريبة من الشارقة ورأس الخيمة، بالإضافة إلى بناء قرية صغيرة من العرشان والبيوت التقليدية في منطقة أم سقيم بدبي. والتالي جزء من السيناريو الأصلي الذي كتبه عارف إسماعيل في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي قبل أن يتم اختصاره وتعديله واقتطاع حوارات كثيرة منه، ومعالجته أكثر من مرة قبل وصوله لصيغته النهائية، بالتعاون مع المنتج والمخرج وكاتب القصة الأصلية.