هل يطلق اجتماع وهران منظمة «أوجك» لمصدري الغاز؟
يناقش منتدى الدول المصدرة للغاز في اجتماعه المقبل في مدينة وهران غرب الجزائر يوم 19 أبريل الجاري، خفض الإنتاج لدفع الأسعار لمستوى مواز لأسعار النفط. وكرر وزير الطاقة الجزائري شكيب خليل، على مدى الأيام الماضية، قوله إن المنتدى سيناقش الاقتراح، المستند إلى توصيات دراسة ستقدم لوزراء طاقة الدول المشاركة. ويضم المنتدى في عضويته 15 دولة تملك أكثر من 70% من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم وتنتج 41% من الإنتاج العالمي من الغاز.
ودول المنتدى دائمة العضوية هي قطر والجزائر وبوليفيا ومصر وغينيا الاستوائية وإيران وليبيا ونيجيريا وروسيا وترينداد وتوباجو وفنزويلا. ودعت دول المنتدى كلا من كازاخستان واليمن وبيرو للمشاركة في اجتماعات وهران. وفي حال إقرار الاقتراح، الذي يحتاج إلى موافقة كل الدول المصدرة، سيعني ذلك تحول المنتدى إلى منظمة تحدد حصص إنتاج مثلما تفعل منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”، بحسب تقرير موقع “بي بي سي” على الإنترنت.
وليست فكرة “أوبك” للغاز “اوجك” بجديدة، إذ برزت منذ أول اجتماع لمنتدى مصدري الغاز في طهران عام 2001. لكنها لم تثر الاهتمام الواسع عالمياً إلا عندما أثارها رئيس الوزراء الروسي الحالي فلاديمير بوتين، عندما كان رئيساً لروسيا عام 2002 وحظيت دعوته حينذاك بدعم الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييف.
وخبت الفكرة سريعاً، إلى أن عادت قوية في عام 2006، حين صرح عضو مجلس إدارة شركة “جازبروم” العملاقة الكسندر ميدفيديف بأن روسيا ستشكل “تحالفاً لموردي الغاز أقوى من (أوبك)”، وذلك إذا لم تتمكن من الاتفاق على تصدير الغاز لأوروبا بشروط عادلة. واتفقت روسيا مع أوروبا وخبت فكرة “أوجك” مرة أخرى، لكنها لم تخب تماماً منذ ذلك الحين.
ومع توتر العلاقات بين إيران والغرب، أصبحت فكرة “أوجك” مادة في الإعلام حين الحديث عن إيران، وأيضاً عن مواقف فنزويلا المعادية للغرب منذ تعزيز رئيسها هوجو تشافيز لسلطته. وقبل عامين، احتلت مسألة إقامة كارتل للغاز الطبيعي عناوين وسائل الإعلام، وقيل وقتها إن روسيا وإيران وقطر (أكبر ثلاثة احتياطيات غازية في العالم بالترتيب)، والتي تملك نحو 60% من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، اتفقت على إنشاء كارتل للغاز. لكن سرعان ما طمأن هؤلاء المنتجون العالم بأنه ليست هناك “أوبك” غازية بهذا المعنى. وإنما اتفق منتدى مصدري الغاز، الذي أصبحت قطر مقره، على لجنة من بين دوله الأعضاء تعني بمراقبة السوق ونصح أعضاء المنتدى بشأن سياسات الإنتاج والتصدير. والحديث عن المستوى الموازي لأسعار النفط، الذي أشار إليه وزير الطاقة الجزائري، يعني أسعاراً للغاز عند 12 دولاراً للمليون وحدة حرارية بريطانية. وذلك أكثر بكثير من متوسط السعر في خمس سنوات مؤخراً، عند 7 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية. وما يثير قلق المنتجين والمصدرين أن الأسعار تتراجع بشدة في العام ونصف الأخيرة. فقد هوت الأسعار منذ مطلع العام حتى الآن بنسبة 29%، وذلك بعد انخفاضها بنسبة 25% في المتوسط خلال عام 2009. ولا يتوقع أن تتحسن الأسعار مع دخول إنتاج جديد في السوق من قطر والولايات المتحدة، وكذلك تراجع الطلب الناجم عن التباطؤ الاقتصادي العالمي.
والمشكلة الأساسية التي تعوق إمكانية وضع حصص إنتاج لمصدري الغاز الطبيعي للتأثير في حركة الأسعار في السوق، كما تفعل “أوبك”، هو أن عقود توريد الغاز في الأغلب طويلة المدى، ويتم الاتفاق على سعر متوسط للعقود لفترات طويلة، وما يمكن التأثير فيه فقط هو أسعار الغاز الطبيعي في السوق الفورية. والملاحظ أن بعض الدول المستوردة عبر عقود طويلة الأجل، بدأت تقلل من الكميات التي تستوردها ضمن العقود وتستكمل احتياجاتها بالشراء من السوق الفورية مع انخفاض الأسعار ـ ربما عما اتفقت عليه من سعر لعقودها مع المصدرين. فالجزائر، التي ترقد على ثامن أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، وتعد أكبر مصدر للغاز من شمال أفريقيا، ترتبط بعقود تصدير طويلة الأجل مع كثير من المستهلكين في أوروبا. ولأنها اتفقت على أسعار معقولة قبل عدة أعوام عند 7 دولارات تقريباً للمليون وحدة حرارية بريطانية، فقد بدأت تشهد تقليل زبائنها وارداتهم من الغاز ضمن تلك العقود. ويشتري هؤلاء من السوق الفوري، الذي هبطت الأسعار فيه إلى أقل من 4 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية. وتلك مشكلة ربما تقلق بقية كبار مصدري الغاز الطبيعي أيضاً مثل الجزائر.
لكن العقود طويلة الأجل ليست العقبة الوحيدة أمام إمكانية إقرار الاقتراح الجزائري بخفض الإنتاج لرفع الأسعار. فكثير من الدول المصدرة للغاز تجد صعوبة في تلبية احتياجات السوق المحلي من الغاز الطبيعي، ما يجعل الفائض للتصدير من إنتاجها أقل مما يساعدها على لعب دور مؤثر في السوق. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هناك زيادة الطلب المحلي على الغاز لتوليد الكهرباء وتحلية المياه وتغذية الصناعات الأخرى المعتمدة على الغاز الطبيعي. ويعود ذلك إلى النمو المعقول لاقتصادات المنطقة، بالإضافة إلى أن هناك عوامل أخرى مثل تركيز الاستثمارات على النفط أكثر من الغاز الطبيعي وتشوه أسعار الغاز في السوق المحلية نتيجة الدعم الحكومي للاستهلاك المحلي. وربما يكون اقتراح الجزائر لمنتدى مصدري الغاز منطقياً ومقبولاً من جانب كثير من المصدرين. لكن الاتفاق على تنفيذه سيكون صعباً، ليس فقط لعوامل العقود طويلة الأمد ونمو الاستهلاك المحلي في الدول المنتجة، ولكن أيضاً لأن خطوة كهذه ستعني عملياً اللبنة الأولى في بناء كارتل “أوجك”. وتلك خطوة تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز سوق الغاز الطبيعي والعرض والطلب فيه.
المصدر: لندن