إزاء المخاطر والتحديات المحدقة، لا بد لدول الخليج من الاستجابة الفاعلة والتكيف الإيجابي مع هذه الأوضاع والمتغيرات الاقتصادية، ولا غنى لها عن تعديل مجمل الهياكل الاقتصادية القائمة في داخلها، بما يؤهلها لاتخاذ الإجراءات والسياسات الاقتصادية اللازمة لمواكبة المنافسة المنتظرة. وفي ظل ارتفاع أسعار النفط وتراكم الوفورات النفطية، التي جعلت دول الخليج في وضع اقتصادي واجتماعي مريح عموماً (بالرغم من الهبوط الحاد لأسعار النفط منذ نهاية صيف 2008)، فإن الخيار الوحيد أمام هذه الدول للتعامل مع مجمل الاتفاقيات الاقتصادية الدولية -كاتفاقية «الجات» ومنظمة التجارة العالمية ومختلف التكتلات الاقتصادية القائمة بين الدول، والتي تعتمد على الجودة والإدارة ومنافسة الابتكار والتميز الصناعي- هو في وجود تكتل اقتصادي خليجي قوي وفعال، كبداية لتكتل اقتصادي عربي موسع مشابه للتكتلات القائمة. ويمكن لمجلس التعاون الخليجي اتخاذ مزيد من الخطوات العملية السائرة نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي. ولعل من بدهيات هذا التكامل الاقتصادي المنشود بين دول الخليج، هو في البدء بتطبيق عدة أمور، منها تفعيل النشاط الاقتصادي وتحريره في داخل كل دولة خليجية من القيود الاقتصادية، وهذا يتطلب رفع كفاءة الموارد البشرية في تلك البلدان. ومن متطلبات التكامل زيادة حجم المشاريع المشتركة بين تلك الدول، حيث تمثل المشروعات المشتركة صيغة تنسيقية في المجال الإنتاجي لزيادة الاعتمادات المتبادلة بين اقتصاديات دول المجلس التعاون، مما يخلق حاجة موضوعية للتنسيق والتكامل فيما بينها. كما أن تلك الاعتمادات سوف تقلص من حجم انكشاف الاقتصاديات الخليجية على العالم الخارجي، وبالتالي سيكون ذلك تقليصاً للآثار السلبية لهذه الظاهرة مثل تقلبات أسعار الواردات والصرف ومعدلات التضخم. ومن بين الخطوات المطلوبة لتعزيز التكامل، فسح المجال للتحرك والانتقال السلس والحر لعناصر الإنتاج، والاستثمار بين دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً عندما توجد مجموعة مشاريع مشتركة بين تلك الدول، مما يقتضي زيادةً في التنسيق الصناعي والإنتاجي والاستثماري. وإذا كان الهدف هو الاستفادة من الأموال المتاحة لدى الحكومات والأفراد والمؤسسات الخاصة من أجل تنويع القاعدة الاقتصادية، فمن المفروض أن يتم تسهيل عملية الاستثمار، ووضع حد للعراقيل التي تحول دون التملك في الأصول في بعض القطاعات.ولا شك في أن البدء في تطبيق تداول العملة الخليجية الموحدة (نظرياً حدد الموعد في العام 2010)، سيكون بمثابة دفعة للتكامل الاقتصادي الخليجي. ضرورات التنمية تستدعي الاستجابة لمتطلبات التكتلات الاقتصادية الكبيرة والمتزايدة في هذا العالم، وهذا يتطلب بدوره إجراء قراءة جديدة ومراجعة نقدية جادة لكل المرحلة السابقة من تجربة المجلس على الصعيد الاقتصادي منذ قيامه وحتى الآن... كما أن ذلك يلزم تلك المنظومة الخليجية بأمرين، الأول: تفعيل وتعميق أواصر التعاون والتكامل بين دولها، وتحويل الاتفاقات الموقعة منذ فترة إلى واقع حي ملموس. ومن ثم تفعيل التعاون بين دول المجلس مجتمعة وبين تلك التكتلات بما يحقق تطوير المبادلات التجارية بين الطرفين والتغلب على العوائق التجارية. وفي اعتقادي، فإن التكتل الخليجي الاقتصادي الموحد المطلوب من قبل الجميع، لن يصبح أمراً واقعاً، إلا بإلتزام دول الخليج بتنفيذ وتطبيق جميع البنود والنقاط الواردة ضمن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة. نبيل علي صالح كاتب سوري ينشر بترتيب خاص مع خدمة «منبر الحرية»