الانتخابات الهندية... تجديد الثقة في «المؤتمر»
جيران الهند يعانون حالة فوضى واضطراب، وسكانها الشباب يتوقون ويتطلعون بقوة إلى الرخاء والازدهار على الرغم من أزمة اقتصادية عالمية. على هذه الخلفية، منح الناخبون الهنود حكومتهم تفويضاً واضحاً مؤداه: استمروا على النهج نفسه. ففيما مثل تحدياً لتوقعات المحللين، دعمت أغلبية الناخبين الهنود البالغ عددهم 714 مليونا حزبَ «المؤتمر» الحاكم، حزب رئيس الوزراء مانموهان سينج، الخبير الاقتصادي الذي انتصر للفقراء ودفع في اتجاه التنمية الريفية واقتصاد أكثر انفتاحاً. وقال «سينج»، الذي سيصبح أول رئيس للوزراء في البلاد ينهي ولايته، ويعاد انتخابه منذ 40 عاماً تقريباً: «لقد قال الشعب الهندي كلمته بوضوح وأعرب عن دعمه لقيادة حزب المؤتمر الرشيدة». كما قال صاحب العمامة الزرقاء الذي يبلغ 76 عاماً للصحافيين: «لقد منحْنا البلدَ حكومةً قوية ومستقرة في وقت يواجه فيه العالم الكثير من الأخطار. ونتيجة لذلك، فإننا نقف اليوم أمة واحدة». خارج مقر الحزب، كان الأنصار يرقصون فرحاً رغم الحرارة التي بلغت 43 درجة ، ويأكلون مثلجات على شكل يد – وهي رمز الحزب – ويهتفون «سينج ملك!». كان فوزا مذهلا بالنسبة للحزب المرتبط بأحد الآباء المؤسسين هو جواهرلال نهرو، أب عائلة نهرو – غاندي التي هيمنت على السياسة في الهند منذ استقلال البلاد عام 1947. وقد أظهرت نتائج الانتخابات الماراثونية التي جرت على خمس مراحل نبذاً واضحاً من قبل الهنود لجهود حزب «بهارتيا جاناتا» الهندوسي القومي الرامية لتقديم حزب «المؤتمر» على أنه ضعيف لمواجهة تهديدات جماعات المقاتلين الموجودة في باكستان المجاورة. كما سعى «بهارتيا جاناتا» إلى استغلال الحصار الذي فُرض على مومباي طيلة ثلاثة أيام في نوفمبر الماضي، وتباطؤ الاقتصاد، والاتفاق النووي مع واشنطن والذي كاد يطيح بالحكومة العام الماضي. التنافس في الانتخابات وخلال أسابيع تشكيل التحالف، التي من المؤكد أنها ستعقبها كان على زعامة 1.2 مليار نسمة في بلد ذي وجهين: الهند البراقة، هند المراكز التجارية الضخمة ومراكز الاتصال، وهند إقطاعية وطبقية وريفية في معظمها حيث ثلثا السكان يعيشون بدولارين أو أقل في اليوم. وفي هذا السياق يقول شيلاش ريشنكر، المحلل بمركز نيودلهي لبحوث السياسة: «في نهاية المطاف، لم يكن الناخب الريفي قلقا بشأن الإرهاب، ثم إنه الشخص الذي يصوت»، مضيفاً «وقد رأى أن لا حزب يستطيع وقف انفجارات القنابل». وتَقدم حزب «المؤتمر» وشركاؤه في التحالف بـ260 مقعداً في برلمان البلاد ذي المقاعد الـ543، لا يفصله عن الأغلبية سوى عدد صغير من المقاعد؛ وكان ذلك أكبر فوز لحزب «المؤتمر» منذ 20 عاماً. أما تحالف «بهارتيا جاناتا»، الذي يتزعمه «إيل. كي. أدفاني» البالغ 81 عاماً والملقب بـ»الرجل الحديدي» لموقفه الصارم ضد الإرهاب، فحصل على 160 مقعداً. وفي هذا الإطار قال «آرون جايتلي» القيادي في «بهارتيا جاناتا» بمقر الحزب في العاصمة حيث بعض الأنصار يأخذون قسطاً من الراحة في وقت كانت الحرارة تضرب أطنابها وقت الظهيرة: «إن بهارتيا جاناتا يقبل بتفويض الشعب الهندي». ولأن الهند، التي تعد حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة، محاطة بعدم الاستقرار من كل جانب - تقوي شوكة «طالبان» في باكستان، وانهيار الحكومة التي يقودها الماويون في النيبال، وحرب أهلية في سريلانكا – فإن بهارتيا جاناتا سعى، باستعمال ما يسميها الخبراء «ورقة الإرهاب»، لتقديم نفسه في صورة «الحزب القوي القادر على تشكيل حكومة صارمة»، حيث أظهرت إعلانات الحملة «أدفاني» العجوز، وهو يرفع الأثقال في قاعة رياضية. كما أطلق حزبُه أيضا أكبر حملة إنترنت والرسائل النصية في الهند. غير أن حزب «المؤتمر» استفاد على ما يبدو من خمس سنوات من النمو الاقتصادي الذي اقترب من رقمين، والتنازل عن الديون المستحقة على المزارعين، والأرز الرخيص، وبرامج العمل التي تستهدف المناطق الريفية الواسعة في الهند حيث تعيش أغلبية السكان وحيث معظم الناس يقولون إنهم يهتمون بالمدارس أكثر من الأمن. ويقول «دفيجاي سينج»، أمين عام حزب «المؤتمر»، مستعملا شعاراً اشترى الحزبُ حقوقَ استعماله من أغنية الفيلم الحائز على جائزة الأوسكار «سْلام دوج مليونير» : «جاي هو» للبلد، و«جاي هو» للفقراء، و«جاي هو» لمنموهان سينج». وتعني «جاي هو» في اللغة الهندية «ليكن النصر حليفَ» وقد حقق حزب «المؤتمر» انتصاراً كاسحاً في هذه الانتخابات، ولاسيما في ولاية أتار براديش التي تعد أكبر ولاية من حيث عدد السكان. ومن بين أكبر الفائزين «راهول غاندي»، الذي من المتوقع أن يرث زعامة حزب «المؤتمر» والبالغ 38 عاماً. وكان غاندي، وعلى غرار نجوم الروك، قد جاب ولايات البلاد، مانحا الهند زخماً جديداً ومستقطِبا الحشود التي كانت تتدافع لالتقاط الصور له بواسطة هواتفها النقالة. وإجمالا، حضر غاندي نحو 120 تجمعا، أي ضعف ما حضره سينج أو والدته سونيا غاندي، رئيسة الحزب، بثلاث مرات. وعلى نحو متزايد، يُنظر إلى غاندي باعتباره رئيس وزراء الهند المستقبلي مثلما ينظر إلى الانتخابات باعتبارها بداية لصعوده. فيوم السبت، أعلن رئيس الوزراء أنه سيُقنع «راهول غاندي» بالانضمام إلى الحكومة، إلا أنه من غيرالمعروف حتى الآن الوزارة التي سيتولاها. وقال غاندي: «مهتمي كما أراها اليوم هي تغيير الحياة السياسية في البلد من خلال الشباب». وخارج مقر حزب «المؤتمر» في نيودلهي كان أنصار شباب يهتفون ويدعون إلى تنصيب غاندي رئيسا للوزراء منذ الآن، ولكن تلك فكرة يرفضها غاندي. وقالت «فرضانة مالك»، وهي فتاة في السادسة والعشرين من عمرها كانت ترتدي ثيابا بيضاء – رمز الحزب- وتقف بالقرب من خريطة للهند شكِّلت من الزهور: «أريد أن يكون الجميع مثل راهول غاندي. أنا مسلمة وأعتقد أن حزب المؤتمر سيحمينا، خلافا لبهارتيا جاناتا الذي يقتات على الغضب».
إيميلي ووكس - نيودلهي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»