ميلان كونديرا: شكراً لاحتفالية الموتى!
على الرغم من أنه كان أحد كتاب النظام المفضلين، إلا أن كتابات الروائي التشيكي ميلان كونديرا منعت إبان الشيوعية، وقاطعه مواطنوه إثر انتقاله إلى فرنسا... غير أن الروائي الذي احتفل للتو بعيده الثمانين كان للمرة الأولى موضوع ندوة كبيرة في بلده الأم. ويرفض الروائي منذ أعوام الظهور العلني، ولذا لم يلب دعوة منظمي الندوة وإنما شكرهم على «احتفالية الموتى هذه»، في رسالة جوابية لم تخل من الفكاهة.
في الوقت ذاته، عكف أكاديميون ونقاد جاءوا من باريس وروما إلى برنو مسقط كونديرا، وفي غيابه، على تشريح أثره الأدبي. وأشار بيتر فيال رئيس جامعة «ماساريك» في برنو، في افتتاح النقاشات إلى أن الدافع لهذه الندوة هو «بدء بحث فكري جديد في أعمال كونديرا، الذي كان مثار نقاشات في الآونة الاخيرة في تشيكيا، ولكنها نقاشات جرت على نحو مؤسف وفي سياق تاريخي». ففي أكتوبر الماضي نشر محضر للشرطة يعود إلى 14 مارس 1950، وشكل محور كتابات ومقالات كثيرة. ذلك أنه ورد في المحضر أن كونديرا (كان حينها طالباً في العشرين) أتى طوعاً إلى مخفر للشرطة، ليشي بشاب فار من الجندية كان يتجسس لمصلحة الغرب وأتى، أي الشاب، إلى براغ على نحو غير قانوني. غير أن كونديرا نفى نفياً باتاً ضلوعه في القضية، واصفاً إياها بـ «الكذبة الخالصة»، واعتبرها الكاتب الفرنسي غي سكاربيتا «حملة افتراءات كريهة»، أما في تشيكيا فبقيت المواقف منقسمة في شأن الكاتب. ويرى مارتان بيتراس من جامعة ليل، أن الأمر يتعدى وشاية كونديرا المحتملة للشرطة، وهو تدبير كان سائدا خلال النظام الشيوعي، وأن ما يؤخذ خصوصاً على كونديرا «إقدامه عندما صار في المنفى على محو ماضيه الشيوعي، فضلاً عن عدم دعمه المنشقين التشيكيين على الشيوعية من منفاه، إضافة الى عدم إبدائه الندم على كل هذا بعد ذلك». منذ سقوط الشيوعية زار الروائي بلده بشكل منتظم ولكن على نحو متخف. وفي اكتوبر من العام 2007 لم يأت لتسلم الجائزة الوطنية للأدب التشيكي التي منحت له خلال احتفال تميز بغياب رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الثقافة. وعندما غادر كونديرا وطنه، تخلى أيضاً عن لغته ليكتب بالفرنسية لغة بلاده بالتبني. يضاف إلى ذلك، أن كونديرا كلف الروائي غي سكاربيتا أن يعلن صراحة أنه «يعد نفسه كاتباً فرنسياً ويريد أن تدرس كتبه في سياق الأدب الفرنسي وأن تصنف على هذا الأساس في المكتبات». وإلى الساعة لم تترجم أحدث أعمال كونديرا الى التشيكية. ولم يستطع سوى القراء الفرنكوفونيين اكتشاف كتابه الأخير الذي يحمل عنوان «لقاء» حيث يصف نفسه وللمرة الأولى «شيوعياً ملتزماً». وهو تناول في الكتاب أيضا «اللغز الوجودي» للجلاد، متسائلاً عما إذا كان المرء يولد «وحشاً» أو أنه يتحول الى وحش عندما يقع في شرك التاريخ، فضلاً عن احتجاجه على «المدعين» الذين يقررون وضع «لوائح سوداء» أدبية.
المصدر: برنو