صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخرا بأن الاستيطان في القدس مثله مثل البناء في تل أبيب. بمعنى أنّه لا يرى فرقا في الوضع القانوني والسياسي للمدينتين.

مثل هذا التصريح يمكن أن نقرنه بالدعاوى المستمرة للقيادات الصهيونية بشأن الاستيطان عموماً، ومقولة أن "النمو الطبيعي" لسكان المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة يبرران استمرار الاستيطان وتوسعه.
وحقيقة الأمر أنّ المغالطات في هاتين المقولتين (تشبيه تل أبيب بالقدس، ومقولة النمو الطبيعي) لا تتعلقان بأنّهما مخالفتان للقانون الدولي والشرائع الدولية والإنسانية وحسب، بل والأهم أنّ الاستثمار في الاستيطان في الضفة الغربية، بما فيها القدس، يزيد كثيراً جداً عن باقي مدن فلسطين المحتلة عام 1948، بل وعلى حسابها، وأنّ النمو غير طبيعي.

فإذا أخذنا معدلات النمو للتعداد البشري في "إسرائيل" فإنها ومنذ العام 2002 على الأقل تقل عن 2 في المئة، وتتضمن هذه النسبة سكان المستوطنات والسكان العرب - الذين تنمو أعدادهم بمعدل نحو 3 في المئة. ولكن نمو عدد سكان المستوطنات يبلغ عادة ثلاثة أضعاف نسبة النمو العامة في "إسرائيل" أو أكثر.
فعلى سبيل المثال في العام 2002 كانت نسبة نمو السكان العامة في "إسرائيل" 1.9 في المئة بينما نما عدد سكان المستوطنات بنحو 5.7 في المئة، وبلغت نسبة نمو السكان في "إسرائيل" عموما في 2007 نحو 1.8في المئة، بينما نما عدد المستوطنين بنسبة 5.8 في المئة.

الثابت من الإحصاءات الإسرائيلية أنّ ما بين ثلث ونصف الزيادة في عدد السكان في المستوطنات على الأقل يأتي من انتقال يهود من داخل "إسرائيل" ومن دول حول العالم إلى المستوطنات، وليس من الزيادة الطبيعية عبر التوالد.

وحقيقة الأمر أنّ النمو السكاني اليهودي في القدس تحديداً أبعد ما يكون عن الطبيعية، فالمدينة بؤرة استقطاب وصراع لا بين العرب واليهود وحسب، بل وبين اليهود أنفسهم، فلقد غادر المدينة ما بين 1967 و2004 نحو 490 ألف ساكن، وغالبية هؤلاء، خصوصا في السنوات الأخيرة هم من اليهود العلمانيين الشباب، الذين لم يستطيعوا التأقلم مع نمط الحياة التي يصر المتدينون الأرثوذكس والصهاينة الإسرائيليون فرضه.
ويعوض السكان المتدينون هذه الهجرة العكسية، متمتعين بإعفاءات ضريبية وبتمويل حكومي تفتقر له المدن والقرى التي يسكنها اليهود ذاتهم داخل "إسرائيل"، ونسبة الولادات عند هؤلاء عالية جدا تقترب من نسب التوالد العربية، كما يتم زيادة عدد السكان اليهود بتركيز المهاجرين الجدد في المدينة.

والواقع أنّ مزاعم مسألة الإقبال على القدس يكذبها التاريخ أيضا، فمثلا في بدايات الهجرة اليهودية الصهيونية إلى فلسطين كان الإقبال على مدن أخرى سوى القدس أكبر، وفي ثلاثينيات القرن الماضي كان عدد سكان تل أبيب اليهود نحو 177 ألفا مقارنة بـ 82 ألفا في القدس.

وإذا ما قبلنا بمقولة النمو الطبيعي فإنه رغم كل سياسات التهويد والتمييز ضد العرب فإن نسبة النمو العربي أكبر بكثير من اليهودي في المدينة، فما بين 1967 و 2003 مثلاً، نمت نسبة السكان العرب بنحو 225 في المئة بينما النمو اليهودي كان 135في المئة.

من هنا فإنّ مقولات النمو الطبيعي وتشبيه القدس بتل أبيب زائفة، ويجدر بخطاب عربي فاعل دولياً فضح هاتين المقولتين، بل وربما تجيير مقولة النمو الطبيعي لصالح الفلسطينيين، بالتركيز على متطلبات نموهم.



د. أحمد جميل عزم - باحث في مناهج إدارة الصراع

aj.azem@gmail.com