العراقيون وشبح عودة القاعدة
قبل ثلاثة أشهر على تفجير ''أمين القرغولي'' نفسه في مدينة اليوسفية التي تبعد بحوالي 25 ميلاً عن العاصمة بغداد وسط اجتماع لشيوخ القبائل وسقوط 23 قتيلا، كان قابعاً في السجن لزرعه عبوات ناسفة على جنبات الطرق، لكن سرعان ما أطلق سراحه بعدما توسط له أعيان المنطقة على أساس تعهده بنبذ العنف والتخلي عن سيرته الماضية· غير أن الهجوم الذي نفذه أمين في الثالث من يناير الجاري وسط اليوسفية ذات المنازل المبنية من الطين كان أسوأ تفجير من نوعه يهز البلدة منذ شهور وتذكيرا قاسيا للعراقيين بأن تنظيم ''القاعدة'' مازال قريباً منهم ولم ينقطع نشاطه تماماً· فبانسحاب الجزء الأكبر من القوات الأميركية من مدينة اليوسفية وشروعها في مغادرة المدن العراقية انتقلت المهام الأمنية إلى الجيش العراقي وإلى قوات الشرطة، فضلاً عن الميليشيات شبة العسكرية المشكلة من ''أبناء العراق''، وهو ما أثار تخوف بعض الخبراء والعراقيين من احتمال عودة ''القاعدة'' وسعيها إلى استعادة وجودها في المنطقة من خلال تنفيذها لتفجيرات انتحارية تهز المدينة وتزعزع الأمن· ''أبو هنيان القرغولي''، أحد القادة المحليين لأبناء العراق يقول في هذا الصدد (مازالت هناك بعض القبائل، التي تحاول التستر على أفراد ''القاعدة'' في العراق)·
لكن وفيما أدى الهجوم الذي استهدف قبيلة القرغولي من قبل أحد أبنائها انتقاماً على ما تعتبره ''القاعدة'' تعاوناً مع الأميركيين في حربهم على المتمردين السنة إلى خلخلة الأمن في المدينة، يبدي العديد من سكان المدينة تفاؤلهم بمستقبل الوضع العراقي ويرون أن ''القاعدة'' لن تجد لها موطئ قدم في مدينتهم· فقبل عام ونصف العام عندما كان العراق في أوج التمرد رأى السكان كيف تحولت المدينة إلى مكان مهجور خالٍ من المارة تتخلله مناظر الجثث المرمية على قارعة الطريق، وقتها كان المسلحون يسيطرون على جميع منافذ المدينة ويزرعون الرعب في قلوب أهلها، لكنها اليوم تعج بالحركة بعدما استعادت المدينة عافيتها وتخلصت من العنف فعادت المحلات إلى فتح أبوابها وأصبحت الأسواق تغص بالناس، بل أكثر من ذلك احتفل مجموعة من الشيعة بذكرى عاشوراء في الشارع الرئيسي الذي يتوسط المدينة، وهو الاحتفال الذي ما كان له أن يتم بسلام قبل سنة، أو ثلاث سنوات· وقد أخبرني أحد ضباط الشرطة العراقية الذي رفض الكشف عن اسمه أنه بالرغم من ''استمرار القاعدة في التواجد، فإن العنف تراجع بشكل كبير مقارنة مع ما كان عليه في الماضي''، مضيفاً أنه ''بالنظر إلى حجم الجيش والشرطة العراقيين فإنه من غير المرجح أن تعود القاعدة إلى المنطقة''·
ومع أن ''القاعدة'' قد تحاول الرجوع إلى المدينة وبسط سيطرتها عليها، إلا أن العديد من الخبراء يستبعدون ذلك لما باتت القوات العراقية تتمتع به من فعالية في التعامل مع الجماعات المسلحة، ويرى الخبراء أنه حتى في حال عودة العنف إلى العراق، فإنه لن يكون بنفس الحدة التي كان عليها في السابق بسبب الخسائر الكبيرة التي مني بها تنظيم ''القاعدة'' في العراق وفقدانه للكثير من عناصره· ويقول ''طارق البرقاوي''، المحاضر بجامعة كامبردج البريطانية والمتخصص في شؤون حركات التمرد ''لم يعد التمرد قوياً وبنفس التماسك عندما دخلت القوات الأميركية أول مرة بل تحول الأمر إلى مجموعة من القوى السياسية والتنظيمات العسكرية التي كانت متواجدة قبل الزيادة في عدد القوات الأميركية''· ويشكل الانسحاب الوشيك للقوات الأميركية من المدن العراقية في يوليو 2009 كما نصت على ذلك الاتفاقية الأمنية التي وقعت بين العراق والولايات المتحدة منعطفاً حقيقياً بالنسبة للعراقيين الذين سيكون عليهم معالجة القضايا العالقة ومنع تفاقم الخلاف وخروجه عن السيطرة، وهو ما يعبر عنه ''فواز جرجس''، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة ''سارة لورينس'' بنيويورك قائلا ''إن الهوة السياسية التي تفصل بين السنة والشيعة والأكراد تبقى شاسعة، وقد أجل التواجد الأميركي أمراً ضروربا ومحتماً وهو تحويل الحكومة من طابعها الطائفي إلى طابع الوحدة الوطنية''، وباستمرار ارتباط الكثير من الكتل السياسية العراقية بالجماعات العرقية المختلفة يحذر الخبراء من احتمال نشوب اختلافات قد تؤدي إلى تجدد العنف وعودة الفوضى·
وعلى سبيل المثال، كادت تؤجل انتخابات مجالس المحافظات المقرر عقدها نهاية الشهر الجاري بسبب الخلاف الذي اندلع هذا الخريف بين الحكومة العراقية ومنطقة الأكراد في الشمال حول من يسيطر على مدينة كركوك الغنية بالنفط، ومع أن الجانبين مازالا يتدارسان الموضوع، إلا أن الخلاف لم يحسم بعد· ويؤكد ''علي الدباغ''، المتحدث باسم الحكومة العراقية أن ''تواجد القوات الأميركية غير معني بقضايا المصالحة الوطنية''، وفيما يقر الدباغ بوجود توتر في العلاقات بين الكتل السياسية الطائفية، إلا أنه يرى بأن الصراع لم يتسرب بعد إلى المواطن العراقي العادي الذي أصبح أقل انشغالا بالقضايا الطائفية مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عامين· ويضاف إلى ذلك الدور المتنامي للقبائل العراقية بعدما أقام نوري المالكي المجالس القبلية على امتداد البلاد وسعي العديد منها للظفر بمقاعد في الانتخابات المحلية القادمة، مع أن صعـــود الدور القبلي قــــد يساعـــد في التخفيف من حدة الطائفية، إلا أنه قد يؤدي أيضاً إلى نشوب نزاعات أخرى وظهور أنواع جديدة من العصبيـــة·
توم بيتر - العراق
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
كريستيان ساينس مونيتور