سباب الناس والوقوع في أعراضهم
? لي صديق يكثر من السب والشتم خصوصاً أثناء قيادة السيارة، حاولت تنبيهه إلى ما في ذلك من خطأ، و استجاب بشكل ملحوظ، ولكن المشكلة هي تفسيره لبعض الشتائم، حيث يحدث أنه يشتم في بعض الأحيان شتماً فاحشاً، وعندما أقول له: إنه لا يجوز ذلك ومن باب إعطاء الموضوع رهبة أكثر في نفسه أقول له: حرام عليك هذا يدخل تحت باب القذف أو قذف أعراض الناس، فيرد علي كلامي بأنه لا معنى لهذه العبارة ولا تحمل أي معنى سيئ، لذا أرجو من حضرتكم توضيح الأمر وتوجيه النصيحة؟
- أجاب عن هذا السؤال المركز الرسمي للإفتاء بالدولة قائلاً: إن المسلم كريم النفس، عالي الخلق، عفيف اللسان بحيث يصون لسانه عن الفحش والبذاءة، يكثر الصفح والعفو عن زلات الناس، ويقيل عثراتهم، ويغض الطرف عن هفواتهم، لا يلتمس لهم الأخطاء ليكيل لهم السباب والشتائم، وكيف لا يكون ذلك والله سبحانه وتعالى نهانا عن سب المؤمنين وشتمهم وإيذائهم؟ فقال سبحانه وتعالى: “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤمِناتِ بِغَيْرِ ما اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتاناً وَإثْماً مُبِيناً”الأحزاب:58، وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ “، متفقٌ عليه.
والله عز وجل لا يحب سوء الخلق، فالسباب والشتائم تتنافى مع أخلاق المؤمنين، حتى لو كان ذلك موجها إلى غير المسلم، فقد روى مسلم عن مُعَاوِيَة رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشاً وَلَا مُتَفَحِّشاً، وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقاً”.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: فِيهِ الحثّ عَلَى حُسْن الخُلُق، وَبَيَان فَضِيلَة صَاحِبه، وَهُوَ صفَة أَنْبِيَاء اللَّه تَعَالَى وَأَوْلِيَائِهِ، قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ: حَقِيقَة حُسْن الخُلُق بَذْل المعْرُوف، وَكَف الْأَذَى، وَطَلَاقَة الْوَجْه، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رحمه الله: هُوَ مُخَالَطَة النَّاس بِالجَمِيلِ وَالْبِشْر، وَالتَّوَدُّد لَهُمْ، وَالْإِشْفَاق عَلَيْهِمْ، وَاحْتِمَالهمْ، وَالحِلْم عَنْهُمْ، وَالصَّبْر عَلَيْهِمْ فِي المَكَارِه، وَتَرْك الْكِبْر وَالِاسْتِطَالَة عَلَيْهِمْ، وَمُجَانَبَة الْغِلَظ وَالْغَضَب، وَالْمُؤَاخَذَة.
وروى الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “الحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ وَالْبَذَاءُ مِنْ الجَفَاءِ وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ”، قال الإمام المناوي رحمه الله في فيض القدير: (والبذاء) بذال معجمة ومد: الفحش في القول (من الجفاء) بالمد أي الطرد والإعراض وترك الصلة والبر (والجفاء في النار) يوضحه قوله في خبر آخر وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم”، وقال الإمام الطحاوي رحمه الله في مشكل الآثار: وَمَعْنَى الْبَذَاءِ فِي النَّارِ هُوَ أَهْلُ الْبَذَاءِ فِي النَّارِ لِأَنَّ الْبَذَاءَ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا المُرَادُ بِذِكْرِهِ مَنْ هُوَ فِيهِ.
وأخرج أحمد والترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء”، وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش المتفحش”، قال الإمام المناوي رحمه الله في فيض القدير: قال القرطبي الفاحش المجبول على الفحش الذي يتكلم بما يكره سماعه مما يتعلق بالدين أو الذي يرسل لسانه بما لا ينبغي وهو الجفاء في الأقوال والأفعال والمفتحش المتعاطي لذلك المستعمل له وقيل: الفاحش المتبلس بالفحش والمتفحش المتظاهر به لأنه تعالى طيب جميل فيبغض من لم يكن كذلك.
وليعلم هذا وأمثاله ممن يسارعون في سب الناس والوقوع في أعراضهم أنهم يجلبون السب والشر إلى آبائهم وأمهاتهم بسبِّهم لِغيرهم، وليعلم أيضاً وليتذكر أنه سيقف بين يدي الله تعالى، وسيحاسبه على سبابه للناس وكلامه في أعراضهم، وسيشهد عليه لسانه وجوارحه وستقر عليه بما فعل، وسيكون الوفاء عندها من حسناته في وقت يكون في أمس الحاجة إلى حسناته، حتى إذا نفدت حسناته ولم تف بحقوق الناس أُخذ من سيئاتهم فحملت عليه فطرحته في النار.
فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: المفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ”، قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: وَإِنَّمَا حَقِيقَة الْمُفْلِس هَذَا الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث فَهُوَ الْهَالِك الْهَلَاك التَّامّ، وَالْمَعْدُوم الْإِعْدَام الْمُقَطَّع، فَتُؤْخَذ حَسَنَاته لِغُرَمَائِهِ، فَإِذَا فَرَغَتْ حَسَنَاته أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتهمْ، فَوُضِعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّار فَتَمَّتْ خَسَارَته وَهَلَاكه وَإِفْلَاسه.
فعليه أن يتوب إلى الله من ذلك، وليبتعد عن الأسباب المحرضة له في ذلك وليراقب الله تعالى وليخش عذابه وليعمر قلبه بمحبة الله تعالى وذكره والخوف من عذابه، لأن النفس لا تنتهي عما هي عليه من الذنوب حتى يكون لها زاجر، ولا يكون الزاجر إلا ذاتياً من النفس والزاجر الذاتي هو الخوف من الله تعالى ومن عذابه، وقد قال بعضهم: (لا تنتهي النفس عن غيها ما لم يكن لها منها زاجر)، والله أعلم.
.................................
شروط استجابة الدعاء
? هل يستجيب الله لمن يدعو عليّ وعلى أولادي بالسوء، وأود أن أعرف الجواب بدليل من السنة أو من كتاب الله، وشكراً؟
- أجاب عن هذا السؤال المركز الرسمي للإفتاء بالدولة قائلاً: من أسباب استجابة الدعاء أن لا يدعو الداعي بإثم أو قطيعة رحم، فقد ورد في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء”.
قال العلامة ابن عبد البر في التمهيد:(.. وقد قالوا: كرم الله لا تنقضي حكمته، ولذلك لا تقع الإجابة في كل دعوة، قال الله عز وجل {“وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ” المؤمنون: من الآية71. قال العلامة القرطبي رحمه الله في تفسيره:(...أي بما يهواه الناس ويشتهونه لبطل نظام العالَم؛ لأن شهوات الناس تختلف وتتضادّ). والله سبحانه وتعالى كريم لا يظلم أحداً، ولذا فإن الله يجيب دعوة المظلوم وليس دعوة الظالم.
قضاء دين الميت بأقساط من الراتب التقاعدي
? توفي أحد الأقارب وعليه أقساط من ديون حكومية، ويتم سحب هذه الأقساط من راتبه التقاعدي، فهل على أهله تسديد الدين كاملاً عند وفاته حتى لا يبقى مرهوناً في دينه، أم أن تسديد الدين بأقساطه المقررة أصلاً يكفي؟
- أجاب عن هذا السؤال المركز الرسمي للإفتاء بالدولة قائلاً: من المعروف أهمية قضاء الدين عن الميت، ففي سنن الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه”، قال العلامة ابن حجر رحمه الله في شرحه لصحيح البخاري إن المراد بهذا الحديث هو: (من لم يترك عند صاحب الدين ما يحصل له به الوفاء). وعلى هذا فلا حرج إن شاء الله على هذا الميت في هذا الدين ما دام الوفاء به مبرمجاً على الراتب التقاعدي حسب النظام المعمول به في الدولة، والله أعلم.