الأزمة الصومالية ومأزق حكومة «شريف»
يوشك الهجوم الذي يشنه المتمردون «الإسلاميون» على الحكومة الصومالية المدعومة دولياً على إلحاق ضرر بالغ بهذه الحكومة، وهو ما يضاعف من احتمالات ظهور نظام إسلامي متشدد في الصومال، تحوم حوله شكوك منها علاقته بتنظيم «القاعدة»، وسيشكل ذلك حال حدوثه ضربة قوية للجهود الأميركية الرامية إلى مكافحة الإرهاب وأعمال القرصنة الجارية في شرق أفريقيا، حيث سبق لعناصر «القاعدة» تفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا خلال عام 1998. ويتهم المسؤولون في الاستخبارات الأميركية زعيم المتمردين «الإسلاميين»، شيخ حسن ضاهر عويس، بمساعدة المتهمين في الهجمات التي استهدفت السفارتين الأميركيتين وإيوائهم، وهو ما حدا بالولايات المتحدة إلى شن غارات جوية على عناصر إرهابية في الصومال في محاولة لضرب قادتهم والقضاء على تحركات المنظمات المتشددة في المنطقة. فبعد أسبوع من القصف المكثف استُخدمت فيه قذائف الهاون والصواريخ، وأسفر عن مقتل 135 شخصاً وفرار عشرات الآلاف، بات المتمردون على بعد نصف ميل تقريباً عن القصر الرئاسي في مقديشو، والذي يسهر على حمايته قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي المجهزين بالدبابات والعربات المصفحة. وحتى الآن لم يزحف الإسلاميون الذين يُعتقد وجود مقاتلين أجانب في صفوفهم على القصر الرئاسي، بحيث من المتوقع أن يخسروا المعركة البرية مع القوات الأفريقية البالغ عددها 4300 جندياً والأفضل تسليحاً مقارنة مع المتمردين. لكن مع ذلك توعد «عويس»، الذي يعتقد المسؤولون الأميركيون بوجود علاقة تربطه بتنظيم «القاعدة، بإسقاط الحكومة وإقامة «دولة الصومال الإسلامية»، فبعد أقل من أربعة أشهر على تشكيل الحكومة الإسلامية المعتدلة في الصومال التي لم تبرحها الحرب الأهلية منذ عام 1991، تواجه الخطة الدولية لمساعدة الصومال في حفظ الاستقرار، والتي خصصت بموجبها ملايين الدولارات للحكومة الجديدة خطر الانهيار حتى قبل أن تبصر النور. فرغم تعزيز قوات حفظ السلام الأفريقية وجهود المصالحة التي تبذلها الأمم المتحدة، لم يحصل الرئيس المعتدل، شيخ شريف أحمد، على تأييد المتشددين من أمثال عويس والتنظيم القوي المعروف باسم «جماعة الشباب»، الذي أدرجته «الخارجية» الأميركية في قائمة التنظيمات الإرهابية. وفي هذا الإطار يقول «رشيد عبدي»، الخبير في الشؤون الصومالية بمجموعة الأزمات الدولية: «إن احتمال سقوط الحكومة الصومالية يبقى قائماً بقوة». من جانبها، أكدت الوكالة الأممية لغوث اللاجئين أن المواجهات التي جرت الأسبوع الماضي في مقديشو، أدت إلى فرار 30 ألف شخص وملأت المستشفيات بالجرحى، الذين يطلبون العلاج فيما ظل العديد من سكان العاصمة محاصرين في بيوتهم لأيام متواصلة بعد اندلاع المعارك في الأحياء القريبة منهم. وتمثل المعارك الحالية انقلاباً على الوضع الذي ساد في السابق عندما تحالف الزعيمان شريف أحمد وظاهر عويس عام 2006 بعد سيطرة الميلشيات الإسلامية على مقديشو، حينها وقع اختار القائد السبعيني شيخ ضاهر عويس لقيادة الحركة الإسلامية الجديدة في البلاد المدرس على «شيخ شريف» الذي لم يكن معروفاً وقتها ليكون الوجه المعتدل للنظام.
ولكن عويس هرب من الصومال بعد الغزو الإثيوبي المدعوم أميركياً، فيما شكل شيخ شريف مجموعة معارضة سعت إلى الحوار مع المسؤولين الغربيين، وهو ما رفضه المتشددون وعلى رأسهم شيخ ضاهر عويس. ومنذ توليه الرئاسة، حاول «شيخ شريف» تهدئة مخاوف خصومه، وإرضاء المتشددين بإقرار الشريعة الإسلامية، وكان يُعتقد أن رجوع عويس إلى الصومال في الشهر الماضي سيكون فرصة لتحقيق المصالحة، إلا أنه سارع إلى اتهام شيخ شريف في خطاب بعد يومين على عودته إلى مقديشو، واصفاً القوات الأفريقية التي تحول بين الحكومة والمتمردين بـ«البكتيريا» التي يتعين التخلص منها، مضيفاً: «لن نقبل بما يفرضه المجتمع الدولي علينا، نحن سنتولى بأنفسنا إدارة شؤوننا». وفي بلد يرتاب كثيراً من التدخل الأجنبي مثل الصومال، يقول المحللون إن الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية لم تراعِ أن أي دعم تقدمه لشيخ شريف قد يصب في غير صالحه وينال من سمعته في أعين المتشددين، ويؤكد الخبراء أنه ما لا يقل عن مائة جندي حكومي تركوا مواقعهم في الأسابيع الأخيرة لعدم تلقيهم رواتبهم من جهة، ولتخوفهم من سقوط حكومة شيخ شريف من جهة أخرى، وهو ما يعبر عنه «رشيد عبدي» قائلاً: «إن المتشددين يعتبرون شيخ شريف خائناً»، وهم يصفونه بأنه رجل الإسلام الأميركي؛ لأنه لا «يمارس الدين بالطريقة المتشددة التي يدعون إليها». ويبدو أيضاً أن المسؤولين الغربيين أساؤوا تقدير قوة عويس الذي رغم قضائه أكثر من سنتين في المنفى استطاع بسرعة بعد عودته إلى مقديشو جمع التنظيمات المتفرقة وتنظيمها لمحاربة الحكومة، لتصبح اليوم قاب قوسين أو أدنى من القصر الرئاسي، وتسيطر على محاور الطرق الرئيسية في العاصمة. ويعتقد المسؤولون في الاستخبارات الغربية أن الجماعات المتمردة التي تحارب الحكومة مثل تنظيم «الشباب» الذي يتبنى أسلوب «القاعدة» في تفخيخ الطرقات وتبني العمليات الانتحارية تتلقى دعماً بالمال والسلاح من بعض الدول العربية ومن إرتيريا المعادية لإثيوبيا، وفي يوم الجمعة الماضي صرح المسؤول الأممي عن الصومال «أحمدو ولد عبدالله» أنه ما بين 280 إلى 300 أجنبي يقاتلون إلى جانب المتمردين، وهو ما يؤكده مسؤولون في الحكومة الصومالية بإشارتهم إلى أن المقاتلين الأجانب جاؤوا من الشيشان وأفغانستان ودربوا المقاتلين المحليين على استخدام المتفجرات وتقنيات أخرى.
شاشنك بنجالي - كينيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»