عندما يكتب توفيق الحكيم بطريقة «الفيس بوك»
محمد رياض وحنان مطاوع في مسرحية «السلطان الحائر» (تصوير سعيد عبدالحميد) السيف أم القانون؟ الحق أم القوة؟ سؤال ظل يطارد توفيق الحكيم لفترة طويلة من الزمن وهو السؤال الذي ترجمه الى مسرحيته المهمة «السلطان الحائر» التي قرر المسرح المصري الحديث إعادة تقديمها على مسرح ميامي بالقاهرة. وكان العرض قد أخذ مكانه في المسرح القومي المصري بداية ستينيات القرن الماضي من بطولة سميحة أيوب ومحمد الدفراوي وفاخر فاخر بينما يقوم ببطولة العرض الحالي محمد رياض وحنان مطاوع ومفيد عاشور ومحمد عبدالغفار.
المسرحية التي كتبها توفيق الحكيم تدور حول سلطان من المماليك يكتشف أن الملك السابق لم يعتقه وبالتالي لا يجوز حكم العبد لشعب من الأحرار فيجد نفسه أمام خيارين هما قتل من يردد هذه الحقيقة أو الاستسلام للقانون. والوزير يقول: السيف. والقاضي يقول: القانون والسلطان الشاب يقرر ترك السيف وإعلاء كلمة القانون فيتم بيعه في المزاد ويهرب التجار البخلاء من شرائه بعد أن يعرفوا انهم سيوقعون صك عتقه مع صك الشراء وترسل غانية الحي وكيلاً لها يشتري السلطان وتشترط أن يبقى في بيتها حتى أذان الفجر لتعطيه حريته ويوافق السلطان وهناك يعلم أنها ليست امرأة سيئة السمعة كما يرى الجميع وتنتهي الأحداث بما يؤكد أن الحق يبقى دائما أقوى من أي سلطان.
ربكة زمنية
لم يكن توفيق الحكيم يعرف شيئاً عن «الفيس بوك» عند كتابة مسرحيته «السلطان الحائر» وبطبيعة الحال لم يكن الهاتف الجوال قد ظهر ولكن صناع العرض المسرحي الجديد لم يكونوا مستعدين لأن يقدموا العرض كما سبق تقديمه في الستينيات. وكانت هذه بداية التساؤلات التي طرحها المتفرج المهتم بالمسرح: هل يرى السلطان الحائر كما رآه في الستينيات؟ وهو جمهور لا يزال بعضه حريصاً على الذهاب للمسرح خصوصاً لعرض لتوفيق الحكيم على الأقل من باب المقارنة فالنص مكتوب وعرض منذ نصف قرن. في البداية قرر المخرج عاصم نجاتي أن يعيد القصة لأصلها فرأى تقديم مشاهد سينمائية تجمع حنان مطاوع ومحمد رياض في شخصيتي «شهرزاد وشهريار» لتدخل بالحكاية الى المسرحية وهو ما تسبب في ترهل المسرحية باضافة غير ضرورية. فبينما كان استخدام السينما تنويعاً في العرض فإن مشاهد «الف ليلة وليلة» كانت اضافة غير ضرورية كما أن الجيل الجديد الذي يحاول المخرج مخاطبته لم يعد يجذبه الثنائي «شهرزاد وشهريار». كما فتح المخرج بابا لا يمكن إغلاقه للخروج على النص حيث رأى ضرورة إضحاك الناس بطريقة عصرية على طريقة أن يدخل المؤذن المسرح على دراجة وأن يتحدث الوزير بلغة الانترنت والفيس بوك أو يتحدث قاضي القضاة بطريقة عامية مخاطبا الغانية «ايه يا ماما» أو أن يتحدث بائع الأحذية عن الشفافية والديمقراطية أو السلطان عن تغيير الدستور. والمنطق الذي اعتمد عليه المخرج أنه لا يمكن تقديم مسرحية كما هي بعد 50 عاما من كتابتها. كما يؤكد أن مسرح الكلمة لم يعد له وجود وأنه لن يكابر ليظل متمسكاً بالكلمة على حساب الصورة التي أصبحت اللغة الأولى للمسرح والخلاف لم يكن على استخدام الصورة لكنه حول تغييب النص وهدفه الرئيسي بكوميديا مرتجلة ليست في محلها بينما كان قادراً على توليد كوميديا من النص نفسه تعتمد على التناقض في حالة السلطان الذي يكتشف انه مملوك لا يملك حريته كما يجد نفسه يباع في المزاد وتصمم المشترية وهي امرأة يراها الناس سيئة السمعة على أن يبيت ليلته عندها قبل أن تعتقه ليعود ملكاً بعد أن يجرب الرق ليلة واحدة. كل هذه التناقضات كانت كافية لتفجير كوميديا من نسيج العمل باجتهاد بسيط بعيدا عن الكوميديا المرتجلة التي يمكن مع أيام العرض أن تحوله الى عرض آخر ليس له من الحكيم الا اسمه. وجاء ظهور ممثل بملابس عصرية خروجاً ذكياً حيث ظهر الممثل بملابس غربية ليشارك في المزاد وبينما الجو الذي يحيط به تاريخي يخرج الموبايل ليتلقى مكالمة تخبره بصفقة لتوريد سلاطين لبلادهم فيترك المزاد مع وعد للسلطان بالعودة من جديد.
الممثلان المنقذان
محمد رياض ممثل مسرح متميز استطاع أن يقدم الدور كما ينبغي مع سقطات بسيطة بسبب محاولة الإضحاك التي رأى المخرج انها وسيلة جذب لمسرحية الحكيم واهتم رياض بملابسه ويبدو أن تأثره بالأدوار التاريخية انعكس على ذوقه في الملابس التي كانت لائقة بسلطان في العصر المملوكي، كما كان لتمكن رياض من الفصحى ميزة جعلته يعطي التمثيل وتنويع الأداء والصراع النفسي حقه وهو ما كان يمكن ان يواجهه بصعوبة اذا ما كانت لديه مشكلة مع الفصحى. وتميزت حنان مطاوع بقدرتها على الأداء بالفصحى كما كانت الأكثر قرباً من الشخصية التي رسمها توفيق الحكيم واستطاعت ان تؤدي الدور بأسلوب يجمع بين الدلال الأنثوي والمكر والجدية حيث يكشف الحوار عن أنها مظلومة وأن حبها للغناء والشعر هو الذي جعلها متهمة في شرفها حيث تعقد جلسات الموسيقى والغناء في دارها حباً للفن وتضع كما جاء على لسان السلطان لافتة لبضاعة لا تبيعها فالكل يراها سيئة السمعة ومن كثرة تردد الاتهام لم يعد يؤلمها بل تعايشت معه لتترك من يدعي عليها في خيالاته لتعيش هي كما يحلو لها حتى لو كان الثمن سمعتها. ولم تتورط حنان في الابتذال حتى على مستوى الملابس وقررت أن توحي بالإغراء دون ان يكون ذلك بالتعري. وجاء الممثل مفيد عاشور في دور قاضي القضاة وهو ممثل مسرح متمرس استطاع ان يقوم بالدور في أيام قليلة بعد سلسلة من الاعتذارات ليؤدي بتمكن شديد لكنه قرر قرب نهاية العرض أن يشارك في حفل الافيهات المعاصرة وان كان منتبها الى أن الخروج لابد ان يكون محدودا حرصا على المعنى الذي يمثله حيث يتمسك قاضي القضاة بالقانون حتى لو كلفه عنقه. وان كان توفيق الحكيم نفسه قد أوقعه في تناقض فبينما يتمسك بالقانون ويرفض أن يدعي وجود وثيقة بعتق السلطان ويقرر ضرورة بيعه يعود نفس القاضي ليتحايل على القانون فيأمر المؤذن بالأذان للفجر في منتصف الليل لينهي مأزق السلطان الذي دخل بيت الغانية تنفيذا لشرطها بالبقاء معها حتى أذان الفجر. وكان محمد عبدالغفار في دور الوزير الأكثر خروجا على النص وهو خروج يفترض أنه تم بموافقة المخرج حيث إنه كممثل يميل للكوميديا فقرر ان يستغل قدراته على الاضحاك في الشخصية من خلال الحديث عن أمور عصرية ليست لها علاقة بزمن المسرحية وهي محاولات لم يحالفها الحظ دائما حيث لم تثر هذه الافيهات ضحكات الجمهور بالشكل الذي يحلم به فنان كوميدي ومع ذلك بقى محمد عبدالغفار الأنسب لشخصية الوزير في ظل رؤية تميل للسخرية والإضحاك. محمد رياض بعد ليلة عرض تحدث عن حلمه بتقديم شخصية «السلطان الحائر» مؤكداً أنه اقتنع بوجهة نظر المخرج بتحديث النص لقناعته بأن أعمال توفيق الحكيم تنتمي للمسرح الذهني لذلك لابد من التعامل معها بطريقة تؤمن وصولها للمتلقي العادي. وقال: كان أمامنا خياران أن نقدم العمل لمستوى ثقافي معين بالطريقة الكلاسيكية أو أن نجعله مهضوما عند البسطاء واخترنا الخيار الثاني رغم أنه الأصعب فلم يكن تقديم العمل كما عرض في الستينات صعباً علينا ولكننا كنا نسعى لزيادة رقعة مشاهديه. حنان مطاوع أكدت أنها كانت مرعوبة من التجربة خاصة وانها تقوم بنفس الدور الذي قامت به سميحة أيوب مؤكدة أن الدور استفزها فيفترض أنها غانية صنعتها الاغراء الا أنها على الجانب الآخر امرأة مؤمنة بقيمة الحق والحرية كما انها تعبر عن الظلم الذي تتعرض له المرأة لمجرد الشبهة كما تكشف عن الزيف في المجتمع حين يهاجمها الناس بينما يسهرون عندها. وتضيف: انا سعيدة بتجربتي المسرحية الثالثة بعد «الطعام لكل فم» و»يوم من هذا الزمان» وكانت مصادفة سعيدة أن تكون المسرحيات التي قدمتها لكتاب كبار بحجم توفيق الحكيم وسعد الله ونوس. حنان التي درست الأدب الانجليزي أظهرت تفوقاً في التمثيل بالفصحى. وقالت أعشق الفصحى وفي نفس الوقت ليس لدي مانع من الأداء بالعامية لكني فضلت تقديم «السلطان الحائر» بالفصحى وتحمست للرسالة التي تحملها المسرحية وهي ان القانون أقوى من الحاكم وان الحق يبقى أمضى وأقوى من السيف. وجاءت الأشعار لمصطفى سليم متفاوتة المستوى بعضها عبر عن الحالة بقوة بينما لم ترق للمعاني التي يريدها المخرج في بعض المشاهد. وجاء الديكور للدكتور محمود سامي موحيا بينما لم يوفق في ملابس راقصي الاستعراضات التي يفترض أن تكون أكثر ابهارا وتميز في تصميم ملابس محمد رياض وحنان مطاوع. ورغم شهرته ونجاحاته الكبيرة جاءت الاستعراضات أقل من اسم د.عاطف عوض ربما رغبة من الإدارة في ترشيد النفقات.
يعرضون قصصاً لجبران وتوين وإيرفينج في القدس
الأميركيون.. «حكواتيون» في «الحكواتي» سما حسن
بدأت القنصلية الأميركية في القدس بتقديم عروضها الجديدة والتي عمل على إنتاجها المسرح الوطني الفلسطيني، والمبنية على قصص كلاسيكية قصيرة لمؤلفين أميركيين هم جبران خليل جبران، مارك توين وواشنطن إيرفينج.
يهدف هذا المشروع التعاوني المشترك بين القنصلية الأميركية العامة في القدس والمسرح الوطني الفلسطيني إلى دعم الحياة الثقافية الفلسطينية عن طريق تعريف الجماهير الفلسطينية على مؤلفين أميركيين محبوبين، وذلك من خلال «الحكواتي» الذي يعتبر شكلاً من أشكال الفن التقليدي. شارك العاملون في المسرح الوطني الفلسطيني برؤيتهم الفنية وعملهم الدؤوب لإعادة إحياء هذه القصص الأميركية ولجلبها على خشبة المسرح الفلسطيني تحت عنوان «حكواتي في الحكواتي». والقصص من إعداد وإخراج: كامل الباشا، وتمثيل: ماجد الماني، رجائي صندوقه وشادن سليم، وترجمة: سهى طزمي وسحر سموم. وقال المخرج كامل الباشا: «لطالما سحرتني شخصية الحكواتي التراثية بغناها وقوة تأثيرها، ولطالما حلمت ولا أزال بأن أكون حكواتياً يتجول بين المقاهي حاملا بين دفتي كتابه قصصاً تسحر الألباب. ورغم أن حلمي لم يتحقق كاملاً حتى هذه اللحظة، إلا أنني وجدت في هذا البرنامج خطوة أولى على الطريق، أرجو أن تنال إعجابكم وأن تكون بداية لمشروع أرجو له الاستمرار». وأوضح الباشا أن العروض سوف تجوب مدناً مختلفة في الضفة الغربية المحتلة مثل القدس وأريحا ونابلس، وأنها سوف تستمر طالما كان هناك إقبال من المشاهدين. وتحدث ماجد الماني عن أحلامه وتطلعاته في هذا العمل: «هل هي عود على بدء، أم إزالة الركام عن الزمن الجميل الذي ابتدأت الانخراط فيه بالعمل المسرحي مع الرفاق في فرقة «بلالين» في نهاية الستينات من القرن الماضي؟ وقتها كانت اللغة السائدة هي لغة الفرسان وأخلاقهم: «الواحد للكل والكل للواحد»، والتي تجسدت في مسرحيات «قطعة حياة» و»العتمة» وغيرها. ثم انتهى بي المطاف الى التوقف عن العطاء في نهاية 1975 دون أن أفقد الحس والمتابعة والاهتمام لأغلب الأعمال المسرحية والفنية التي عرضت محليا وعربيا وعالميا، كلما كان ذلك ممكنا، الى ان شدني هذا العشق للفن لأقع في شراك هذا العمل الذي أقدمه الآن». ومن الممثلين المشاركين رجائي صندوقة الذي بدأ عمله كممثل منذ سنوات السبعينات مع فرقة الأمل المسرحية، ومثل خلال سنوات عمله الطويلة في العديد من المسرحيات والأفلام والبرامج التلفزيونية، واشتهر اسمه من خلال دور كريم في برنامج الأطفال التلفزيوني الشهير شارع سمسم. والفنانة المقدسية شادن سليم التي بدأت العمل مع المسرح الوطني الفلسطيني بمسرحيات الأطفال، وأحبت المسرح رغم بعده عن تخصصها الأكاديمي وقدمت خلال سنواتها القليلة أدواراً متميزة في الساحة المسرحية.