دينا محمود (لندن)

أكد محللون غربيون أن تركيا لا تزال تحاول إنشاء جيب للإرهابيين في محافظة إدلب السورية، على الرغم من تسارع وتيرة الانتكاسات الميدانية، التي تواجهها قواتها والمسلحون الموالون لها، على يد القوات الحكومية في هذه المنطقة، منذ نهاية العام الماضي. وقال المحللون إن أقوى الجماعات المتطرفة، التي ستستفيد من الجهود التركية المستميتة في هذا الصدد، تتمثل في تنظيم «هيئة تحرير الشام»، الذي تشكل قبل أكثر من ثلاث سنوات، عبر اندماج جبهة فتح الشام - التي كانت تُعرف في السابق بـ«جبهة النصرة»، مع مجموعات متشددة أخرى، مثل جبهة «أنصار الدين» وحركة «نور الدين زنكي» و«لواء الحق». وأبرز هؤلاء المحللون ارتباط التنظيمات المدعومة من نظام رجب طيب أردوغان في الشمال السوري، بتنظيم «القاعدة» الإرهابي، مشيرين في هذا السياق إلى أن «هيئة تحرير الشام» تخضع - على سبيل المثال - لقيادة مسلحين بايعوا ذلك التنظيم الارهابي قبل عامين فحسب، وهو ما حدا بالأمم المتحدة إلى وصفها بـ«الجماعة الإرهابية».
لكن مساعي نظام أردوغان لإنشاء هذا «الجيب الإرهابي»، تواجه الآن تحديات لا يُستهان بها، بحسب تقرير نشرته مجلة «فرونت لاين»، وقال فيه المحلل جون شيريان، إن غالبية مواقع الجيش التركي في إدلب، والتي تزعم أنقرة أنها ليست سوى «نقاط مراقبة»، باتت الآن محاصرة بالقوات السورية. وقد أُحْكِمَ هذا الحصار خلال الأسابيع القليلة الماضية، في ظل تصعيد الجيش الحكومي عملياته ضد الوجود العسكري لتركيا في إدلب، المعقل الوحيد المتبقي في الداخل السوري، للمعارضة المناوئة لحكومة الرئيس بشار الأسد.
وأشار شيريان إلى «عاصفة الغضب» التي يواجهها أردوغان ونظامه حاليا على الساحة الداخلية التركية، جراء الخسائر الكبيرة التي تتكبدها قواته في مواجهاتها المستمرة على الجانب السوري من الحدود، والتي بلغت خسارة قرابة 60 جنديا قتيلا في قصف جوي ومدفعي شنته القوات الحكومية، في أواخر فبراير الماضي.
وأبرز المحلل المتخصص في الشؤون السياسية الدولية، محاولات النظام التركي تحميل مسؤولية هذا الهجوم في البداية، للقوات الروسية الداعمة لحكومة دمشق، قبل أن تنفي موسكو ذلك بشدة، وتؤكد في الوقت نفسه أن استهداف القوات التركية، جاء خلال تقديمها المساندة الميدانية للمجموعات الإرهابية في إدلب. وبحسب تقرير «فرونت لاين»، سعت السلطات التركية في الفترة التالية لهجوم إدلب الكارثي، لامتصاص الاستياء المتزايد من جانب الرأي العام، عبر الترويج لعمليات انتقامية، تقول إنها قتلت فيها أكثر من «ألفي جندي سوري ودمرت عددا من الدبابات وأسقطت مقاتلتين وثماني مروحيات على الأقل». غير أن شيريان شدد على أن هذه الأرقام هي لـ«الاستهلاك المحلي» ليس إلا، واستهدف التركيز عليها من جانب وسائل الإعلام التركية الحكومية كذلك، إخفاء «التنازلات الكبيرة» التي اضطر أردوغان لتقديمها في الاجتماع الأخير الذي عقده مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، لنزع فتيل مواجهة مباشرة كادت أن تقع بين البلدين في شمال غربي سوريا.
وعزا المحلل هذه التنازلات إلى العزلة الدبلوماسية الخانقة، التي يعاني منها النظام التركي في الفترة الحالية، بعدما فشلت محاولاته لابتزاز الاتحاد الأوروبي بورقة اللاجئين، وأخفق في دفع حلف (الناتو) لدعم موقفه المتدهور في سوريا، وواجه رفضا من جانب واشنطن لإعادة ضخ الدماء في شرايين العلاقات بين الجانبين، قبل أن تضع أنقرة حداً لروابطها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع موسكو.