أخطاء الدعاية الانتخابية
بقي كثير من أهل السودان في انتظار قرار يصدر من مؤسسة الرئاسة، وهي الهيئة العليا المشكلة من رئيس الجمهورية ونائبه الأول، بقبول مطلب الأحزاب السياسية المعارضة متمثلا في تأجيل موعد الانتخابات إلى نوفمبر من العام الجاري أو اجرائها في موعدها المحدد في شهر أبريل الجاري.
وحسب نص اتفاقية السلام، وهي الإطار العام للعمل السياسي، فإن قرارات هذه الهيئة لا تتخذ بالأغلبية بل بنظام التراضي.
وخلال هذا الانتظار وتعدد التوقعات فإن المعركة الانتخابية ما زالت على أشدها وحملات الدعاية ما زالت تزداد حماسة كل يوم.
وفي هذا فلعل أكثر ما شغل المجتمع السياسي والإعلامي خلال الأسابيع الأخيرة هو ما قام به رئيس الجمهورية بوصفه مرشح حزب "المؤتمر الوطني" للرئاسة، من نشاط انتخابي كانت له ردود فعل أضرت بموقفه. وتمثل ذلك في تصريحين له أثارا من النقد والرفض أكثر مما أثارا من الرضا أو الترحيب.
وفي الحالة الأولى هاجم البشير المنظمات الأجنبية التي أرسلت مبعوثين منها لمراقبة الانتخابات، وأهمها مركز كارتر والاتحاد الأوروبي بعنف، وقال إنه "سيطردها" كلها من السودان إن حاولت التدخل في شؤون البلاد أو التعدي على سيادتها.
وكان محور الخطوة التي أثارت ذلك التعليق هو أن بعض مبعوثي مؤسسة كارتر اقترحوا تأجيل موعد إجراء الانتخابات لأسبوع واحد أو نحو ذلك لأن وضع الإعداد الميداني لتنفيذ عمليات الاقتراع وما يليها لم يكتمل تماماً والأيام الباقية لا تكفي لذلك.
وهكذا فإن اقتراح هذه الجماعة بتأجيل موعد الانتخابات لا علاقة له بموقف الأحزاب المعارضة التي تطالب بالتأجيل من أبريل إلي نوفمبر.
لقد أجمع المراقبون المستقلون علي أن التعليق على ما اقترحه مركز كارتر هو من شأن مفوضية الانتخابات وليس من شأن الرئيس.
وكانت القضية الأخرى هي أن البشير لجأ إلى المبالغة في الدفاع عن نظام حزبه خلال السنوات الماضية، أملا في كسب أصوات الناخبين، فقال إن ما يذكر عن وجود فساد في السودان محض افتراء، وإن تلك المؤسسات العالمية التي تضع السودان ضمن مجموعة أكثر بلدان العالم فساداً هيئات مغرضة هدفها الإضرار بالسودان. وتحدى البشير الأحزاب المعارضة وغيرها أن تثبت أن هناك فساداً في السودان.
وقـد تصـدت بعض صحـف المعارضـة لهـذا التحـدي وكأنهـا كانـت فـي انتظـاره، فحفلـت بعـض صفحاتهـا بفيـض مـن الوقائـع والأرقـام التـي تؤكـد أن الفساد استشرى في السودان وانتشر بصورة لا يمكن إخفاؤها أو التستر عليها.
وأعادت تلك الصحف نشر عدد من الفضائح، مثل فضيحة إنشاء طريق بري في غرب السودان أخذ المسؤولون من اعتماداته نحو 40 مليار جنيه سوداني، وعندما كشف الموضوع واتضح أن ملف الاتهام سيطال بعض الكبار، لم يجد أهل السلطة أكثر من القول بالحرف: "الذين نهبوا أموال اليتامى والمساكين خليناهم الى الله"!
كذلك نشرت تلك الصحف قائمة طويلة تحوي قرارات المراجع العام، وهو موظف رسمي، على امتداد السنوات من عام 2000 إلى عام 2009. وفيها يوضح المراجع العام كميات المال المختلس من الخزينة العامة.
والمثال على ذلك أن المبلغ المختلس عام 2000 كان 4,4 مليار جنيه، لكنه ارتفع في العام التالي إلى 5,9 مليار جنيه. ثم زاد عن العشرة مليارات في السنوات التالية.
ولن يتوقف الفساد في السودان أو ينحسر طالما أن هناك إرادة لعدم الاعتراف بوجوده، دعك من العمـل على محاربته ولو بأبسـط الوسائـل. فهل إثارة قضايا كهذه يمكن أن تكون أفضل وسيلة لدعم حملات الدعاية الانتخابية؟