لا يعتبر الحي الثقافي “كتارا”، الذي أنشأته قطر والمرتقب افتتاحه كاملا بشكل رسمي قريباً، مكانا تتجمع فيه جمعيات ثقافية وحسب إنما أصبح من أشهر المعالم، ومن أكثر الوجهات التي يقصدها السياح في قطر؛ فالتنوع الثقافي والحضاري الذي يشمله الحي الثقافي جعله يتربع على عرش الأماكن السياحية والترفيهية في قطر نظراً لما يحتويه من مبان تراثية غاية في الجمال والإبداع، إلى جانب احتوائه على مطاعم ومسارح على مستوى عال جعلت من “كتارا” حيا ثقافيا ينبض بالحياة. من المتوقع، افتتاح مشروع الحي الثقافي “كتارا” بعد اكتمال المسرح الروماني والأوبرا، غير أن عملية البناء ستستمر حيث سيتم إنشاء مبان تجمع تراث العالم حيث سيكون كل مبنى على شكل فلكلور وتراث دولة من دول العالم، كما سيتم إنشاء برج يعد الأطول في قطر، وذلك ضمن استراتيجية تهدف للاستثمار في الثقافة، كما سيتم إطلاق قناة فضائية ثقافية تتضمن استوديوهات للإنتاج الفني. إرث معماري استلهمت مباني “كتارا” من إرث قطر الثقافي والمعماري فأصبحت مثل لوحة فنية تشمل أبعادا ثقافية حضارية عدة وضعت في مقدمتها التراث المعماري الخليجي والعربي مع لمسات خاصة من التراث القطري لتكشف عن العديد من المباني، التي صممت وبنيت متراصة لتظهر كلوحة فسيفسائية في غاية جمال. أما المسرح المكشوف، الذي يتسع لـ6000 متفرج، فيتوسط مشروع الحي. ويعد الحي الثقافي بكل مكنوناته وتفاصيله المعمارية، بأهداف ثقافية، نتاجاً لرؤية وجهود ووعي عقول قطرية، استلهمت إرثها الثقافي والمعماري، ليتم عمل التصميم الخارجي من الطراز المعماري القطري، وفق احتياجات العصر الحديث. والحي يتضمن قسمين ثقافي واستثماري، ويشمل القسم الثقافي المسرح المكشوف، ومسرحين مغطيان، وصالة متعددة الأغراض، ومبان للجمعيات الثقافية والفنية. أما القسم الاستثماري فيتكون من مطاعم ومقاه عالمية مختلفة، وساحل بحري، ومتاجر مبعثرة في أرجاء الحي. وتعتبر المطاعم والمقاهي المنتشرة في مختلف أرجاء الحي من أكثر الأماكن إقبالا لاسيما وأن أغلبها يطل على الواجهة البحرية للحي، وكل مطعم له ديكور يعكس ثقافة الشعوب التي ينتمي إليها، لإيجاد لغة ثقافية جديدة، تترجم لغة الطعام بنكهة بلاده، وحرفية صانعيه، بحيث يشعر الزائر، بأنه في أجواء هذا البلد. أما الساحل البحري، فقد تم تصميمه بعناية فائقة، لاستقبال الزوار، وتوفير جميع الخدمات اللازمة لجذب الجمهور. واشتهرت “كتارا” بالمهرجانات الثقافية الكبرى التي تقيمها بدء بمهرجان الدوحة للأغنية ومهرجان ترابيكا السينمائي والمهرجان البحري ومهرجان السفن التقليدية، إلى جانب المعارض الفنية للفنون التشكيلية والفوتوغرافية. وحرص المصممون عند تصميم مباني الحي الثقافي ألا تكون على توزيع مرتب ومنظم فالداخل إلى الحي يرى أنه بين مزيج من الأزمان والأمكنة، وخليط من ثقافات الشعوب، ليشرب من مناهلها، والتوزيع غير المرتب يهدف إلى إضفاء الروح الطبيعية على المكان، والابتعاد عن الرتابة، ولكي يكون مثالاً للحي القديم “الفريج”. الاهتمام الثقافي لم يقتصر اهتمام التنمية بقطر على الجانب المعماري ببناء الأبراج وناطحات السحاب والفنادق الفخمة وغيرها من المشاريع الاستثمارية والعقارية الضخمة، وإنما توجه جزء من هذا الاهتمام إلى بالهوية الثقافية القطرية التي هي جزء من الهوية الخليجية فإلى جانب الأبراج الشاهقة، والتطور الصناعي، هناك اهتمام بالهوية، والثقافة من خلال مشروع الحي الذي يمتد على مساحة شاسعة، ويتوسد الخليج الغربي، أحد أبرز الأماكن في الدولة. وبنية الحي وشكله الخارجي يدلان على أنه مزيج بين الحاضر بنكهة العمارة القطرية، والطراز العربي الإسلامي. وعلى الرغم من أن المباني نبعت من التراث الثقافي في تصاميمها إلى أن هناك تزاوجا فريدا بين المباني بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، مع ثقافة المكان، والإنسان، مع توفير كل احتياجات الثقافة، من مسارح، ودار سينما، ودار أوبرا، وقاعات للندوات والأمسيات، فضلاً عن توفير مقار للجمعيات الأدبية، كمتحف الطوابع، وجمعية الفنون الشعبية، والتصوير الضوئي، ومقر لجمعية المهندسين، مع الاهتمام بوضع مراكز خدمية لزائري المكان، وضيوفه، ومرتاديه الدائمين الذين ما إن يزوروه حتى ترفض أرواحهم أن تبرح المكان، بالإضافة إلى وجود الشاطئ بمرافقه، والمنظر الخلاب، وكذلك المطاعم التي هي كوكبة من مطاعم وثقافات العالم، بالإضافة إلى البنوك، والمراكز الأخرى. ومن الأماكن التي تسحر الإنسان بجمال روعتها ودقة الإبداع في بنائها قاعة دار الأوبرا أو السينما فالديكور الداخلي أشبه بلوحات معتقة بروح المحلية، وبأشكال غير مألوفة قادرة على استفزاز الإبداع، والمواهب، والفرح، لكي يبقى هذا المشروع العملاق في ذاكرته، لا يغادره أبداً. ويعد الحي الثقافي أول مشروع متكامل يجمع بين الثقافة والاستثمار، فهو ليس مبان تراثية فحسب أو مشروعا ترفيهيا أو تجاريا فقط، بل إنه مشروع ينطوي على عدة مشاريع، والجديد في هذا المجال، أنه مشروع يتخذ من الثقافة مركزاً أساسيا تدور حوله كافة الأنشطة الموجودة فيه، ليكون مختبراً فريداً لتزاوج الثقافات والحضارات، ويصبح أكثر المرتكزات قوة نحو بناء قاعدة لحركة سياحة فريدة من نوعها، وليشكل منعطفاً تاريخياً للحركة الثقافية في قطر؛ لأن الثقافة هي ذاكرة الشعوب، والمحرك الأوب لانطلاقاتها نحو آفاق المستقبل.