.. وماذا عن «ربيع الأطفال العرب»
تبدلت أحوال ملايين الأطفال العرب، منذ أشعل البوعزيزي التونسي النار في جسده، قبل أكثر من عام. وساءت حياة كثيرين منهم نتيجة المظاهرات التي خرجت تطالب بحياة أفضل.
ويكشف حال كثير من الأسر العربية طوال الأشهر الماضية، كيف زادت معدلات القلق بين الأطفال واضطربت حياتهم وعانوا في صمت من التجاهل والتوتر، وصدمتهم مشاهد الدم والصدامات والصراخ، في قلب بيوتهم.
حدث ذلك بسبب تغطية إعلامية مكثفة عبر محطات فضائية، أفرطت في عرض ما يحدث في الشوارع حتى جعلت غرف المعيشة، تبدو كأنها ساحات خلفية للميادين التي تضج بالأحداث في العواصم العربية المضطربة.
وبدلاً من مطاردات توم وجيري البريئة، أفزعت مشاهد تنكيل الثوار الليبيين بالقذافي في لحظاته الأخيرة، الصغار، وروعهم هدير الحشود الغاضبة، ودوي الرصاص ورشق الحجارة.
لقد تعاملت معظم الفضائيات مع الاضطرابات السياسية الناشبة، كفرصة تجارية ذهبية لجذب مزيد من المشاهدين -وبالتالي الإعلانات- بأقل تكلفة، لتجاوز تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. لذلك، عمدت في تغطيتها إلى الإثارة. فلجأت إلى الاستخدام المفرط للبث المباشر للصدامات، وقلصت برامج الأطفال والأسرة ومنحت مساحة أكبر لبرامج الجدال السياسي. كما أنها لم تراع في معظم ما تقدمه، القواعد المهنية.
وركزت دوماً على كيفية إشعال المزيد من الصخب حول مختلف القضايا، مستغلة قلق المشاهدين وتوقهم لمتابعة ما يجري في بلدانهم.
الأسوأ من ذلك كله، أنها تعاملت مع الشارع وما يموج به من فوضى وانفلات، باعتباره مرجعيتها الأساسية ورقيبها الداخلي الذي يتعين إرضاؤه.
وفي النهاية كانت المحصلة، تغطيات إعلامية غير موضوعية، أفرزت توتراً حقيقياً في البيوت وأدت إلى تفشي حالة من عدم اليقين واليأس.
ودفع ذلك الأطفال للانزواء بعيداً عن -الميدان الرئيسي للأسرة- غرف المعيشة، وغمرهم شعور كاسح بأن وضعهم لم يعد، كما كان قبل يناير 2011.
وللأسف لم يتنبه الآباء والأمهات -منذ هيمنوا على أجهزة التلفزيون قبل أكثر من عام- إلى ما يعانيه الأطفال في صمت.
لكنه في ظل استمرار تلك التغطيات، يتعين علينا أن نقلق بشأن تأثيرات ما يحدث على جيل كامل من الأطفال العرب، خاصة وأن مجريات الأمور بتعقيداتها، تطرح داخلهم تساؤلات عدة، يريدون إجابات لها، علها تمنحهم بعض التوازن النفسي.
وليس بوسع أحد الآن التنبؤ، بطبيعة تأثر قيمهم وسلوكهم داخل الأسرة وفي المدرسة والمجتمع عموماً، بما يحدث... فهل يساعد ذلك مثلاً في تعزيز قيم الحرية والاستقلالية واحترام الآخر، أم أنه سيجعلهم أكثر ميلاً للعنف والتمرد والرفض والفوضى؟
صحيح، إنها ليست المرة الأولى ولا الثانية ولا حتى الثالثة التي تتصاعد فيها حدة الاضطرابات السياسية العربية خلال السنوات القليلة الماضية. فقد حدث ذلك من قبل خلال الحروب في الخليج ولبنان، وفي غزة أيضاً. لكنها المرة الأولى التي يتعرض فيها أطفالنا إلى رذاذ الصراعات السياسية، بهذه الكثافة.
ومع أن الأمر يتعلق، على الأرجح، بجسامة ما يحدث واتساع نطاقه، لكنه بالتأكيد نتيجة تطور الإعلام وأدوات الاتصال، إلى حد يجعل دخان الحرائق يكاد يتسرب إلى غرف المعيشة عبر شاشات التلفزيون.
بالتالي، صرنا بحاجة إلى ما يشبه الدليل الذكي، لشرح وتفسير ما يحدث لأطفالنا، بطريقة تجنبهم قدر الإمكان الأعراض الجانبية السلبية للتطورات الجارية في الميادين، وتعيد إليهم بعضاً من الأمان النفسي، وترد على التساؤلات التي تتردد داخلهم... أو ربما بات يتعين على الفضائيات بث تغطياتها الإخبارية، تحت عنوان "للكبار فقط".
أحمد مصطفى العملة
ahmedomla@yahoo.com