دينا جوني (دبي)

حين أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عن الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، خلال القمة العالمية للحكومات في عام 2015، وتعزيز مقوّمات الاقتصاد المعرفي، لم يكن الأمر طرحاً مستقبلياً يحتاج إلى سنوات طويلة لتحقيقه وإنجازه، بل هو فكر ثاقب وإعلان مبني على رؤية واضحة محددة ومخطط لها لتحديد مسيرة الدولة ومستقبلها.
برنامج «خبراء الإمارات» الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أمس الأول، لإعداد قاعدة متنوعة من الكوادر الوطنية مؤلفة من خبراء متخصصين من المواطنين في مجالات موزعة على 20 قطاعاً.
لم يأتِ الإعلان في جلسة رسمية أو مكتب تنفيذي، وإنما من «صرح زايد المؤسس» في أبوظبي.
فالبرنامج الجديد الذي تنبع أهميته من مساهمته بشكل كبير في تنفيذ توجهات الدولة وتطلعاتها، يكتسب من ناحية أخرى أهمية رمزية بالغة الدلالة، تشير إلى وفاء القيادات الرشيدة والمسؤولين للأمانة التي تركها بين أيديهم المغفور له الشيخ زايد، الوطن والأبناء.
فمن هذا الموقع، تثبت الإمارات لمؤسسها أولاً أنها قادرة من خلال كوادرها على ترسيخ حضورها على الساحة العالمية، وتقول للعالم، إن استمرارية نهضة الإمارات سيكون من دون شك على أيدي خيرة عقولها وخبرائها.
ولم تكن مصادفة أن يأتي إطلاق برنامج «خبراء الإمارات» الذي يستهدف الكوادر المواطنة، بعد يومين فقط من إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي مبادئ الحكم في الإمارة، ومنها أن تبقى قبلة للمتفوقين، واستمرار التنافسية عبر استقطاب أصحاب العقول والأفكار، بالإضافة إلى وثيقة الخمسين التي أعلن فيها عن تحويل الجامعات الحكومية والخاصة إلى مناطق حرة يكون للطلبة فيها إمكانية ممارسة الأعمال الاقتصادية والإبداعية كجزء من منظومة تعلّم وتخريج الطلبة المواطنين والمقيمين والدوليين.
فهذا التوازن الذي قامت عليه الإمارات منذ عقود، تجده القيادة الرشيدة غنى لا بد من المحافظة عليه، للانطلاق نحو رحابة الإنجازات من خلال استحضار المستقبل اليوم، وخلق الفرص والمساحات الخلاقة بدلاً من انتظارها.
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أعلن سابقاً عن ضرورة تعزيز القاعدة الاقتصادية الوطنية لمرحلة ما بعد النفط، باتباع سياسات تركز على التنوع والبحث والتطوير والإبداع والابتكار.
وأكد سموه، في أكثر من مناسبة، ثقته بأبناء الوطن بما يملكونه من مهارات وكفاءات وحرص وإرادة واعية لمتطلبات المستقبل، وإصرارهم على تحقيق الريادة والمكانة لوطنهم على خريطة الاقتصاد العالمي.
وأشار إلى أن الإمارات لديها رؤية واستراتيجية شاملة محورها تنمية الموارد البشرية التي تراهن عليها لمواجهة التحديات، وضمان مستقبل زاهر للأجيال المقبلة.
وهذا التوجّه الذي يحرص سموه على التذكير به، سيجد حيّزه التنفيذي مع برنامج «خبراء الإمارات» الذي سيخرّج بحلول عام 2022، خمس دفعات تضم 100 خبير مواطن في 20 قطاعاً حيوياً تندرج تحت أربع مجموعات هي: التنمية الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، والبنية التحتية، والبيئة والأمن والشؤون الخارجية، ليؤلفوا معاً قاعدة متماسكة ونواة تدريبية من الخبرات المتميزة لدفع عجلة التنمية.
وأكد الدكتور عبداللطيف الشامسي مدير مجمع كليات التقنية العليا، أن إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان برنامج «خبراء الإمارات» أمام صرح زايد المؤسس، تأكيد على أن الإمارات ماضية بكل قوة في نهج المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه، في الإيمان بالإنسان وطاقاته الخلاقة وبأن العقول ستبقى هي الأساس في البناء والقوة المحركة للتنمية المستقبلية والمستدامة، كما تعكس فكر القيادة الحكيمة التي تضع دائماً الخطط ليس فقط لجيل اليوم، بل للأجيال القادمة لأجل بناء غدٍ أفضل لهم، ولتستمر مسيرة وطن الخير والإنجاز والعطاء جيلاً بعد جيل.
قال مروان الصوالح وكيل وزارة التربية للشؤون الأكاديمية، إن برنامج «خبراء الإمارات» يجسد في مضمونه الرؤية الثاقبة للقيادة الرشيدة التي تضع متطلبات المستقبل والتنمية ضمن أولوياتها، مشيراً إلى أن قيادة الإمارات بشكل عام تدرك تماماً أن الاستثمار في بناء الموارد البشرية المواطنة هو السبيل لتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز المستوى التنافسي العالمي للدولة.
وأضاف: يشكّل برنامج «خبراء الإمارات»، خطوة مهمة نحو بناء منظومة فاعلة لجيل العلماء المتخصصين في الدولة في مختلف القطاعات الحيوية، لافتاً إلى أن هذا الأمر سينعكس بشكل إيجابي جداً على قطاع التعليم الذي يشكّل أحد القطاعات المرصودة في البرنامج، لتصبح الاستفادة تبادلية بين البرنامج والمنظومة التعليمية. وأشار أن التلاقي بين المتخصصين من الكوادر المواطنة والخبرات الوافدة التي يتم استقطابها سيجعل من الإمارات وجهة نموذجية حديثة للخبرات الموظفة في اقتصاد المعرفة.
وقال محمد عبدالله مدير عام مدينة دبي الأكاديمية العالمية ومجمع دبي للمعرفة، إن «خبراء الإمارات» مبادرة استثنائية، تبلور الرؤى الثاقبة للقيادة الرشيدة في قراءة المستقبل واحتياجاته من الكوادر المواطنة التي تتميز بتخصصها وتعمّقها كلّ في مجاله. ولفت إلى أن تركيز البرنامج على أربع مجموعات هي: التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والبنية التحتية، بالإضافة إلى البيئة والأمن والشؤون الخارجية، يشير إلى النقلة النوعية التي تتبعها دولة الإمارات في تنمية رأس المال البشري لرفد مسيرة الدولة في مجال الاقتصاد المعرفي.

ترسيخ قيم الإبداع
أكد الدكتور عيسى البستكي مدير جامعة دبي أن الإمارات من أولوياتها بناء الإنسان الذي تقع على عاتقه مهمة بناء الدولة واستدامتها ومواجهتها للتحديات الاجتماعية والسياسية الاقتصادية التي قد تواجهها في مختلف المراحل. وأشار إلى أن برنامج «خبراء الإمارات» يدل على أن القيادات الرشيدة تضع نصب أعينها الاستثمار في الموارد البشرية لإعداد متخصصين مواطنين في 20 قطاعاً مختلفاً لغاية عام 2022، لافتاً إلى أنه على الرغم من أن العدد المنظور للخبراء لا يعدّ كبيراً، كونه لا يتعدى المئة، إلا أنه من دون شك يؤمن استدامة الخبرات من خلال نقل المعرفة للشباب.
وقال إن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لا يبني فقط للأجيال الصاعدة، وإنما يخطط برؤية واضحة للأجيال التي ستأتي بعد 20 عاماً، ويجهّز لهم بنية تحتية قوية من الموارد البشرية التي ستمسك بزمام التطوير، وتحديد مسار التنمية المستقبلية للدولة.