شعبان بلال (القاهرة)

سر لقاح «الدرن» ومقاومة فيروس كورونا الجديد «كوفيد - 19»، أصبح اليوم سؤالاً يشغل بال أكثر من نصف مليار نسمة في العالم، وخاصة سكان بلدان الشرق الأوسط، بعد أن كشفت أكثر من دراسة علمية وجود علاقة بين عدم ظهور أعراض الإصابة بالفيروس على الأشخاص الذين تلقوا تطعيماً بلقاح «الدرن» في طفولتهم، فيما أكدت منظمة الصحة العالمية أنه ليس لديها أي دليل على صحة هذه الفرضية.
وأرجع خبراء انتشار الفيروس بشكل وبائي في أوروبا والولايات المتحدة إلى توقف تطعيم الأطفال بلقاح «الدرن» منذ الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فيما استمرت الدول الأفقر، خاصة في شمال أفريقيا في التطعيم باللقاح، ولكن منظمة الصحة العالمية ذكرت أن هناك دولاً استمرت في التطعيم بلقاح «BCG»، وظهر بها الفيروس بشكل وبائي في الشرق الأوسط.
وانتشرت قصة لقاح «الدرن»، بعد تأكيد شاب إيطالي لإحدى القنوات الفضائية الإيطالية أن جيرانه في البناء وهم شباب من شمال أفريقيا ظهرت عليهم أعراض خفيفة لفيروس «كوفيد ـ 19» واختفت منهم سريعاً، مقارنة بارتفاع عدد الإصابات والوفيات بين الإيطاليين.
وأكد تقرير، بدء باحثين في 4 بلدان قريباً تجربة سريرية لنهج غير تقليدي للوقاية من فيروس كورونا الجديد، باختبار ما إذا كان اللقاح ضد السل «TB» وهو مرض بكتيري، يمكن أن يعزز جهاز المناعة البشري بطريقة واسعة، مما يسمح له بمحاربة «كوفيد - 19»، وربما منع العدوى تماماً، موضحاً أنه سيتم إجراء الدراسات على الأطباء والممرضات الذين هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي من عامة السكان وأيضاً بين كبار السن.
وشدد التقرير على أنه إلى جانب ذلك سيبدأ فريق بحثي في هولندا أولى التجارب هذا الأسبوع، عبر توظيف 1000 من العاملين في مجال الرعاية الصحية في 8 مستشفيات هولندية لتلقي لقاح «الدرن» الذي يُعطى للأطفال في السنة الأولى من حياتهم في معظم بلدان العالم، وهو آمن ورخيص، ويمنع حوالي 60% من حالات السل لدى الأطفال في المتوسط، مع وجود اختلافات كبيرة بين البلدان.
وقال الدكتور أشرف عقبة رئيس قسم المناعة في جامعة عين شمس المصرية، إن لقاح «الدرن» يعتبر فعلاً من معدلات المناعة ويتم استخدامه كمعدل للمناعة في أمراض كثيرة وبعض الأورام، مثل علاج أورام المثانة.
وشدد الدكتور، في تصريحات لـ«الاتحاد»، على أنه بهذه الطريقة يقوم لقاح «الدرن» بتنشيط المناعة الفطرية عن طريق إفراز كيماويات تزيد من قدرة كريات الدم البيضاء على التهام الميكروبات، إلى جانب أنه يحفز نظام المناعة المكتسبة ضد «الدرن»، وقد تم استخدامه في العديد من الأمراض المختلفة.
وأوضح عقبة أن هناك بعض الدراسات التي تبحث إمكانية استخدام لقاح «الدرن» كمحفز للمناعة في حالات الإصابة بفيروس كورونا؛ وذلك لقدرته على تحسين المناعة الفطرية، ولكن لا تزال هذه الدراسات تحت البحث، ولا يمكن التوصية باستخدامه حالياً إلا بعد إجراء التجارب التي تثبت فعاليته في هذه الحالة.
وأشار أستاذ المناعة إلى أنه فيما يخص مَن تم تطعيمهم بلقاح «الدرن» في مراحل الطفولة الأولى، فإننا لا نستطيع أن نجزم بأن هذا التأثير لا يزال مستمراً لديهم وينبغي عمل الدراسات المناسبة لإثبات ذلك، موضحاً أن هذا اللقاح مكون من بكتيريا في الأبقار ويعطي مناعة ضد الإصابة بـ«الدرن»، ولكن من مميزات استخدامه أنه يحفز نظام المناعة الفطرية التي تعمل على تنشيط الخلايا البلعومية التي تبتلع الفيروسات، ولكن حتى هذه اللحظة لا توجد دراسات تسمح باستخدامه.
وخلصت دراسة إكلينيكية نشرها الباحثان الدنماركيان بيتر آبي وكريستين ستابيل بن، اللذان يعيشان ويعملان في غينيا بيساو، إلى أن اللقاح يمنع حوالي 30% من العدوى بأي مرض معروف، بما في ذلك الفيروسات في السنة الأولى بعد إعطائه، ولكن انُتقدت الدراسات المنشورة في هذا المجال لمنهجها، ومع ذلك خلصت مراجعة أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2014 إلى أن لقاح «BCG» يقلل من الوفيات الإجمالية لدى الأطفال، ولكنها صنفت الثقة في النتائج على أنها منخفضة للغاية. وتقول إليانور فيشو اختصاصية المناعة في جامعة تورنتو في كندا: إن اللقاح ربما لن يزيل العدوى بفيروس «كوفيد ـ 19» تماماً، ولكن من المرجح أن يخفف تأثيره على الأفراد، موضحة أنها ستأخذ اللقاح بنفسها إذا استطاعت الحصول عليه.
وفي كندا واليونان وأستراليا بدأت دراسات جديدة أيضاً من قبل فرق بحثية في جامعات أثينا وملبورن وإكستر، بإجراء دراسة مماثلة عند كبار السن والعاملين الصحيين باستخدام لقاح «الدرن» ومواجهته للفيروس.
واتفق الدكتور محمد علي، أستاذ علم الفيروسات في المركز القومي للبحوث المصري، مع سابقيه حول عدم وجود دلائل علمية حتى الآن على إثبات فعالية مباشرة للقاح «الدرن» في مواجهة فيروس كورونا المستجد.
وأوضح أستاذ علم الفيروسات لـ«الاتحاد» أن الموضوع يحتاج إلى دراسة علمية معملية لإثبات مدى فعالية هذا اللقاح في مواجهة الفيروس، بخلاف قدرته على زيادة المناعة الفطرية لدى الإنسان بصورة عامة. ومن جانبه، يقول أمجد الخولي، استشاري الوبائيات بمنظمة الصحة العالمية، إن «من تم تطعيمه من الدرن ليس محصناً من فيروس كورونا، وهناك دول فيها تطعيم إجباري ضد الدرن ومنتشر فيها الفيروس».