غالية خوجة (دبي)
أنا لست متفائلة ولا إيجابية، أنا إنسانة عملية تحاولُ أن تنجو، وشخص شديد الانطوائية وعاشق للعزلة مثلي هو بالتأكيد الأقل تضرراً في مثل هذه الجائحة.. هكذا تحدثت الروائية الكويتية بثينة العيسى، المرشحة لجائزة الشيخ زايد للكتاب لـ «الاتحاد»، وأكدت: خسارة «المشي» أوجعتني جداً، لكنني أعوض الأمر بأنشطةٍ أخرى، أنظر في ألبومات الصور، أرتب المكتبة، ألوّن، أقابل شخصيات لها علاقة بروايتي القادمة، وأجري معها حوارات على الهاتف، أكتب كثيراً، وأتأمل، وأقرأ.
وقالت صاحبة «كل الأشياء»، المرشحة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، إنها تعكف على رواية جديدة، ما زالت في الفصل الثاني، وحتى الآن لم تعثر لها على عنوان.
احتلال الكويت
بدأت حكايتها مع الكتابة مع احتلال الكويت في 1990، وقالت: الاحتلال هو الحدث المرتبط ببداية الكتابة عندي، ومع ذلك أفكر أحياناً بأنني كنت لأكتب في كل الأحوال دون وجود صدمة بهذا الحجم، قلبتْ وشكّلتْ معظم مفاهيمي في سنٍ مبكرة، لقد كتبتُ لأنني أحببت القواميس، والكلمات، وحفيف الورق، والأقلام، والحبر تحت أظافري، ولأنني أحببت القصص والخيال واختراع الأشياء، الأمر بهذه البساطة.
لكن، ما طبيعة العلاقة بين الطفولة المضمرة في ذات الكاتب والإبداع؟
تجيب: أتفق مع بيكاسو: «كل طفل يولد فناناً»، والتحدي هو أن يبقى فناناً (أي طفلاً) عندما يكبر.
وعن فلسفتها تجاه شخصياتها الكتابية، قالت: ليست لدي فلسفة، أتعامل مع الشخصية حسب موضوع الرواية؛ أي شخصية تخدمني أكثر في هذا السياق، وأيها أقدر على طرح أسئلتي، وإثارة أسئلة لم تخطر ببالي في ذهن القارئ؟ هذا هو المحك.
بين هدمٍ وبناء
في الرواية صراع بين شخصيتين، هما: الأب الذي يسمي الأشياء بأسمائها، والابن الذي يتحدث بكناية لتعرية الأشياء، هل هي صراع لقتل الأب أو الكاتب أو الشخصيات؟
تقول: نحن عندما نكتب نعرف بأننا نقوم بالاثنين معاً، وبأن كل عملية هدم تضمرُ مشروع بناء، وكل عملية بناء تقوم على هدمٍ مسبق، إنه أحد تجليات الصراع بين شخصيتيّ الوالد والولد؛ الصراع العبثي الذي يحاول فيه كل طرف أن يثبت أنه على حق ليكسر رأس الآخر وليس حباً في الحقيقة، وأنا أرى الاثنين على خطأ وعلى صوابٍ أيضاً، وأعتقد بأن الرواية تخدمني لخلق مساحات رمادية في الوعي والعاطفة.
وفي ردها على سؤال: ما أهم الفنيات السردية الجديدة في «كل الأشياء»؟ ولماذا لم تكن الشخصيتان مؤنثتين؟ قالت: السؤال عن الفنيات السردية الجديدة هو سؤالٌ نقدي، وأؤمن بأن المؤلف يخرج كثيراً عن المساحة المخصصة له في لعبةِ المعنى، عندما يُقدم على قراءة عمله نقدياً، أما عن سؤال: لماذا لم تكن الشخصيتان مؤنثتين، فهو لأنني أحبّ لرواياتي أن تكون مشدودة بخيط غير مرئي إلى الواقع، عبد المحسن العظيمي يمثل شريحة من آباء شباب الحراك ممن انخرطوا في «دواوين الاثنين» التي ابتدأت في ديسمبر 89، للمطالبة بعودة العمل بالدستور والحياة النيابية المعطلة، وجاسم.. أراد أن يكون امتداداً لهذا الإرث، لكنه جُوبِهَ بحالة من القطيعة، كيف أستطيع أن أكتب عن فتاة تسجن بسبب رأي سياسي؟ ستكون هذه سابقة (وإن كانت كاحتمالٍ واقعي واردة الحدوث بنسبة 1% مثلاً)، إلا أنها صعبة التصديق بالنسبة لمن عايش التجربة.
وأوضحت: الأمر الآخر الذي جذبني إلى الكتابة عن الرجل هو أنني كنت، وعلى مستوى شخصي، راغبة في اكتشافه، أريد أن أرتدي جلده، وأذهب إلى تلك المناطق المحرمة على امرأة خليجية؛ كالديوانية، التي هي بمثابة برلمان مصغر وتقليد أصيل في المجتمع الكويتي، ما زالت حكراً على الرجال، وحتى مشهد المقبرة.. إذ تنتهي حدود المجتمع النسائي عادة عند «المغيسل»، لكن الولد وحده يحظى بحق دفن أبيه، وإهالة التراب على جثمانه.
إنني أبحث عن شخصيةٍ تضيء عالمي الروائي على نحوٍ أوضح، لأن الرواية ينبغي، كما يرى كولن ولسون، وأتفق معه، أن تكون مرآة لزمنها، وشخصيات الرجال في سياق «كل الأشياء»، تحقق لي هذا الغرض.
الخلاص في التجاوز
الفكر الذكوري مسيطر على الكرة الأرضية، كيف يصبح العقل الإنساني اللا منتمي للجنس الفيزيائي، بل المنتمي للإنسانية، هو المعيار المضيء للحياة والمجتمع والإبداع الكتابي والفني والمعرفي والعلمي والثقافي؟
قالت العيسى: أعتقدُ بأن الخلاص يبدأ عندما نتجاوز الثنائية، أو عندما ننظر إلى تلك الثنائيات كأقطابٍ متحاورة، وليس كأضداد متناحرة، وهذا سؤال فلسفي وروحاني لستُ واثقة من قدرتي على الإجابة عنه، لكن كتاب فراس السواح عن «الطاوية» يبدو لي مدخلاً ممتازاً، بالإضافة إلى مؤلفات كارل يونغ، وجوزيف كامبل.
لا أعرف أجدادي
حول حضور صوت الأجداد كموروث في أعمالها، وبمن تأثرت، تؤكد بثينة العيسى أنها تؤمن بوجود «شجرة عائلة» أدبية، وتوضح: تعرفت على الفكرة لأول مرة في كتاب «جمهورية الخيال» لـ آذر نفيسي، وأيضاً عندما نسب ساراماغو نفسه إلى كافكا، الفرق أنني لا أعرفُ من هم أجدادي الكتّاب، لأن تأثيرهم غير واضح، أعرفُ الذين أحبهم بتطرّف لكن لا أدري إلى أي حدٍ تركوا آثارهم عليّ، ولكنني في العموم أعشق غسان كنفاني، محمود درويش، نجيب محفوظ، غارسيا ماركيز، بورخيس، غاليانو، جيمس بالدوين، وآخرين أعجز عن حصرهم.