عبدالله عامر، أحمد القاضي (أبوظبي، القاهرة)
كانت رفيق الرحلة، وربما تعلمت صبرها من الأيام، التي تقاسمت فيها العناء مع البشر لتبقى الصديق الوفي في الصحراء الشاسعة..
الهجن أو الجمال أو المطايا، بالنسبة لأهل الإمارات سفينة بلا شراع، قطعت أمواجاً من الرمال لتبقى المثال الحقيقي للوفاء.
والجمل حكاية إماراتية بدأت قبل قرون، ويعود الارتباط بينه وبين ابن البادية إلى الحقبة الزمنية التي كان يمثل فيها هذا الكائن أحد أهم طرق التنقل، ولربما كان الجمل ذو السنام الواحد الأكثر انتشاراً في محيط الدولة، وهو ما يعرف بالجمل المحلي وله العديد من السلالات المختلفة والمتنوعة، وقديماً استخدم ابن البادية الجمل في التجارة والتنقلات لقدرته على التحمل وحمل المواد المتنوعة في التجارة بين مختلف البلدان، كما كانت الإبل مصدراً للحوم والجلود، إضافة إلى أن حليبها كان يمثل غذاءً ودواءً في آن واحد.
وللإبل شأن كبير عند ملاكها، ومن شدة تعلق ابن البادية بها كتب فيها أبيات القصيد، وكانت تلك إحدى صور العلاقة الوطيدة بين المطية وصاحبها، كما كانت سباقات الإبل تقام أثناء الأعراس والأعياد.
وبنظرة ثاقبة من القيادة الحكيمة، وصلت الهجن إلى ما نراه اليوم، حيث تقام لها السباقات والمهرجانات الخاصة، وتخصص لها الجوائز،
حتى باتت منافساتها من أهم الرياضات التراثية. ومع ارتباطها الكبير بابن البادية، صارت للهجن عناية خاصة ومتميزة سواء كانت من إبل السباقات أو الإبل الخاصة بالتوليد، فهي تلقى عناية دائمة ساهمت في زيادة الثروة الحيوانية بشكل كبير مع ازدياد واضح في شريحة ملاكها، كما يوجد في الإمارات مستشفى خاص للعناية بالإبل.
ويحظى الجمل بمكانة كبيرة في التاريخ الشعبي الإماراتي، وفي الثقافة الشعبية، ويحمل دلالات خاصة، ويساهم في تكوين هوية وشخصيات الشعوب، ولهذا يربط علماء الإنسان بين صفات كل مجتمع والحيوان المستأنس في محيطه، إذا يكتسبان الصفات والطباع نفسها.
الدكتور السيد الأسود، الباحث في التراث الإماراتي يعتبر أن الجمل من أكثر الكائنات التي تحمل مدلولات رمزية في المجتمعات العربية عامة وفي الإمارات خاصة، وذلك لارتباطه بالبيئة الصحراوية، وتأثيره من الناحية الحسية والمعنوية، وما بينهما استخدامات أخرى تتعلق بالتقنية والصناعات المحلية.
رقبة بعير
رقبة الجمل مثال للتفاخر، فعندما يقول الرجل «يا ليت رقبتي رقبة بعير»، فهو يتمنى أن تطول رقبته بين الرجال لتصبح كرقبة الجمل التي تشير إلى العزة والكرامة، ودائماً كان الجمل رمزاً لقوة التحمل المصحوب بالهدوء، والوقار، وضبط النفس، فالشخص الذي يتحمل الصعاب ويواجه الأزمات الكبرى مثل الكوارث والأمراض، يوصف بأنه «جمل»، وهذا ما جاء في المثل الشعبي «اصبر يا جمل لحين يأتيك الربيع».
جمل كل ديرة
تحمل الأمثلة الشعبية دليلاً قوياً على استحواذ الجمل على الشخصية الإماراتية، وأوضحت الكثير من الأمثال كيف استخدم المواطن الإماراتي الجمل في وصف كل شيء يدعو للتفاخر في المجتمع، فعندما يصفون شخصاً يتميز بالهمة والنشاط، وتظهر عليه علامات الجد وخدمة الآخرين، فهو «جمل كل ديرة».