زينة الأطباق لا تقل أهمية عن المذاق
ليست الموائد الفاخرة مجرد أطباق تضم أشهى أصناف الطعام، ولا هي تشكيلة طازجة من مطابخ مختلفة وحسب. وإنما ترمز إلى أسلوب الحياة العصري الذي يواكب أدق التفاصيل وآخر الابتكارات في عالم التذوق. وهذا ما يثبته مهرجان “فنون الطهي - أبوظبي” الذي أصبح موعدا ثابتا لإبداعات الطهاة العالميين الذين يأتون إليه من بقاع الأرض حاملين معهم أفكارا غنية لمذاقات تفتح الشهية شكلا ومضمونا.
(أبوظبي) - أسلوب الطهي والمكونات المستعملة وكذلك طريقة التقديم ولون الطبق وحجمه، كلها أمور تلعب دورا هاما في القابلية على تناول الطعام. ومن هنا يعتمد الطهاة المخضرمون قائمة أولويات لدى دخولهم المطبخ لا يمكن أن يتغاضوا عن واحدة منها. وهذا ما يميز صنفا عن آخر حتى وإن كانت المقادير متشابهة، لأن الجماليات المحيطة بالمائدة تؤثر إيجابا على متذوق الطعام وتدفعه إلى الأكل بكل حواسه.
“فنون الطهي - أبوظبي” الذي اختتم دورته الثالثة الأسبوع الفائت وسط حضور 20 طاهيا من حاملي نجوم “ميشلين” للتميز، ضم على مدى 17 يوما باقة من الفعاليات التي أثرت المخزون الضيافي في الإمارة. وحملت كل فعالية منها مجموعة مسميات لأطباق جمعت في تكوينها مزيجا من ثقافات الدول. إذ أن نجوم الطهي في العالم يحرصون خلال تجوالهم على اكتساب الخبرات وانتقاء الأبرز من بين المذاقات التي يتعرفون عليها. وأول ما يفعلونه عند العودة إلى بلادهم تطبيق ما تعلموه في الخارج ووضع الإضافات عليه بما يتناغم مع أصول النكهات لديهم. وهكذا تأخذ سعة الانتشار بين الابتكارات الجديدة في عالم الطهي بالتطور أكثر فأكثر، حتى غدا الطعام على أصوله أقرب ما يكون إلى ما يسمى بالمطبخ العالمي.
تشير الشيف الجنوب أفريقية روث هينكس صاحبة مدرسة “الشوكولاتة السوداء” بالمملكة المتحدة، إلى أن تحضير الحلويات تحديدا لا بد أن يكون مبنيا على ديكور كل قطعة حلوى على حده. فلدى تقديم هذه الأصناف، أول ما يلفت الشخص إليها عدا عن الألوان المستخدمة، التفاصيل الموزعة عليها وشكل الطبق الذي تستريح فيه”. وهي تنظر إلى قسم الحلويات على أي مائدة “بوفيه” وكأنه أشبه بتحف فنية “كلما كانت متناهية في صغر الحجم وتنوع الشكل كان الإقبال عليها أكبر”.
أما الطاهي الفرنسي برونو مينار الحائز على 3 نجوم “ميشلين” والذي يتصدر قائمة رؤساء الطهاة المشاركين في المهرجان، فيوضح أنه مع تداخل الشعوب فيما بينها أصبح التميز في تقديم أصناف جديدة أمرا مطلوبا. “ومن هنا، نرى أن الكثير من الطهاة الواعين لهذه الأهمية، يمعنون في التفاني بإضفاء عامل الإبهار على الطبق. وذلك سعيا منهم إلى تجاوز مأزق الوقوع في النمطية والتكرار”. الشيف الذي يتمتع بخبرة مهنية بما يزيد عن 40 عاما، يقدم منهجه الكلاسيكي الحديث في الطهي بمطعم “لوسيير” في طوكيو، والذي يعتبر أفضل المطاعم الفرنسية الراقية في الشرق الأقصى. ويؤكد على أن تحسين معايير الجودة في قطاع خدمات الضيافة لا بد أن يشمل أكثر من عامل للوصول إلى المستوى المطلوب. “كالتركيز على استخدام المواد المحلية والطازجة، الحرص على الانسجام بين المقادير، التنبه إلى أسلوب الطهي، واستلهام ديكور الطبق وتوزيع المأكولات بشكل في مبتكر”.
وتذكر الشيف جانيس ونج، خريجة “لو كوردون بلو” أشهر أكاديميات الطهي في العالم، أن العين تعشق الأطباق المرتبة وطريقة توزيع الطعام فيها، وتمل من الرتابة في أسلوب الطهي التقليدي. وتلفت إلى أن قطاعات الضيافة الراقية تتجه منذ بدايات الألفية الثالثة إلى اتباع منهج يقوم على مزج التناقضات في الأصناف المقدمة على الموائد الفاخرة، كنوع من التغيير. “كأن تضاف أصناف الفواكه مع اللحوم والأسماك، وكذلك التوابل والبهارات مع أنواع الحلوى وهكذا”.
وتقول الطاهية الإيطالية لوريتا فانيلا الذي يعرف عنها تميزها بتحضير عدة أصناف في وقت واحد، إنها ضد مقولة إن الطاهي المتميز هو الذي يتقن تزيين الأطباق. “فالشكل وحده لا يمكن أن يكون طريقا إلى المعدة، لأن المذاق وحسن اختيار المواد المستخدمة وتوقيت مدة الطهي، هي الأساس في تحديد مستوى الطاهي”. أما الشكل الخارجي للطبق وعلى أهميته، غير أنها تجده يأتي في المرتبة الثانية من الأهمية. وهي تشدد في مهنتها على التنظيم داخل المطبخ، وهذا الأمر بالنسبة لها في غاية الأهمية. “يعجبني أن أمزج بين المواد من دون أن يؤثر طعم إحداها على الأخرى. وهذه مهمة صعبة تحتاج إلى الكثير من التأني”. وكانت فانيلا عملت سابقا كطاهية حلويات في إسبانيا، ونال مطعم «البوللي» الذي كانت تعمل فيه والمتخصص في الطعام “الكاتالوني”، عدة جوائز كأفضل مطعم في العالم.