أحمد السعداوي (أبوظبي)

الفكاهة سلاح ناجع في مواجهة الكثير من الأزمات التي قد تواجهها الشعوب في المواقف المختلفة، وهو ما لاحظناه عبر تداول عدد كبير من النكات والتعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، في التعامل مع انتشار فيروس «كورونا» المستجد في مناطق من العالم، لتمتد تلك التعليقات إلى الحياة الأسرية وعلاقات الأزواج، وكذلك داخل العمل وبين الأصدقاء، وهي تستخدم جميعاً «كورونا» كأسلوب للفكاهة والمرح للتغلب على هذه الأوقات الصعبة بدلاً من الركون إلى السلبية والتوتر، ما يعلي من فوائد الفكاهة كأحد أهم أساليب مواجهة الظرف الحالي الذي يمر به العالم.
بداية، يقول محمود عبدالجواد، خبير التربية البدنية، إن الفكاهة والمرح من أفضل النعم التي أنعم الله بها علينا، فنحن نستعين بها في أوقات كثيرة حتى نتغلب على بعض المواقف الصعبة والغريبة التي نواجهها في حياتنا اليومية، ومن الطبيعي أن تكون الحاجة إليها أكثر في أوقات الأزمة مثل انتشار فيروس «كورونا»، وما يصحبه من آثار سلبية. وهذا الأسلوب المرح ينعكس إيجاباً على صحتنا البدنية والنفسية ويرفع من مناعة الإنسان، ويجعله أكثر مرونة في التعامل مع المواقف والظروف كافة.
وأشار عبدالجواد، إلى أنه يتبادل مع أصدقائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها المختلفة الكثير من النكات والتعليقات الساخرة عن «كورونا»، ومع الوقت تحول هذا الفيروس بينه وبين الأصدقاء إلى مصدر للابتسام والضحك بدلاً من القلق والتوتر، ولكنه يؤكد أيضاً وقبل كل شيء الالتزام التام بكل تعليمات وتوجيهات الدولة التي تحفظ صحتنا وسلامة المجتمع.

رسائل إيجابية
أما جلال العقربي، (موظف بإحدى الهيئات السياحية)، فقد أكد أنه بالفعل وجد زخماً هائلاً من التعليقات الساخرة والصور والكوميكسات التي تتناول «كورونا» بأسلوب مرح، وفي الوقت ذاته تحمل رسائل إيجابية عن التعليمات الواجب اتباعها في التعاطي مع انتشار الفيروس، مثل عدم لمس الآخرين والاقتراب منهم لمسافة أقل من متر، وكذلك الالتزام بالجلوس في المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة، ما جعل من هذه التعليقات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي أسلوباً فعالاً في التعامل مع هذا الموقف الصعب الذي يواجهه العالم الآن، غير أن هذا التعامل الساخر أخذ شكلاً إيجابياً وبعث حالة من الطاقة الإيجابية والشعور بالتآلف بين الجميع في مواجهة الفيروس، لكون الجميع يتشاركون المشاعر نفسها والأساليب المرحة أيضاً.

نكات بين الأزواج
وذكرت دعاء محمد (موظفة)، أنها تشارك في أكثر من مجموعة على «واتس آب» وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي مع زميلاتها في العمل أو الأمهات من أولياء الأمور في مدرسة أبنائها، فهي طوال الوقت تستقبل تعليقات جديدة أو معلومة عن «كورونا»، على تلك المواقع أو «القروبات»، غير أن أجمل ما في هذه التعليقات والصور المتعلقة بالفيروس أنها تدور في قالب فكاهي وتركز أحياناً على التعامل بين الأزواج بعد جلوسهم المفاجئ في المنزل بسبب نظام «العمل عن بُعد»، وكذلك التعليم عن بُعد، فهذا التغير في أسلوب الحياة فتح باباً واسعاً لتبادل النكات المرحة على وسائل التواصل الاجتماعي ما يرسخ في نفوسنا أن كل شيء على ما يرام، وأن هذا الفيروس يمكن مواجهته عبر الالتزام بالتعليمات، وفي الوقت ذاته تمر علينا أوقات مبهجة من خلال الاطلاع على هذه التعليقات الساخرة المنتشرة على مواقع التواصل، حيث يتبادلها الجميع على مدار اليوم، وخاصة تلك المتعلقة بالعلاقات بين أفراد الأسرة.

مشاركة وجدانية
ويرى د. أحمد عبدالعزيز النجار، أستاذ علم النفس بجامعة الإمارات، أن الناس حالياً درجوا على استخدام الفكاهة والنكات والضحك لمواجهة الضغط النفسي الذي يعانونه نتيجة أزمة فيروس «كورونا» المستجد وانتشاره بدول العالم المختلفة، مؤكداً أن هذا الأسلوب صحيح تماماً، وذلك لأسباب عدة، أولها أن الإنسان لديه قدرة كبيرة على التكيف مع الظروف، والعمل على تفريغ أي ضغط يتعرض له، حتى لا تسوء حالته النفسية، وهذا يتم بشكل طبيعي بيننا في ظل الظروف التي نواجهها. وثاني الأسباب، أن كل إنسان يختار الطريقة المناسبة له التي يفرغ من خلالها مشاعره أو خوفه، فهناك من يختار قراءة القرآن الكريم، والصلاة، أو الرياضة، أو النكات والفكاهة، أو الترفيه واللعب، وفقاً للأسلوب الذي يفضله كل إنسان والذي يرسم الابتسامة على وجهه لمواجهة الأزمة، لأن أكثر ما يميز أسلوب الضحك والفكاهة أنه جماعي، والأسلوب الجماعي دوماً يخفف على الناس ويخلق حالة من المشاركة الوجدانية بين الجميع، وخاصة في الأزمات التي يقل الشعور بحدتها عندما تكون جماعية قياساً إلى الأزمات التي يواجهها الإنسان بمفرده.

ليس استهتاراً
نفى د. أحمد عبدالعزيز النجار، أستاذ علم النفس بجامعة الإمارات، أن يكون الإنسان الذي يتبع أسلوب الفكاهة والسخرية في مواجهة الأزمات، مستهتراً أو غير مسؤول، مؤكداً أن التعاطي مع المواقف بالنكات والمرح إحدى وسائل التكيف الاجتماعي وطريقة لتجميع القدرات والمواقف لمواجهة الأزمة، مشيراً إلى أنه يفضل اتباع هذا النهج، شرط أن تكون هذه النكات غير جارحة، وتدور في إطار أخلاقيات المجتمع وعاداته وتقاليده.