عندما تتلاشى حدود الحرم الجامعي
جميل أن تزداد أعداد الجامعات باعتبارها وعاء لتخريج أجيال المستقبل الحاملين للواء التقدم ، ولكن لكي تحقق الجامعات هذا الهدف لا بد أن تتوافر لها شروط منها أن يكون لها حرم جامعي تتوراث فيها أجيال الطلبة خبرة الحياة الجامعية والتي لا تقتصر فقط على النواحي التعليمية وإنما تتضمن جملة من الأخلاقيات والقيم والتقاليد الجامعية.
وعندما يغيب هذا الحرم الجامعي ويستبدل به الشوارع القريبة من مبنى الجامعة تصبح هناك مشكلة أو خطأ. وهذا بالفعل ما حدث لدى جامعة خاصة أقيمت في حي سكني قرب مصلى العيد في أبوظبي، حيث انقلب حال المنطقة فأخذت الشوارع الهادئة تزدحم بالسيارات الهادرة، ثم صار المبنى بضعة مبان موزعة عبر عدة شوارع في المحيط السكني نفسه.وإذا بالمنطقة كلها، بمن فيها من سكان ومحال، تتحول إلى ما يشبه الحرم الجامعي. ولم يعد الدخول والخروج من المنطقة سهلا ميسوراً كما كان في مرحلة ما قبل الجامعة ، حيث صارت الشوارع في حالة ازدحام دائم بالسيارات سواء تلك التي يلهو بها الطلاب والطالبات، كيفما شاءوا ،أو تلك التي قرروا تحويلها إلى ما يشبه المقاهي المتنقلة في أي بقعة ظل يعثرون عليها. ولكم أن تتخيلوا كيف يمكن لمربع سكني طاقته الاستيعابية قد لا تتعدى في الأساس عشر عائلات، أن يستوعب مئات الطلاب والمحاضرين والموظفين الذين يتدفقون عليه طوال ساعات اليوم.لكن كل هذا في كفة، وما يعانيه سكان المنطقة بسبب ممارسات بعض طلاب تلك الجامعة في كفة أخرى. لقد قرر بعض الطلاب ، فيما يبدو ، تمضية اليوم الدراسي خارج قاعات المحاضرات، وتحديداً على الأرصفة أو على بعض المقاعد الموجودة أسفل البنايات السكنية، حيث يهدرون ساعات طويلة، في اللهو والعبث بطريقة مثيرة للضيق، بل ومنافية للأخلاق والذوق العام، تمتد حتى الثامنة مساء في بعض الأيام. وأقل ذلك العبث ، اعتياد بعض الطالبات التدخين جهاراً نهاراً .وللأسف يحدث كل ذلك على مرأى ومسمع من السكان، بل الأدهى ، أمام طلاب المدارس الصغار، الذين اعتادوا أثناء رجوعهم من مدارسهم رؤية هؤلاء الطلبة والطالبات يومياً في حلقات السمر العابثة التي يقيمونها على الأرصفة. إن مشاهد العبث الذي يمارسه هؤلاء الطلاب على الطريق العام، يهدر أمام أبنائنا الصغار معاني سامية وقيما أصيلة، تحاول الأسر زرعها فيهم، بل هو بالتأكيد يصيب أذهانهم البريئة بموجات تشويش قوية تقدم صورة سيئة للحياة الجامعية . صحيح أن هؤلاء الطلبة لا يمثلون كل طلبة الجامعة (فهناك طلبة آخرون يحرصون على أداء الصلوات في مسجد المنطقة)، لكن في الإجمال ليس من المنطق في شيء تحويل حي سكني إلى حرم جامعي. والكل يعلم أنه شتان ما بين العالمين.
عدد من سكان المنطقة