أميركا والصين··· وسباق الطاقة المحموم
من الأسباب المتعددة التي تساق لشرح الارتفاع الأخير في أسعار الوقود، هو الطلب المتنامي للصين على النفط، وحسب هذا الرأي فإنه بسبب تراكض الصينيين حول العالم لشراء براميل النفط أينما وجدت، يتعين علينا نحن الأميركيين دفع أموال أكثر في محاولة لإحراز السبق عليهم والوصول إلى مصادر الطاقة، وتأتي القوة المتزايدة للعملة الصينية وتزامنها مع تراجع قيمة الدولار لتفاقم مشكلة أسعار الوقود بالنسبة لمعظم الأميركيين، ولا شك أن هناك بعض الحقيقية في هذا التفسير بعدما ارتفع استهلاك الصين للنفط من 4,2 مليون برميل يومياً في العام 1997 إلى 7,8 مليون برميل في العام ،2007 وهي زيادة مهمة تقدر نسبتها بحوالي 86 بالمائة، ولعل الأهم من ذلك هو ارتفاع نسبة الواردات النفطية من إجمالي الكمية المستهلكة في الصين، فبعد أن كانت الصين تنتج محلياً في العام 1997 مليون برميل من النفط وتلجأ إلى استيراد الباقي، تقلصت بحلول 2007 نسبة الإنتاج الداخلي وباتت الصين أكثر اعتماداً على النفط المستورد لتلبية احتياجاتها من الطاقة، بحيث وصل الفرق بين إنتاجهـــــا الداخلـــي ووارداتهـــا إلى 4 ملايين برميل في اليوم·
والحقيقة أنه لكي تحصل الصين على كميات إضافية من النفط، فهي تلجأ إلى التسوق من ذات المراكز الأجنبية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة، لذا فإنه مع تنامي الطلب والتسابق على كميات محدودة من المعروض من الطبيعي أن تقفز أسعار النفط إلى مستويات أعلى·
لكن لنضع الأمور في سياقها، فحسب أرقام وزارة الطاقة الأميركية استهلكت الولايات المتحدة في العام 2007 ما يناهز 21 مليون برميل من النفط في اليوم، وهـــو ما يفوق بثلاث مرات حجم الاستهلاك الصيني؛ والأهم من ذلك أن حجم الواردات من الاستهـــلاك النفطي الأميركي بلغ 13 مليون برميل يومياً متجــــاوزاً بذلــــك حجم ما تستـــورده الصين من النفـــط، لذا فإنه رغم التنافس الأميركي الصيني على تأمين موارد الطاقـــة واستهـــلاك النفــط الذي بدوره يرفع الأسعار، يظل الاستهلاك الأميركي المحدد الرئيسي لأسعار الوقود في الأسواق العالمية·
والحقيقة أنه عندما نتحدث عن أسباب ارتفاع أسعار الوقود، فإنه لا بد من الإشارة إلى عوامل أخرى تلعب دوراً مهماً في هذه الزيادة مثل تراجع الإنتاج في المكسيك وروسيا وفنزويلا، بالإضافة إلى العنف المحتدم في العراق ونيجيريا، ثم النقص في عدد المصافي سواء في الولايات المتحدة أو خارجها، ناهيك عن المضاربات في أسواق النفط وغيرها من الأسباب الأخرى، ولأنه من المرجح أن تستمر هذه العوامل على المدى المنظور، فإن الأسعار أيضاً ستبقى مرتفعة لفترة طويلة، لكن بالنظر إلى المستقبل، تتحول الصين فعلا إلى لاعب أساسي في عملية تحديد أسعار النفط، فباقتصادها المتنامي وصعود الملايين من المستهلكين ذوي القدرة الشرائية المعقولة -العديد منهم يشترون سيارتهم للمرة الأولى- أصبحت الصين أقرب إلى الولايات المتحدة في استهلاك الطاقة من أي وقت مضى، وفي هذا السياق تشير آخر التوقعات أن الاستهلاك الصيني من النفط سيقفز من 8 ملايين برميل في اليوم خلال 2008 إلى 12 مليون برميل في العام ،2020 وإلى 16 مليون برميل بحلول ·2030
ولئن كان الاستهلاك الأميركي للنفط سيواصل ارتفاعه هو الآخر، إلا أن الوتيرة لن تكون هي نفسها، بحيث سيصل الاستهلاك الأميركي في العام 2030 إلى 27 مليون برميل في اليوم، هذا فيما يتعلق بالاستهلاك العام، أما فيما يخص الواردات النفطية، فإن الفجوة بين البلدين ستضيق أكثر، بحيث يتوقع أن تصل واردات الصين من النفط إلى 10,8 مليون برميل في اليوم مقارنة مع 16,4 مليون برميل بالنسبة للولايات المتحدة،
الواضح أن التنافس الأميركي الصيني للوصول إلى إمدادات النفط في العالم سيحتدم أكثر مع مرور السنين، فكيف نتعامل إذن مع هذا التحدي؟ أحد الردود التي يفضلها العديد من المسؤولين في واشنطن هو تكثيف الانخراط الأميركي السياسي والاقتصادي والعسكري في أفريقيا، والشرق الأوسط وآسيا بهدف تعزيز التفوق الأميركي ودعم القدرة التنافسية للاستفادة من إمدادات النفط العالمية، وقد كانت تلك هي المقاربة التي تبنتها إدارة الرئيس ''بوش'' خلال السبع سنوات الأخيرة، حيث قام مسؤولون أميركيون بارزون بزيارات متكررة إلى موردين رئيسيين للنفط في العالم، مثل أذربيجان وكازاخستان ونيجيريا، مع تعهدات بتقديم مساعدات اقتصادية، وفي بعض الأحيان رفع مستوى التعاون العسكري· ومع الأسف جاء رد الفعل الصيني من نفس النوع، مؤججاً بذلك الصراعات المحلية والسباق بين القوى الإقليمية للمزيد من التسلح، بيد أن هذه المقاربة التي قد تمنح الولايات المتحدة بعض الأسبقيــة في مناطق مختلفــة من العالم لن تغير من الصورة العامة، كما لن تساهم في خفض سعر البنزين والوقود بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، وفي الوقت نفسه ستقود هذه المقاربة إلى رفع حجم الإنفاق العسكري الأميركي واحتمال التورط في صراعات مسلحة في الخارج، وبدلا من تأجيج التنافس يبقى الطريق الأمثل في نظري هو تعزيز التعاون مع الصين في مجال الطاقة من خلال التطوير المشترك لمصــادر الطاقــة البديلــة عن النفط، والاستثمار في التكنولوجيا الواعدة القادرة على ترشيد استهلاك الطاقة وادخارها للأجيال القادمة·
مايكل كلير
أستاذ السلام والأمن الدولي بجامعة هامبشير الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست