المبزرة الخضراء تشكو نقص الوعي البيئي عند بعض الزوار
مبزرة الخضراء في العين، منطقة جذب سياحية رائعة، يغطيها البساط الأخضر الجميل، يقع في غرامها كل من يزورها ويتمتع بقضاء جلسات عائلية فيها، ومما يؤلم النفس ويدميها وجود ممارسات وسلوكيات غير حضارية، تمارسها نسبة كبيرة من زوار هذا المكان الجميل، غير آبهين بأنها ملكية جماعية وينبغي الحفاظ عليها ليتمتع بها الجميع وقتما يشاؤون.
في إجازات نهاية الأسبوع يكثر تجمع الأسر والعائلات في مبزرة، وتكثر للأسف بعض الممارسات السلبية تجاه المكان الجميل، مثل ترك المهملات في مكان الجلوس، والمهملات في الأماكن غير المخصصة لذلك، وتكسير أنابيب المياه على سفوح الجبال بسبب تسلق البعض فوقها للوصول إلى قمم المرتفعات المحيطة بمبزرة.
أماكن ترفيهية
اختارت عائلة أبو محمد المرزوقي مكاناً استراتيجياً للجلوس، فقد افترشت الأرض تحت إحدى مظلات العريش الخشبية بقرب منبع المياه الساخنة، وأخذت تشوي اللحم والدجاج والسمك في مواقد الشواء المخصصة في المكان... يقول المرزوقي واصفاً حبه للمبزرة وما تعنيه له، بينما كان يحرك الهواء بمروحته فوق موقد الشواء :«المبزرة من أجمل وأروع الأماكن الترفيهية، ليس فقط في مدينة العين، بل في الإمارات بأكملها، والعجيب فيها أن الواحد منا لا يمل من زيارتها على عكس بعض الأماكن التي تعافها النفس لو زارتها أكثر من مرة، وفي كل مرة أزورها مع أصدقائي أو عائلتي نشعر بالمتعة والراحة التي نبحث عنها، خصوصاً في الإجازات بعد أيام العمل الروتينية المتعبة.
كما أن لذعة المياه المتدفقة من قلب الصخر تشعرنا برغبة إبقاء أقدامنا فيها لفترة طويلة لنحظى بمزيد من الاسترخاء والدفء، خصوصاً في ظل الأجواء الباردة التي تخيم علينا هذه الأيام، لكنني أتألم كثيراً عندما أشاهد الأطفال أمام ناظر ذويهم يلقون الأوساخ في الماء وعلى العشب، مثل بقايا المأكولات والمناديل الورقية وأكياس الشيبس والبسكويت وغيرها، مما يثير استياء الكثيرين، لأنهم يؤذون هذا المكان الرائع الذي لن يكون جميلاً إلا إذا كان نظيفاً، وأتمنى أن تشدد الجهات المعنية بالمكان حول نظافته وتفرض عقوبات صارمة حول هذه التصرفات التي تئن منها البيئة».
أم محمد تضم حديثها إلى حديث زوجها وتنادي بفرض غرامات مالية على من يلقي الأوساخ في المياه وغيرها لتكون أكبر رادع لهذا السلوك غير الحضاري، وتضيف:«هذا المكان الساحر نعمة من نعم الله عز وجل، علينا المحافظة عليها، فجمال الطبيعة الأخاذ وأعمال التجميل والزراعة التي قامت بها البلدية حولت الأرض القاحلة إلى جنة خضراء يصعب وصفها بالكلمات، ومن حسن حظنا أننا نعيش في مدينة العين مما يوفر لنا فرصة دائمة لزيارة المبزرة وقضاء أجمل الأوقات فيها».
سباق للقمة
شاهدناهم، رجالاً وشباباً، أطفالاً ونساء، يتسلقون جبال المبزرة المكسوة بالخضرة ... يتراكضون ويقفون بين جنبات الصخور لالتقاط صور تذكارية تثبت جرأتهم في صعود ذاك المكان الخطر، بل ويتسابقون، فمنهم من يصل إلى القمة قبل غيره على الرغم من شدة وعورة الطريق سواء أثناء الصعود أو النزول التي تعرضهم لخطر التزحلق والوقوع، اقتربنا من بعضهم وسألناهم لماذا تتسلقون الجبل وتعرضون أنفسكم والمكان للخطر فضحكوا وخجلوا ولم يتعظوا!.
يرد على ذلك أربعة شباب مراهقين هم أسامة محمد وأياد الأنصاري وعلاء توفيق وفراس مفلح ويقولون ضاحكين :«ما المشكلة في تسلقنا للجبل، فنحن نحب أن نتسابق في تسلقها وفي الوقت نفسه نمرن عضلاتنا ونؤدي تمارين رياضية مفيدة، فوعورة الطريق مفيدة في ذلك، وعندما نصعد إلى القمة نشعر بلذة النصر، ويبدأ الهواء العليل يتمايل بنا في جميع الاتجاهات، وعند النزول نمسك بأيدي بعضنا ونركض فنشعر بمتعة كبيرة، ولا ننفي أننا نتعثر في بعض الأحيان، لكن لم تحدث لنا أي إصابات تمنعنا من تكرار المحاولة» .
وعي مفرح
المهندس جمال السيد حضر مع زوجته وأولاده الصغار قبل الغروب بقليل، وصعدوا بالسيارة إلى جبل حفيت ليشاهدوا مدينة العين والمبزرة من أعلى، والتقطوا صوراً عديدة لها. يقول السيد: «هذه أول مرة أزور فيها المبزرة الخضراء وجبل حفيت، فقد قدمت لرؤيتها من دبي وذلك لكثرة ما سمعت عن جمالها وروعة مناظرها، وفعلاً لقد تطابق ما رأيته مع ما سمعته، فقد تمتعنا بسخونة الماء المتدفقة من الصخر، والجميل أن الخدمات متوافرة هنا وكل ما نحتاجه موجود، سواء مطاعم أو دورات مياه أو مساجد أو ألعاب الأطفال التي زادت من فرحة أطفالي وبهجتهم، كما لم نجد صعوبة في إيجاد مكان لإيقاف السيارة، فهي متوافرة بكثرة، ولعل اختياري لهذا المكان في عطلة نهاية الأسبوع جاء صائباً، حيث ابتعدت عن الضجة وصخب الحياة إلى الهدوء والطبيعة، وسأبقى يومين مع أسرتي، فقد حجزت في أحد الشاليهات الموجودة أيضاً في المنطقة على الرغم أنني أحب التخييم، لكن لن أقوم به على عشب المبزرة، لأن ذلك يعرضه للتلف، فحجب الشمس والهواء عنه لأيام نخيم خلالها يقتله، وننوي غداً أنا وزوجتي أن نزور مسابح الرجال والنساء المنفصلة والتي سمعنا كثيراً عن نظافتها وخدماتها الوفيرة وديكوراتها الجميلة».
يؤكد السيد أنه منع أولاده من تسلق الجبال بعد أن طلبوا منه السماح لهم بالتسلق، ويعلل ذلك بأنه يخاف عليهم من السقوط والتعثر، بالإضافة إلى أن المشي على مغطيات التربة الموجودة على سفوح الجبال يعرضها للموت، وقد تتعثر القدم بأنابيب الري الظاهرة على سفوح الجبال مما يعرضها للكسر، وهو لا يريد أن يتنزه على حساب إتلاف البيئة وموجوداتها التي تعد من أموال الدولة.
هذا الوعي المفرح الذي وجدناه عند السيد جعلنا نستبشر خيراً بأن هناك من لا ينتهكون حرمة الأماكن العامة ويقتلون جمالياتها بأعمالهم المشينة.
تخييم في مبزرة
عائلتا فهد الطيب وفتحي السعيد اختارتا للتخييم مكاناً قصياً من المبزرة، وتجمع الأولاد والرجال للعب ورق الشدة، بينما راحت النساء تحضر ما جلبوه من طعام منزلي الصنع للعشاء، الغريب أنهم أدخلوا سياراتهم إلى الداخل فوق العشب. اقتربنا من العائلتين وحاورناهما عن سبب إدخال السيارة إلى الداخل وعدم إيقافها في مواقف السيارات المتوافرة، فأجابوا بإجابات لم تكن مقنعة تماماً، وبينوا أنهم اختاروا مكاناً بعيداً عن تجمع الناس ليحظوا بخصوصية أكثر.
يفضل كثير من الشباب التمتع بالأرجيلة والشواء على البساط الأخضر العشبي على الرغم من منع ذلك لما يسببه من مخاطر على صحة الناس وحرق محتمل للعشب الجميل، أمام ناظرنا جاء رجل الأمن يطلب من مجموعة من الشباب تقوم بذلك بأن تنتهي عنه في المبزرة فتجاوبت معه مرغمة عبر إطفاء الأرجيلة وإبعاد منقل أو موقد الشواء عن العشب إلى الرصيف المحاذي له.
خليل شاهين 35 سنة يعاني الروماتيزم وقد جاء إلى المبزرة منذ ساعة باكرة ليتسنى له ولعائلته حجز مكان يلاصق منبع الماء المتفجر في وسط منطقة المبزرة، رأيناه يجلس والماء الساخن يصب ويغمر جسده بأكمله، يتحمل خليل حرارة الماء، لأنه يشعر أن مياه المبزرة كبريتية، فهي تأتي من تحت الأرض ويعتقد أنها علاجية.
جهود البلدية
استنطاق الصخور وحفزها على دفع الماء المخزن في باطن الأرض وتدفقه عبر شقوقها وفواصلها أمر ليس بالهين، فقد تطلب جهوداً كبيرة قامت بها بلدية العين على أكمل وجه، ولولاها لما تحولت المبزرة إلى جنة خضراء يقصدها الزوار من كل حدب وصوب، وقد أكد المهندس سالم الجابري رئيس قسم التشغيل والصيانة في بلدية العين قطاع وسط المدينة أن البلدية تبذل جهوداً كبيرة لبث الوعي بين الناس حول مخاطر التصرفات غير المسؤولة التي تبدر منهم، وذلك عبر الكثير من المحاضرات التوعوية والبروشورات التي توزع عليهم واللوحات الإرشادية الموزعة في زوايا مختلفة من المنطقة.
من جانبه أوضح المهندس عبد الناصر رحال مدير عام شركة تنسيق الحدائق والزراعة أنهم استلموا أصول المنطقة من بلدية العين ضمن عقود التعهيد والصيانة وذلك منذ 4 سنوات مضت، قاموا بموجبها بجملة من أعمال الصيانة والتطوير والتجميل، يشير إليها رحال بقوله: «نحن نقوم بشكل دوري بصيانة وتشغيل شبكات الري والآبار ووحدات الضخ وخزانات المياه والأعمال الكهربائية كافة المتعلقة بالإنارة والأعمال الزراعية كافة وخدمات النخيل والأشجار وصيانة المسطحات الخضراء، مثل عمليات قصها وتشذيبها وريها وتسميدها ومكافحة الآفات، وكذلك الأمر بالنسبة لمغطيات التربة التي تغطي سفوح الجبال، بالإضافة إلى صيانة آبار المياه الحارة والتي تتطلب جهداً وتقنيات فنية عالية ومضخات خاصة وأنابيب تتحمل درجات الحرارة العالية في باطن الأرض وتأمين المياه الحارة لمسابح الرجال والنساء واستخدام جزء لتغذية بحيرة القوارب».
يؤكد رحال أن العمال الذين يقومون بصيانة المبزرة الخضراء والذين يصل عددهم إلى 85 شخصاً مصدومون لأعمال التخريب التي يقوم بها بعض الزوار، حيث يقضون أياماً طويلة في إصلاحها، علاوة على تكاليفها الباهظة، مما يدفعه إلى توجيه رسالة لكل من يرغب في زيارة هذا المكان، مفادها بأن يحافظوا على نظافة هذا المكان وألا يقوموا بسلوكيات تدمر جماله، فهو ثروة كبيرة ونعمة إلهية نتمنى أن تدوم لنا وللأجيال التي ستأتي من بعدنا.
عن المبزرة
أوضح المهندس سالم الجابري، رئيس قسم التشغيل والصيانة في بلدية العين قطاع وسط المدينة، جانباً من الأعمال التي قامت بها البلدية في منطقة المبزرة، إذ يقول: «تحتوي المبزرة على مناطق جذب ترفيهية سياحية كثيرة، فهي تضم 9 آبار، منها ما يغذي مسابح الرجال والنساء، والمجرى الذي يتمتع بسخونة مياهه الناس، والتي تصب جميعها في بحيرة القوارب التي تتوسطها نافورة، وتعتبر إحدى مناطق الجذب السياحي في المنطقة، حيث تعج بالأسماك التي يمنع صيدها، بالإضافة إلى وجود قوارب يمكن استئجارها والتجديف بها في البحيرة، كما يذهب جزء من مياه الآبار لري مغطيات التربة على سطح الجبال ومسطحات خضراء وأشجار النخيل والزينة وأحواض الأزهار،
كما توجد مظلات خشبية مغطاة بديكور من العريش ومواقد للشواء ومقاعد للجلوس ولعبة التزحلق بالسيارات، والتي تتخذ سكة حديد مثل سكة القطار، ومسابح للرجال والنساء والأطفال ومنطقة لعب مخصصة للأطفال، فيها ألعاب مجانية للأطفال، وعلى مقربة منها توجد عربات تقودها الخيل، يمكن أن تقوم بها العائلة بجولة ممتعة حول المكان، ولا تخلو المنطقة من المطاعم والشاليهات وفندق ميركيور بجانب جبل حفيت، ذاك الجبل الذي يحاذي المبزرة ويزيدها جمالاً فوق جمالها»
كما تحتضن المبزرة، بحسب الجابري، الكثير من الفعاليات الترفيهية والوطنية والاجتماعية التوعوية، مثل حملات فحص البصر والتبرع بالدم وما شابهها، وتقدم شاشات البلازما المعلقة على الأعمدة ليراها الناس الإعلانات التجارية وغيرها.
المصدر: العين