فض المنازعات التجارية والبيئة التنافسية
كلما زادت وتعقدت درجة النشاط الاقتصادي زادت وكثرت معها المنازعات التجارية وتعددت الأطراف المتنازعة، فمن طبيعة أي نشاط اقتصادي أنه ينطوي على مشاركة وتعاقد أطراف عديدة مشاركة فيه مما يعني أنه عرضة لحدوث اختلافات ونزاعات فيما بين تلك الأطراف يتعين حلها من أجل ضمان سير العملية الاقتصادية بدون عقبات تعيقها·
انطلاقا من ذلك، أصبح فض المنازعات التجارية بطريقة منصفة وعادلة تضمن حقوق الأطراف المتنازعة وتمنع تجاوز بعضها على الآخر أحد أهم المسؤوليات التي تواجه الحكومات في الوقت الحاضر·
ذلك حتم ظهور وتأسيس هيئات مختلفة ومتنوعة على الصعيدين الدولي والوطني تتخذ من النظر في المنازعات والخلافات التجارية وحلها بطرق سليمة تضمن حقوق الأطراف المتنازعة مهمة لها·
ونظرا لأهمية المنازعات التجارية في العملية الاقتصادية وخطورتها في نفس الوقت فقد أصبحت القدرة على فضها ووضع الحلول السريعة لها على أسس سليمة من أهم معايير قياس البيئة التنافسية للاقتصاد ومواءمتها لانتعاش وازدهار الأعمال·
ولا تعني تلك القدرة فقط ضمان حقوق الأطراف المتنازعة وإنصافها، بل تعني أيضا استمرارية وانسيابية النشاط الاقتصادي والاستثماري بدون عقبات·
فغالبا ما ينظر المستثمر، محليا كان أم أجنبيا وحتى قبل دراسته لجدوى أو ربحية أي مشروع استثماري يعتزم الإقدام عليه، إلى القواعد والاحكام التي يجري في ظلها ترتيب وإدارة النشاط الاقتصادي وإلى سرعة تطبيق تلك القواعد والأحكام وما إذا كان هذا التطبيق عائقا أمام النشاط لما ينطوي عليه من بطء وممارسات روتينية ثقيلة أم أنه يجري بطرق سريعة وسلسة وكفؤة تجعل من حل أي نزاع محتمل قضية عادية لا تختلف في جوهرها عن القضايا العملية اليومية التي يواجهها المستثمر·
وما ينطبق على النشاط الاستثماري ينطبق أيضا وبدرجات متقاربة على جميع الأنشطة الاقتصادية الأخرى بما فيها النشاط الاستهلاكي، إذ لا يمكن دفع وتشجيع الاستهلاك ولا يمكن إنصاف المستهلكين وحمايتهم من ممارسات الخداع والغش إلا مع وجود القوانين المحددة التي تحكم فض المنازعات بطرق سهلة وسريعة ومع وجود الهيئات والمحاكم القادرة على تطبيق الأحكام والقوانين والبت في المنازعات بأقصى درجات السرعة والكفاءة·
ومع تزايد وتيرة وتعقيد النمو والتنوع الاقتصاديين في أبوظبي تظهر الحاجة الآن وبشكل أكبر مما مضى إلى تشكيل محاكم أو لجان مختصة بفض المنازعات التجارية بعيدا عن النظام القضائي التقليدي الذي يمكن أن يفتقر إلى ما يكفي من المؤهلات المتخصصة بالقوانين والعقود الاقتصادية والتجارية المعقدة وأن يعاني من الأعباء الروتينية·
كأن تستغرق قضية بسيطة تتعلق بخلاف بين مستهلك وأحد المحلات التجارية ما يقارب من تسعة أشهر للبت فيها داخل النظام القضائي في أبوظبي، كما شكا مؤخرا أحد المقيمين، لهو مثال يلقي الضوء على ما تواجهه الأعمال من عقبات وتأخير عند لجوئها إلى النظام القضائي الشرعي الذي يعاني من أعباء القضايا التي يتداولها يوميا ومن ضعف التخصص في التعامل مع القضايا التجارية·
وإدراكا لهذه الحاجة تشهد أبوظبي سلسلة من التغيرات الرامية إلى النهوض ببيئة الأعمال عن طريق إصلاح وتغيير ممارسات وإجراءات فض المنازعات التجارية عبر نقلها من النظام القضائي الشرعي إلى محاكم متخصصة تمتلك المهارات المطلوبة للنظر في القضايا الاقتصادية والتجارية·
ففي يناير الماضي أصدر سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان وزير شؤون الرئاسة رئيس دائرة القضاء في أبوظبي توجيهاته بإنشاء محاكم متخصصة تنظر في القضايا الاقتصادية بأنواعها المختلفة تشمل قضايا المقاولات والإنشاءات ومحاكم لقضايا المصارف والمؤسسات المالية والأوراق المالية والاستثمار ومحاكم متخصصة في قضايا النزاعات الصناعية وما إلى ذلك من أمور اقتصادية وتجارية أخرى·
مجلس أبوظبي للتطوير الاقتصادي