في الأسبوع الماضي وفي مؤتمر «ميلكين جلوبال 2009»، الذي ينظمه معهد «ميلكين جلوبال» المرموق للبحوث والدراسات ومقره «سانت مونيكا»، بولاية كاليفورنيا، ناقش ثلاثة من العلماء الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد الركود الاقتصادي الحالي وخلصوا إلى الآراء التالية: يرى «جاري بيكر»، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1992، وأستاذ الاقتصاد وعلم الاجتماع الحالي بجامعة شيكاغو، أن من الأشياء التي تبعث عن الاكتئاب بالنسبة للأزمة الحالية، تلك المحاولات المستمرة من قبل كثيرين لمقارنتها بالكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، في حين أنه لا يوجد وجه شبه بين الحالتين. فمن بين 80 مليون منزل في الولايات المتحدة في الوقت الراهن، هناك 27 مليون منزل مملوكة بشكل كامل وليست مرهونة، و 46 مليون منزل يقوم أصحابها بسداد أقساط الرهن العقاري المترتبة عليها بانتظام، أما المتأخرون في سداد أقساط الرهن فلا يزيد عددهم عن 5 -6 ملايين شخص مقارنة بـ50 مليون شخص كانوا متأخرين عن سداد أقساط رهنهم إبان الكساد الكبير في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي. وفي عام 1929، كانت نسبة البطالة 3 في المئة، وفيما بعد وصلت إلى 25 في المئة وكان متوسط النسبة طيلة عقد الثلاثنييات 17 في المئة. أما في أزمة اليوم، فقد بدأنا بنسبة بطالة 4.5 في المئة العام الماضي وصلت الآن إلى8.5 في المئة، وقد تصل إلى 11 أو12 في المئة، ولكن ليس هناك من يعتقد ـ طالما لم تعمد واشنطن إلى اتخاذ قرارات غبية - أن معدل البطالة سوف يتجاوز هذا الرقم. أما الناتج القومي الإجمالي فقد هبط بنسبة 1 أو2 في المئة، وقد يهبط بنسبة 2 في المئة إضافية أو أكثر، وهي نسبة لا تقارن بنسبة الهبوط إبان الكساد العظيم التي وصلت إلى20 في المئة. صحيح أننا في حالة ركود في الوقت الراهن، ولكن يجب علينا ألا نتصرف أبدا وكأننا في حالة كساد. يمكننا بشكل عام القول إن المريض ـ بشكل عام ـ في حالة جيدة، وأن اقتصاد السوق الحر، شأنه في ذلك شأن الكائن البشري، يتمتع بقدرات هائلة على التعافي. أما «روجر مايرسون» الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2007، وأستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو أيضاً، فيقول إن من حسن الطالع أن الركود الاقتصادي الحالي لا يقارن بالكساد الذي ساد في ثلاثينيات القرن الماضي، وخصوصاً من ناحية تداعياته الجيوـ سياسية. صحيح أن هناك العديد من مظاهر المعاناة، ولكن الشيء المؤكد أنه لا توجد شواهد على أن هذا الركود سوف يؤدي إلى صعود حركات سياسية تنتهج أسلوب العنف إلى سدة السلطة - وهو الشيء الذي يخشاه كثيرون - كما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي على سبيل المثال عندما صعد النازيون إلى سدة السلطة في ألمانيا عقب الكساد الذي ساد آنذاك في هذا البلد. وفي تقديري أنه لا توجد ثمة علاقة بين الركود الاقتصادي، وبين صعود الحركات السياسية العنيفة إلى سدة السلطة، لأن صعود النازيين لحكم ألمانيا كان نتيجة للحماقات الدولية التي فرضت على ألمانيا دفع تعويضات باهظة عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، ولم يكن واحداً من تداعيات الكساد الاقتصادي. أما«مايرون شولز» الحاصل على جائزة نوبل عام 1997ورئيس مجلس الإدارة الحالي لشركة «بلاتينوم أسيت مانيجمينت» فيري أن هناك بعض أوجه الشبه بين الوضع الحالي وبين الكساد الكبير وهو أننا قد ووجهنا في الحالتين بنفس المشكلة الثنائية وهي: الحاجة إلى تخفيض المديونية من خلال تدخل الدولة وشرائها للأصول المتعثرة، وتقليص المخاطر المقرونة بالانكماش وانخفاض أسعار الأصول. وهذا يعني أنه يجب أن نكون قادرين على المحافظة على ثبات أسعار الأصول، لأن تلك الأسعار لو واصلت الهبوط، فستكون هناك حاجة إلى عملية تخفيض إضافية للمديونية، من خلال تدخل الدولة للبقاء في حالة القدرة على إيفاء كافة الديون. وبالإضافة للأزمة المالية، يوجد لدينا أيضاً حالة هبوط في الاستهلاك، حيث يميل الناس في مثل هذه الظروف للتشبث بما لديهم من نقود، بسبب عدم اطمئنانهم للمستقبل، وهو ما يؤدي بالطبع إلى هبوط متتال في الاستهلاك، تماماً مثلما حدث إبان الكساد الكبير. وليس من الواضح حتى الآن إلى أي حد سوف يمضي الاتجاه النزولي الحالي في الاستهلاك. من المهم بالنسبة لنا أيضاً أن ندرس الأسباب التي أدت إلى وقوعنا في الأزمة المالية الحالية. مؤخرا قال»آلان جرينسبان» إنه قد ارتكب خطأً «عندما افترض أن دواعي المحافظة على المصلحة الذاتية في كل مؤسسة من المؤسسات، وخصوصاً في القطاع المصرفي، سوف تكون قوية للدرجة التي ستدفعها تلقائياً لحماية حملة الأسهم والسندات بها». اعتقد أن «جرينسبان» قد تسرع عندما قال إن البنوك وغيرها من الكيانات المالية لم تتحسب بشكل كافٍ للمخاطر المحدقة بها.فعندما تحين لنا الفرصة لدراسة هذه الأزمة بقدر أكبر من التفصيل، فإنني أعتقد أن استخدام الضوابط المالية، وتطبيق إجراءات إدارة المخاطر، كان إجراءً مطبقا بالفعل في مؤسسات معينة.. وأن السبب الرئيسي فيما حدث هو أن كل مؤسسة من المؤسسات التي تهاوت كانت حريصة على اتباع سياسات معينة للمحافظة على مصالحها، ولكن المشكلة كانت هي أن تلك السياسات كانت في حالات كثيرة قصيرة النظر، ولم تأخذ في الحسبان التداعيات التي يمكن أن تترتب عليها في المدى البعيد. والمشكلة التي عانينا منها هو أننا قد قمنا بتقييم المخاطر المجمعة للنظام بأكمله بناء على ماكان كل بنك يقوم به على نحو مستقل. وبسبب هذا الافتقار للتنسيق، لم نتمكن من الحصول على المعلومات التي تبين لنا أن المجموع الكلي للمخاطر، كان أكبر بكثير من كل مخاطرة فردية على حدة. لقد كانت كل وحدة، وكل كيان، يأخذ في حسبانه تعظيم مكانته المالية الخاصة بمعزل عن المكانة المالية للنظام بأكمله. ومما ساعد على تفاقم هذا الوضع هو أن «حلقات المردود أو العائد» التي يفترض أنها تساعد على توضيح بعض الصعوبات التي تحدث داخل الأنظمة المعقدة، كما تستخدم أيضا في عمليات تقييم الأداء، قد لعبت هي أيضا دورا في تعزيز السلوكيات الخاطئة بدلا من أن تدق أجراس الإنذار. جاري بيكر حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1992، أستاذ الاقتصاد وعلم الاجتماع بجامعة شيكاغو روجر مايرسون حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2007، أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو مايرون شولز حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1997رئيس مجلس إدارة شركة «بلاتينوم أسيت مانيجمينت» ينشر بترتيب خاص مع «تريبيون ميديا سيرفيس»