نسرين درزي (أبوظبي)
لا تقتصر معالم الجذب التي يتفرد بها برج خليفة في مدينة دبي على كونه أطول ناطحة سحاب في العالم بارتفاع 882 متراً، وأعلى مبنى شيده الإنسان على مر التاريخ، ولا لتحطيمه على مدار 10 أعوام أكبر عدد من الأرقام القياسية من فئته. فالبرج الأسطورة الذي تم افتتاحه في 4 يناير 2010 واستغرق بناؤه 22 مليون ساعة عمل، سمي «معلماً دولياً» و«الأيقونة العالمية» من قبل الهيئة العالمية لمجلس المباني الشاهقة والمساكن الحضرية (CTBUH)، وهو تكريم لا يمنح للمباني المرتفعة سوى مرة واحدة كل 10 أو 15 عاماً. وبرج خليفة الذي تطوره شركة إعمار العقارية وصممه العالمي أدريان سميث، يوصف بعبارتي «المدينة العمودية» و«الأعجوبة الحية»، ويتصدر قائمة أهم الإبداعات المعمارية، ويحتل المرتبة الأولى من اهتمام الوفود الزائرة من داخل الدولة وخارجها. وكان سباقاً في إضاءة واجهته العملاقة بأحدث تقنيات الليزر تضامناً مع أهم الأحداث الدولية، وآخرها اللوحات المعبرة الداعية لمواجهة وباء «كورونا» المستجد بالبقاء في المنزل.
ومن الحقائق المبهرة لبرج خليفة الذي يرتفع بقامته الشاهقة فوق الصحراء مسطراً مجداً راسخاً عن أهم ملاحم الإنجازات في الإمارات، أنه لو وُصِلَت أطراف كمية فولاذ التسليح المستخدَم فيه ببعضها، لامتدَّ طولها ليلفّ ربع العالم تقريباً. وتعادل كمية الإسمنت المستخدم فيه تلك المستعملة في رصيف بطول 1900 كيلومتر، وما يوازي وزن 100 ألف فيل. فيما يبلغ وزن المبنى فارغاً 500 ألف طن، ويعادل وزن الألومنيوم فيه، ذلك المستخدم في صنع 5 طائرات من طراز A380. كما يبلغ إجمالي طول ألواحه الفولاذية المقاومة للصدأ 293 مرة ارتفاع برج إيفل في باريس.
وتبدأ الجولة الاستكشافية في الصرح المعماري الهائل من منصة المراقبة «قمة البرج» الأعلى في العالم والواقعة عند الطابق 124 بارتفاع 555 متراً. وتتوافر مصاعد الوصول إليها عبر «دبي مول» مركز التسوق الأكبر في المنطقة. وهي المنصة الوحيدة في العالم التي تضم شرفة مفتوحة على الهواء الطلق، وتكشف عن إطلالات رائعة، ومناظر بانورامية لا يمكن رؤيتها إلا من الطائرة.
والصعود إلى «القمة» يكون عبر مصاعد خاصة مؤلفة من طابقين، يتسع كل منهما إلى 14 شخصاً، تنطلق بسرعة مذهلة تصل إلى 10 أمتار في الثانية. ويقع في الطابق 122 من البرج وعلى ارتفاع 442 متراً مطعم «أت.موسفير» الأعلى في العالم، والذي يعتبر وجهة نموذجية لمحبي الأجواء الراقية. وهو مجهز لاستقبال أكثر من 210 أشخاص، ويضم ردهة رحبة وسلالم شفافة تكشف تفاصيل الشوارع المحيطة بالبرج حتى مسافة 95 كيلومتراً، حيث المشهد يجسد شعور من يسير في الهواء. أما عشاق الرفاهية في عالم الضيافة، فوجهتهم من داخل برج خليفة هي فندق أرماني، المنشأة السياحية الأولى لمصمم الأزياء العالمي جورجيو أرماني. ويقع الفندق الذي افتتح في العام 2010 بين الطابقين 1 و8 من البرج والطابقين 38 و39 منه، ويضم 160 غرفة وجناحاً و8 مطاعم ومقاهٍ فاخرة، مع شقق فندقية تقع بين الطابقين 9 و16 من البرج وتطل على الخليج العربي.
منصة تضامن
برج خليفة سباق في مبادرات تضامنية مع شؤون محلية وعالمية عبر إضاءة واجهته الأعلى في العالم كل مرة بشعار أو علم أو صور تعبيرية. ومنها دعمه مؤخراً للإجراءات الاحترازية التي أطلقتها الدولة ضد انتشار «كورونا» المستجد بالالتزام بالجلوس في المنزل عبر وسم «خلك في البيت» باللغتين العربية والإنجليزية.
وكان البرج الذي أضيء بألوان العلم الصيني مع بداية تفشي الفيروس الجديد، تزين في يوليو 2018 بأعلام دول العالم المشاركة في كأس العالم مع كل هدف يسجل. كما أضيء في مارس 2016 بالعلم البلجيكي إثر الهجوم الذي تعرضت له البلاد، والأمر نفسه في أبريل 2019 عندما تزين بعلم سريلانكا تضامناً مع شعبها بعد الهجمات الإرهابية التي استهدفت عدداً من الكنائس. وفي مايو 2017 بعد عملية تفجير مانشستر في بريطانيا، وفي مارس 2019 تضامناً مع ضحايا حادثة نيوزيلندا الإرهابية، التي راح ضحيتها 50 شخصاً في جزيرة ساوث آيلاند.
تنظيف الواجهات
صمم برج خليفة مكتب (Skidmore، Owings & Merrill LLP SOM) للهندسة الرائد عالمياً. تتميز هندسته المعمارية بقاعدة ثلاثية مستوحاة من رسم تجريدي لزهرة زنبقة الصحراء، ويمنح الهيكل التركيبي المصمم على شكل حرف Y، قوام ثبات متلاصقاً للمبنى. يمكن الوصول إلى جهة البرج الخارجية لتنظيف واجهاته الزجاجية وصيانتها عبر 18 مساراً مثبتاً بصورة دائمة، تغسل النوافذ عمودياً من السطح حتى الأرض، وتستغرق العملية 4 أشهر كاملة.
احتفاء بالثقافة
يحتفي برج خليفة بالثقافة العربية وفنونها من خلال تصميمه الأنيق الذي يحاكي فنون المشربية المعمارية على امتداد 360 درجة. وهنا يتعرف الزوار إلى قصة زهرة الصحراء «هايمنوكاليس» التي ألهمت تصميم البرج، من خلال عرض رسوم متحركة نابض بالحياة. ويشاهدون النجم العالمي توم كروز أثناء تسلقه الجريء إلى أعلى قمة البرج، بالإضافة إلى أعلى قفزة (BASE jump) في العالم.
أرقام قياسية
حقق برج خليفة عدداً كبيراً من الأرقام القياسية في مجموعة «جينيس» أهمها: أطول مبنى في العالم، وأطول مبنى شيده الإنسان على مر التاريخ، حيث كسر الرقم القياسي (553.33) متر والذي حمله برج «سي إن» على مدار 31 سنة، و«أعلى مطعم في العالم» لمطعم «أتـ.موسفير»، و«أعلى منصة مشاهدة من صنع الإنسان في العالم» لـ «قمة البرج». كما حطم البرج أرقاماً قياسية أخرى، إذ يضم 330 ألف متر مكعب من الإسمنت، و39 ألف طن من الدعائم الفولاذية، و103 آلاف متر مربع من الزجاج، و15500 متر مربع من الفولاذ المنقوش المقاوم للصدأ. وفيه أعلى واجهة من الألمنيوم والزجاج على ارتفاع 512 متراً، ومصعد الخدمة الأكثر ارتفاعاً في العالم حتى 504 أمتار، والمسبح الأكثر ارتفاعاً في العالم في الطابق 76 وبعلو 270 متراً.
200 طابق
في 21 سبتمبر 2004 بدأ تشييد «برج خليفة» في إمارة دبي، ولم يستغرق بناؤه أكثر من 5 سنوات، وأصبح البرج الأكثر ارتفاعاً بعد مرور 1325 يوماً على بدء أعمال الحفر فيه. وهو يتألف من 200 طابق، والطابق 160 هو أقصى ما يمكن الوصول إليه، وفيه 57 مصعداً كهربائياً. تضم حديقة البرج التي تمتد على مساحة 11 هكتاراً، 7 نوافير ماء من تصميم شركة WET في كاليفورنيا، والتي ابتكرت نافورة دبي ونوافير «بيلّادجيو» في لاس فيجاس.