شعبان بلال (القاهرة)

أجمع الخبراء والمراقبون على أن إعلان علي باباجان تأسيس حزب سياسي جديد، يمثل تدشيناً رسمياً لحجم الانشقاق الخطير داخل حزب «العدالة والتنمية» الحاكم الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وأشاروا إلى أن تأسيس الحزب الجديد طرح بدوره تساؤلات عديدة في الشارع السياسي بتركيا حول تأثير وجود حزب باباجان الجديد على شعبية الحزب الحاكم وقدراته على استقطاب كوادر من «العدالة والتنمية» وتأثيراته على مستقبل أردوغان السياسي، حيث اعتبر البعض تأسيس الحزب الجديد بأنه يمثل بداية نهاية لعصر أردوغان السياسي فيما يرى آخرون أنه سيكون بلا تأثير على مستقبل الرئيس التركي.
يؤكد محمد عبد القادر، الباحث المصري في الشأن التركي، أن باباجان كان شخصية محورية في حزب العدالة والتنمية قبل استقالته، واصفاً إياه بالشخصية الكاريزمية والمهمة على المستوى الاقتصادي، ويوضح أن بعضهم ينسب له الفضل الرئيس في النهضة الاقتصادية خلال السنوات الأولى من حكم «العدالة والتنمية» قبل مرحلة الانتكاسة السياسية والاقتصادية.
وأشار عبد القادر لـ«الاتحاد» إلى أن حزب باباجان يمكنه أن يستقطب عدداً كبيراً من الكوادر المهمة سواء بيروقراطية اقتصادية أو سياسية حزبية، مضيفاً أنه ربما أيضاً يكون أحد الأسباب الرئيسة لانخفاض كتلة حزب العدالة والتنمية.
وأكد الباحث في الشأن التركي إن الحزب الجديد ربما يكون له أدوار أساسية في استقطاب قاعدة عريضة من مؤيدي حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات المقبلة أو تحالفه مع بعض الأحزاب الأخرى سواء محافظة تنتمي لنفس القاعدة الشعبية والأيديولوجية مثل حزب أحمد داوود أوغلوا أو أحزاب أخرى معارضة مثل حزب الشعب الجمهوري التركي، مشدداً على أن هذه الخطوة تمثل نقطة تحول في الحياة السياسية والحزبية التركية.

باباجان أم أوغلو؟
جاء إعلان باباجان عن تأسيس حزبه الجديد «الديمقراطية والانطلاقة» بعد أسابيع من إعلان رئيس الوزراء التركى الأسبق أحمد داود أوغلو تأسيس حزبه الجديد «المستقبل»، ويطرح بعضم في تركيا سؤالاً رئيساً حول من الأجدر على قيادة المعارضة من بين الاثنين أم أن النجاح في مواجهة أردوغان في انتخابات 2023 يقتضي تحالفاً بين القيادات المنشقة عن «العدالة والتنمية» مع حزب «الشعب الجمهوري» لصناعة كتلة ضخمة قادرة على إنهاء سيطرة أردوغان على السياسة التركية منذ 2003.
ويقول تورغت أوغلوا، المحلل السياسي التركي، إن الظروف التي تمر بها تركيا خلال الفترة الماضية مناسبة بل ضرورية لولادة هذا النوع من الأحزاب، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل حزب المستقبل الذي أسسه أوغلو أو حزب الديمقراطية والانطلاقة ويختصر بـ«حزب الدواء» الذي أعلن عن تأسيسه وزير الاقتصاد السابق الشاب علي باباجان أو أحدهما سيحمل هذه الصفات المطلوبة؟.
وأوضح أوغلوا لـ «الاتحاد» أن خطاب داود أوغلو يطغى عليه الجانب القانوني أو الحقوقي، ويعد لأنصاره العودة إلى القانون والدستور، وإلغاء النظام الرئاسي بـ«النكهة التركية» الذي جمع كل السلطات في شخص واحد هو أردوغان، موضحاً أن حزب المستقبل نشر مؤخراً العديد من الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي يسلط فيها الضوء على معاناة عشرات الآلاف من المعتقلين والمفصولين من وظائفهم بقرارات شخصية صادرة من أردوغان ويتعهد لهم بإعادتهم إلى وظائفهم حال وصولهم إلى الحكم.
في المقابل، بحسب أوغلوا، فإن خطاب باباجان يسيطر عليه الجانب الاقتصادي في الدرجة الأولى مع أنه يتطرق إلى مشكلات تركيا ككل، وهو ما يبدو أشمل وأعم من خطاب داود أوغلو، مشيراً إلى أن حزب باباجان يبدو أنه سيكون أكثر انفتاحاً على جماهير عريضة من شتى الاتجاهات.
ولفت المحلل السياسي التركي إلى استطلاعات الرأي تؤكد أن نسبة كبيرة من أنصار أردوغان يتوجهون إلى الحزبين الجديدين منذ الهزيمة المدوية في الانتخابات المحلية الأخيرة التي فقد فيها العدالة والتنمية كبرى البلديات، والهزائم المتتالية التي يواجهها أردوغان في السياسة الخارجية، وعلى وجه الخصوص في سوريا وليبيا، لكن رغم كل شيء لا تزال شعبية أردوغان عالية.
ويرى تورغت أن حزب داود أوغلو سيكون قريبًا أكثر إلى القاعدة الشعبية المحافظة، بينما حزب باباجان سيوجه خطابه إلى الديمقراطيين والليبراليين في المقام الأول، موضحاً أن نظام أردوغان قد ينهار قريباً بفعل هذا التحالف الجديد بين الأحزاب المعارضة وتأسيس تحالف سياسي جديد يضمّ حزب المستقبل وحزب علي باباجان، بالإضافة إلى حزب أو حزبين آخرين، ومن المرجح أنه سيكون حزب الخير القومي المعتدل، بل هناك مزاعم حول لقاءات بين باباجان وحزب الشعب الجمهوري.
وأشار المحلل السياسي التركي إلى أن العوامل الداخلية لن تكون لها أثر كبير في سقوط نظام أردوغان إلا إذا صاحبها عوامل خارجية مثل ارتكاب أخطاء قاتلة مثل ما حدث في أزمة إدلب.

خسائر أردوغان
ذكر باباجان، عقب استقالته من حزب العدالة والتنمية، أن تركيا في نفق مظلم، محذراً من مخاطر حكم الفرد الواحد. ويراهم باباجان على أن أخطاء أردوغان المتكررة ستقوده إلى نفق مظلم.
كرم سعيد، الباحث المصري في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات، أكد أن تأسيس حزب علي باباجان يمثل خسارة جديدة لأردوغان في الداخل ضمن خسائر يتعرض لها منذ 2013 بعد الانتكاسة والتراجع كبير في شعبيته عشية الكشف عن قضايا الفساد الذي تورط فيها عدد من قيادات حزبه.
وأشار سعيد لـ«الاتحاد» إلى أن هذه الخسائر تكشفها الممارسات السلطوية للنظام الحاكم وهو ما ظهر في التعديلات الدستورية في عام 2017 والذي حولت النظام من برلماني إلى رئاسي، وتصاعد حالة الاستقطاب السياسي وإقصاء التيارات المعارضة وتهميشها وذهاب أردوغان إلى مرحلة حرجة بتعاونه مع حزب الحركة القومية المختلف في توجاهته الأيديولوجية مع العدالة والتنمية، وهو ما أغضب قطاعات واسعة من مؤيدي حزب العدالة والتنمية.
وأوضح أيضاً أن الخسائر امتدت إلى انفصال وهجرة عدد كبير من القيادات التاريخية والآباء المؤسسين للحزب في الفترة الأخيرة بل ذهب بعضهم إلى تأسيس أحزاب جديدة، منها حزب المستقبل لأحمد داوود أوغلو وأيضاً حزب علي باباجان، وأن هذه الأحزاب خرجت من عباءة حزب العدالة والتنمية.
وشدد الباحث في الشأن التركي على صعود أحزاب المعارضة على الساحة السياسية والالتحام مع قضايا الشعب التركي وزيادة شعبيتها مثل أكرم داوود أوغلوا وصلاح الدين طمرطاش رئيس الحزب الشعوب الديمقراطي في مقابل وجود حالة من التوتر والانقسام داخل حزب العدالة والتنمية.

انشقاقات العدالة والتنمية
وقال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن ظاهرة الانشقاقات داخل حزب العدالة والتنمية لا تقتصر فقط على أحمد داوود أوغلوا وعلي باباجان، لكن هناك الكثير من الانشقاقات من قيادات أخرى داخل الحزب اعتراضاً على السياسات العامة لأردوغان مع دول الجوار والتعاملات في سوريا وليبيا.
وشدد فهمي لـ«الاتحاد» على أن جزءاً من هذه الانشقاقات مرتبط بالداخل وجزءاً آخر مرتبط بالخارج وأنها ستزيد بطبيعة الحال في الفترة المقبلة للاعتراض على مجمل سياسات الرئيس التركي تجاه الدول الإقليمية وفي الداخل.
وأوضح أن هذه الانشقاقات سيكون لها تأثيرها السلبي على الاستقرار في تركيا وشعبية أردوغان، لافتاً إلى أن باباجان له شعبيته القوية التي تفوق أحمد داوود الذي أسس حزب المستقبل في تركيا، لكن اجتماع الحزبين سيكون له تأثيراته الكبيرة على حزب العدالة والتنمية.
ومنذ عام 2002، يدير أردوغان وحزب العدالة والتنمية الانتخابات على أساس وجود منافسة بين يسار ويمين الأمر الذي ساعدهما على جمع الأصوات المحافظة، لكن حسب مراقبون فإنه مع الأحزاب الجديدة ستصبح المنافسة في ميدان أردوغان وحزبه.

من هو باباجان؟
شغل علي باباجان منصب وزير الاقتصاد في حكومة 2007 ثم وزيراً للخارجية.. وفي الفترة من 2009 إلى 2015 تولى الملف الاقتصادي كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية والمالية. يعد باباجان هو الشخصية المحورية في الاقتصاد التركي حتى 2015 قبل أن يتم تهميشه، ليعود مجدداً إلى المشهد في 2019 بإعلانه مواجهة أردوغان سياسياً.
باباجان الذي أدار دفة الاقتصاد التركي 13 عاماً كان أصغر عضو في مجلس الوزراء بعمر 35 عاماً وهو يتمتع بعلاقات جيدة مع المستثمرين الأجانب ومع القيادات الاقتصادية الأوروبية ويحمل رؤى معتدلة تجاه العلاقات مع دول الإقليم والشرق الأوسط.
يتمتع باباجان بخبرات في الحكومة وسمعة جيدة بقدراته على إدارة الملف الاقتصادي والأهم هي كاريزميته وشخصيته القادرة على استقطاب إعجاب قسم كبير من الأتراك.

رهان انتخابات 2023
من المقرر أن تخوض تركيا الانتخابات البرلمانية والرئاسية في عام 2023، لكن خبراء يتوقعون أن تجرى انتخابات مبكرة العام المقبل 2021، بينما ذكر مسؤولون في المعارضة التركية أن مليون منتسب لحزب العدالة والتنمية سحبوا عضويتهم من الحزب الحاكم خلال العام الأخير. وأثبت حزب الشعب الجمهوري المعارض جدارة كبيرة خلال الانتخابات البلدية، العام الماضي، عندما تمكن من انتزاع أهم المدن، مثل إسطنبول وأنقرة، حيث أفرز الحزب شخصية قوية هي أكرم إمام أوغلو الذي تمكن من هزيمة الشخص الثاني في النظام السياسي التركي، بن علي يلدريم، المقرب من أردوغان في انتخابات إسطنبول.