قراءة: إبراهيم الملا

ضمن سلسلة حقوقي وواجباتي، الصادرة عن المجلس الأعلى للطفولة والأمومة، تحتفي «مسرحية عن حقوق الطفل» للشيخة سلامة بنت هزاع آل نهيان، بعالم الطفولة من جانبه المنذور للأسئلة، تلك الأسئلة المتناغمة مع البراءة والبحث والفضول، وهي تسلك في ذلك أسلوب الكتابة الجامعة بين البساطة في الشكل والعمق في المحتوى، استناداً لوعي الكاتبة تجاه التحولات، التي يفرضها التفاوت الزمني، وتجاه التبدلات التي تصنعها الفوارق المعرفية والسلوكية بين الأجيال.
يعتمد نص الشيخة سلامة بنت هزاع آل نهيان في بناء الشخصيات وصناعة الحبكة، وصولاً إلى الخاتمة، على عنصر مهم، وهو تداخل القصة القائمة على الوصف والروي، مع البنية المسرحية القائمة على الحوارات المكثفة والتصوير المشهدي للمكان وللشخصيات المحركة للأحداث، مرفقة برسوم أولجا بيرني للشخصيات.
وتشرع الكاتبة في بداية نصها المسرحي بطرح سؤال إشكالي على لسان الفتاة مزنة، وهي تسأل والديها: «ما سر التغيير في تربية الأطفال مع تبدل الزمن»؟
هذا السؤال بدوره أتى بعد استشهادها بعبارة تنسب للإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، يقول فيها: «لا تربوا أبناءكم كما رباكم آباؤكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم».
هذه الحيرة في تأويل وقراءة العبارة سوف تكون عصب ومنطلق الحكاية، التي تقوم عليها المسرحية، وستتحول تدريجياً في تصورات الكتابة اللاحقة إلى جملة من المشاهد المتخيلة المتحولة بهدوء إلى مجاراة لشخصية مزنة في بحثها المتواصل عن إجابات مريحة وشافية لها.

استمعوا لأطفالكم
يصور المشهد الأول للمسرحية البيئة الأسرية، التي تعيشها مزنة وسط والديها اللذين يتفهمان مغزى السؤال ودوافعه، وتكون إجابة الأب مؤكدة لوجود هذه الفوارق بين الأجيال، بينما تسترسل الأم في الإجابة وتضيف إليها من أجل الربط والموازنة بين هذه الفوارق، باعتبار أن تغير المفاهيم والسلوكيات بين جيل الآباء وجيل الأبناء هو تغير حتمي، يفرضه تطور الأدوات والظواهر المحركة لحياتنا، وذلك من الناحية الشكلية فقط، فلا شيء يبقى على حاله، ولكن وسط هذه التغير المحتدم والمتلاحق – كما تشير الأم – فإن القيم والأخلاق تبقى هي البوصلة المحركة لطريقة تعاطينا مع هذا التطور وكيفية استثماره بالشكل الأفضل لكل المستفيدين منه سواء كانوا كباراً أو صغاراً. ويركز الأب على التطور التكنولوجي، الذي يعايشه جيل الأطفال والشباب اليوم من خلال الألعاب الإلكترونية، ويقارنه بالألعاب، التي مارسها في طفولته، مشيراً إلى أن الهدف واحد هو المتعة وتزجية الوقت، بينما ينشأ الاختلاف من تغير الأساليب والوسائل والأنماط الترفيهية التي تقوم عليها هذه الألعاب الحديثة. من جانبها، تعقب الأم على سؤال مزنة بسؤال آخر يدخل في سياق «الإجابة المضمرة»، حيث تسألها: «هل تعرفين يا مزنة ما هو الأمر الذي ينبغي ألا يتغير مع الزمن؟».
وعندما تهز مزنة رأسها نافية، تستمع لإجابة والدتها التي تقول: «إنها القيم يا مزنة، فمهما تغير العالم يجب علينا دائماً المحافظة على قيمنا، وللأهل دور عظيم في تعليم أولادهم القيم الحميدة لأنها تجعل من عالمنا مكاناً أفضل».

مزج بصري
في الكتلة الثانية من زمن المسرحية القائمة على تقنية (المزج البصري بين الأمكنة والأزمنة)، نرى هذه النقلة الحسية والمشهدية من بيئة العائلة إلى البيئة المدرسية، حيث تستعد مزنة للمشاركة في مسرحية تعرض على طلاب المدرسة بحضور أولياء أمورهم، حيث تركز المسرحية على الإشكالية ذاتها، المتعلقة بحقوق الطفل، في زمن خاص، وفي مكان بعينه.
وتضم المسرحية أربع شخصيات، هي الأم وأبناؤها الثلاثة، وفيما يشبه الاستدعاء المشهدي للحكاية الأولى في النص، نرى مزنة، وهي تقوم بدور الأم متأثرة في ذلك بشخصية أمها القوية والمتمكنة والواعية بمجريات الحياة وبمتطلبات الأسرة، بينما نرى الطفل ناصر وهو يشاكس والدته ويعاندها، رافضاً الاستجابة لها كي يقلل من وقت اللعب بجهازه الإلكتروني والتفرغ للدراسة والنوم المريح بعد ذلك، ولكن إصرار ناصر على إهدار وقته مع هذه اللعبة يؤدي إلى رسوبه في امتحان المادة المقررة لليوم التالي، مما يحرمه من قضاء إجازة نهاية الأسبوع مع أقرانه.
وفي تكنيك آخر تعتمده الشيخة سلامة في المسرحية وهو تكنيك «الفلاش باك» أو العودة إلى الزمن الاستهلالي، نرى مزنة وهي تقرأ خطاباً أعدته ليكون خاتمة مثالية للمسرحية، حيث يقوم خطابها على الاستدعاء الذهني للأحداث، التي مرت بها، والدروس، التي استوعبتها خلال حواراتها ونقاشاتها مع والدها ووالدتها في المنزل حول قيمة الوقت بالنسبة للطفل، وضرورة خلق التوازن بين الاستهلاك والإنتاج، بحيث لا يطغى الحس الاستهلاكي للطفل على واجباته تجاه أسرته والتزاماته الدراسية، وفيما يشبه الشكل الدائري للحكاية الأصلية لنص المسرحية والتركيز على البؤرة المحركة لأحداثها، تستهل مزنة خطابها بالإشارة مجدداً لعبارة الإمام علي بن أبي طالب: «لا تربوا أبناءكم كما رباكم آباؤكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم».
ثم تشير إلى أن والدها علّمها ضرورة تربية الأبناء على أسلوب اليوم وليس أسلوب الأمس، لنمكنهم من مواكبة عالمنا المتغير، مضيفة في خطابها أن العالم يتغير بسرعة فائقة بفضل التكنولوجيا، مؤكدة أن من حق الأطفال التمتع باللعب والاستمتاع بالوقت، ولكن إساءة استخدام هذا الحق تؤدي إلى الفشل والانتكاس والتراجع على المستويين الأسري والتعليمي.
وتضيف مزنة في خطابها الختامي بالمسرحية أن والدتها علمتها ضرورة وضع حد لكل شيء من أجل المحافظة على قيمة هذا الشيء، كما علمتها والدتها ضرورة المحافظة على القيم مهما تغير الوقت أو العالم، وضرورة تعليم أولادنا قيمنا النبيلة، لأن طفالنا – كما تؤكد في خطابها - هم المستقبل، وإن تسلحوا بالقيم الفضيلة سيغدو العالم أكثر جمالاً وسلاماً، ومكاناً أفضل للأجيال المقبلة.

مقولات حكيمة
يمكن أن نصف مسرحية عن حقوق الطفل للشيخة سلامة بنت هزاع آل نهيان بأنها مسرحية تستلهم المقولات التراثية الحكيمة لتعزز وعينا بالحاضر، وهي مسرحية تستثمر مناخات الطفولة وأسئلتها المتحركة على ضفتي الدهشة والفضول، كي تبعث برسائل واعية تجاه الواقع، مستخدمة في ذلك آليات كتابة متنوعة تجمع بين المتخيّل والواقعي من خلال الحوار المكثف، والمشهدية الملموسة، والانتباه الدقيق لمسار الزمن، وما يحتويه هذا المسار من تغيرات تحتاج إلى التأمل والرصد والمعاينة، لخلق عالم أكثر إشراقاً وبهجة للأطفال، ومن دون التخلي أيضاً عن القيم الأصيلة والأخلاقيات العالية، التي تجعل من هذه البهجة إيجابية على الدوام، وصانعة لغد أفضل وأجمل وأكثر إنتاجية ومتعة للجميع.
كما يقدم العمل الحكمة في ثوب فني جمالي، في سعيٍ حثيثٍ لإبراز أهمية الأسرة في تربية الطفل، وأهمية الاستماع لأسئلة الطفل والإجابة عليها.

علي بن تميم: تمتاز ببساطة اللغة
في حسابه على موقع «تويتر»، يقول سعادة الدكتور علي بن تميم، مدير عام «أبوظبي للإعلام»:
تمتاز حكاية «مسرحية» للشيخة سلامة بنت هزاع، ببساطة اللغة، التي تقتبس من مقولات التراث، فتحلل بعمق وشفافية وجمال موضوعاً مهماً من عالم الطفل، وعلاقته بالتغير الإيجابي، ذلك الثابت الوحيد في الحياة، الكتاب يقول إن علينا أن نجعل هذا التغير يقودنا للأفضل دائماً.