محمد عبدالسميع (الشارقة)

تنتشر ثقافة الشعوذة والدجل في بعض المجتمعات العربية باعتبارها طريقة للتغلب على بعض مشكلات الحياة اليومية، والرغبة في معرفة ما يخبئ المستقبل في موضوعات كالعلاقات الزوجية والأسرية أو المرض والنجاح في الحياة العملية وربما الزواج واسترضاء الآخرين، ويمكن تفسير انتشار ثقافة السحر في المجتمعات بالدور الوظيفي الذي تؤديه في الثقافة السائدة، فالمشعوذون والدجالون والسحرة يبعثون في زبائنهم الثقة فيقنعونهم بتغيير الحظ.
هذا ما تعرضت له مسرحية «صينية الشقور» لفرقة مسرح بني ياس، التي عرضت ضمن عروض أيام الشارقة المسرحية، في قاعة جمعية المسرحيين، والمسرحية من تأليف حميد فارس، وإخراج علاء النعيمي، وتمثيل: حسن يوسف، سعيد الهرش، خميس اليماحي، منصور الغساني، حمدان الهنداسي، كادي القيسي.
والشقور صينية تقدم فيها العطور والدخون للمشاركة في حفلة «الزار» المقامة بهدف الحصول على البركة، والمسرحية حالة طقسية أو معالجة شعبية قدمت عدداً من النماذج والشخوص المعبرة عن جانب من المتناقضات المجتمعية، بهدف تعرية الفساد من خلال الخرافة. وذلك من خلال توظيف مظاهر طقوس «الزار» لعرض نماذج حياتية كالفساد واستغلال المناصب والرشوة، والطلاق، مؤكدة أن أتباع صينية الشقور موجودون في عالمنا وواقعنا الاجتماعي، وأن الخطورة تكمن في السحر إذا أصبح جزءاً من الثقافة الشعبية، حيث يلجأ الناس على اختلاف ثقافاتهم إلى المشعوذين والدجالين لتغيير حالة معينة يعانيها الشخص أو حالة شخص آخر سواء كان ذا علاقة معه أو يهمه أمره، وهناك من يعتبر السحر والشعوذة من مصادر المعرفة، خصوصاً الذين يبحثون عن السحر لحل مشكلاتهم المرتبطة بعلاقاتهم الاجتماعية والأخلاقية مع الأفراد الآخرين، سواء كان ذلك داخل الأسرة أو المجتمع المحلي أو أماكن العمل.
حضرت جميع عناصر العرض المسرحي من نص مكتوب، ورؤية إخراجية متسقة، وعناصر السنوغرافيا والإضاءة، والتمثيل، وكانت اللوحات الغنائية أحد أهم العناصر الجمالية في العرض، وذلك من خلال الموسيقى الشعبية والطبول المصاحبة والغناء المأخوذ من تراث احتفالات «الزار» كلها دمجت بين الدجل وحياتنا.
وهو ما جعل المتلقي يلتحم وجدانيا مع الفعل المسرحي وسياق الحكاية، أيضاً بساطة الديكور وانتقال العرض إلى خارج الفضاء الحقيقي للمسرح، وتوظيف صينية العطور والبخور في أجواء الحكاية، وتوزيع الممثلين بين الجمهور، والاختيار الموفق للمكان، كلها عناصر ساهمت في إدخال الجمهور في أجواء المحتوى الدرامي.
وعلى الرغم من سعي المخرج لجرِّنا إلى محتوى يتعلق بدور الدجال «بوجليل» ومساعده «سامي»، في كشف الفساد من خلال الحصول على اعترافات ما قام به «عامر» الذي استخدم التكنولوجيا في عمليات النصب، و«أبو هلال» الذي استخدم واستغل منصبه كمدير في تكوين ثروة وظلم الموظفين والناس، أو من خلال شخصية الزبال «سالم» المقهور المسلوب من حقوقه الوظيفية، وشخصية الإعلامية «نورة» التي تعاني من تصدع علاقتها الأسرية. إلا أن خصوصية طقوس الزار كان لها دور في جذب الحضور ومعايشة الحكاية والتواصل معها.
وأشار المخرج الإماراتي علاء النعيمي إلى أن «صينية الشقور» عمل محلي حديث لأيام الشارقة المسرحية، وأن الأعمال المعروضة في الأيام تكون دائماً تراثية (تهتم بالغوص والصيد) أو فصحى، حتى تتمكن من الدخول في مسابقة المهرجان، مضيفاً أنه تواصل مع المؤلف حميد فارس، لعرض فكرة جديدة تمكنهم من المشاركة بشكل مختلف وجديد، فوجدنا «صينية الشقور» واشتغلنا عليها.
وأضاف النعيمي: فكرة العمل هّم موجود في حياتنا رغم وجود مثقفين ومتعلمين، وهي تتعلق بالدجل والشعوذة التي يمارسها بعض الأشخاص لنهب أموال الآخرين أو تجنيدهم لأهداف أخرى.