العبارة التالية صواب أم خطأ، سوق الأسهم يركز بشكل كبير على المدى القصير؟ الإجابة تبدو واضحة جدا تقريبا، فغالبا ما يبدو أن الشركات تهتم فقط بالأشهر الثلاثة إلى الـ 12 القادمة. في «وول ستريت»، يبدأ المدى البعيد بعد نحو 30 ثانية من الآن، وينتهي بشكل عام بعد بضعة أسابيع على الأكثر.
لكن صدق أو لا تصدق، في بعض الأحيان يمكن أن تركز الشركات والمستثمرون بشكل كبير على المدى البعيد. وقد لاحت فجأة في الأفق هذه المخاطرة المعاكسة للتفكير البديهي، وبشكل كبير، نظرا إلى الطريقة التي تولد بها شركات التكنولوجيا العملاقة عائدات هي الأعلى في تاريخها، ووضع أهداف ضخمة للنمو في المستقبل البعيد.
والآن، وأكثر من أي وقت مضى، يجب على المستثمرين أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون حبس أموالهم في رهانات يمكن أن تؤتي ثمارها بثراء، أو تفشل بشكل كارثي، خلال الطريق.
إن أبسط مقياس لإخلاص الشركات للمستقبل طويل الأمد هو الإنفاق الرأسمالي. ويعتقد هوارد سيلفربلات، محلل المؤشرات في «ستاندرد آند بورز داو جونز»، أن الشركات المسجلة في «ستاندرد آند بورز 500» أنفقت رقما قياسيا قدره 713 مليار دولار على النفقات الرأسمالية في عام 2018، بزيادة 16% عن عام 2017.
شركات التقنية، التي تلخص الرؤية طويلة الأجل اليوم، تنفق الأموال على المستقبل كما لو أنه لا يوجد غدا. في عام 2018، أنفقت شركة «ألفابيت»، الشركة الأم لـ «جوجل»، 25.1 مليار دولار على النفقات الرأسمالية، بمعدل 69 مليون دولار في اليوم، وهو أكثر من ضعف ما كانت تنفقه قبل ذلك بسنتين. كما أنفقت «فيسبوك» 13.9 مليار دولار، وذلك بزيادة تقدر بثلاثة أضعاف عن ما كانت تنفقته في عام 2016، ومن المتوقع أن تلتزم بما لا يقل عن 18 مليار دولاراً في عام 2019. وأنفقت شركة «أمازون دوت كوم» 11.3 مليار دولار، أي ضعف ما أنفقته قبل ذلك بسنتين. وتقوم الشركات الثلاث بتمويل تلك النفقات من النقد الهائل الذي تولده أنشطتها التجارية. وتشير دراسة جديدة إلى أن الإنفاق على المشروعات التي لن تؤتي ثمارها لسنوات يمكن أن يكون مليئا بالمخاطر. ويقول معدا الدراسة ميشال بارزوزا، أستاذ القانون بجامعة فرجينيا الأميركية، وإريك تاللي أستاذ القانون في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة «إن المشروعات طويلة الأجل يمكن أن تصعد بشكل كبير، لذلك من السهل الوقوع في حبها والمبالغة في تقدير العوائد». والشركات عندما تستثمر في تحقيق أهداف طويلة المدى غالبا لا تنجز ذلك بشكل صحيح.
فكر في شركة «جلوبال كروسينج ليمتد» و«كويست كوميونيكاشنز انترناشونال إنك»، اللتين أنفقتا مليارات الدولارات في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الماضي على وضع شبكات ألياف ضوئية واسعة. كلاهما انهار تحت أعباء الديون الضخمة، وكلاهما فشل في الحفاظ على كيانهما كشركة مستقلة.
ودمرت الشركتان صاحبتا الرؤية المستقبلية ما لا يقل عن 86.8 مليار دولار من الثروات مقارنة بما كان يمكن للمستثمرين كسبه من خلال الاحتفاظ بأموالهم نقدا، وفقا لبيانات جمعها هندريك بيسمبيندر، أستاذ المالية بجامعة ولاية أريزونا الأميركية.
ويقول جون لينهان، كبير مسؤولي الاستثمار في الأسهم، بشركة «تي رو برايس جروب» في بالتيمور «كلما طالت المدة، كلما زادت ضخامة أخطائك»، «يمكن أن تكون النفقات المالية هائلة، وإذا كنت مخطئا، فإن الأخطار على الشركة قد تكون كبيرة». وعندما يقوم المديرون بتنفيذ مشروع عملاق غير مسبوق، فإنهم غالباً ما يتجاهلون أي دليل على أن الأمر قد يستغرق وقتا وأموالا أكثر مما يعتقدون. وكلما طالت فترة عملهم وزادت الأموال التي ينفقونها، كلما كانت سمعتهم على المحك بشكل أكبر، وكلما قلت رغبتهم في الاعتراف بالهزيمة. ولا عجب أن الشركات الكبرى الجديدة تميل إلى استغراق وقت أطول وتكلفة أكثر من ما يتوقعه المديرون.
ووجد علماء النفس أن الأشخاص يضخون المزيد من الأموال في استثمار خاسر عندما يكونون مسؤولين شخصيا عن ارتكاب الأخطاء المتعلقة بإنفاق المال. هذا «التحيز الغارق في التكلفة»، أو إهدار المزيد من الأموال الجيدة في المزيد من الخسارة، يُمكِّن صانعي القرار من تأجيل الاضطرار إلى الاعتراف بالخسارة المؤلمة.
لذلك لا يمكن للمستثمرين، حتى أولئك الذين يحاولون تجنب التوقعات قصيرة الأجل، أن يقدموا «بطاقة مرور خضراء» لمديري الشركات الذين يركزون على أهداف تدوم سنوات.
وتقول سارة كوهان ويليامسون، الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات «إف سي إل تي غجلوبال»، كونسورتيوم غير ربحي، يضم عددا من الشركات والمستثمرين الذين يسعون لتشجيع التفكير طويل الأجل في الاستثمار «لا ينبغي لكيان في هذا العالم أن ينطلق للعمل لمدة 5 أو 10 سنوات من دون أن يدقق عليه أحد».
وتحث ويليامسون، المديرة السابقة لصندوق استثماري، الشركات على الابتعاد عن تقديم توقعات للأرباح قصيرة الأجل. بدلاً من ذلك، يجب عليهم تبني ما تسميه مجموعة «إف سي إل تي جلوبال» «خريطة طريق طويلة الأمد»، بتقارير دورية عن التقدم نحو أهداف استراتيجية متعددة السنوات، تستهدف منتجات أو أسواقاً جديدة، استثمارات في التكنولوجيا، الاستخدامات المحتملة للسيولة الفائضة وما إلى ذلك.
ويمكن للمستثمرين بعد ذلك تتبع التقدم نحو أهداف الشركات بشكل أوضح. واعتبارا من عام 2017، وفقا لمجموعة «إف سي إل تي جلوبال»، قدمت 22 فقط من الشركات العالمية الكبرى توقعات للنفقات الرأسمالية قبل أكثر من عام.
ويحذر بارزوزا وتاللي من أن المديرين التنفيذيين الذين يعتقدون أن لديهم نفاذاً إلى رأس مال دائم يميلون إلى اتخاذ مخاطرات طويلة الأجل. وقبل عقود، اقترح بيتر ال بيرنشتاين، الخبير النظري في مجال الاستثمار، أنه يجب على الشركات أن تدفع دخلها الصافي كله في توزيعات الأرباح (أو تستخدمها لإعادة شراء الأسهم). وإذا كانوا بحاجة إلى المال للتوسع، فيجب عليهم أن يحصلوا على مستثمرين جدد لشراء أسهم جديدة.
ويقول مايكل موبوسين، مدير الأبحاث في بلو ماونتن كابيتال ماندجمنت، وهي شركة استثمار في نيويورك لإدارة الأصول، إن هناك بعض المنطق وراء هذا التوجه. ويقول إنه إذا شعرت الشركات التي تضع أهدافًا كبيرة طويلة الأجل بأنها يجب أن تحفز المستثمرين على «زيادة الاستثمار كل عام»، فمن المحتمل أن يتم إدارة رأس المال بشكل أكثر كفاءة. الشركات التي تركز على المدى الطويل تحتاج إلى صبر أيوب وحكمة سليمان.

بقلم: جاسون زويغ