تغيب الكثير من القضايا الاجتماعية عن مجال اهتمام الكتاب والباحثين بسبب سيادة نمط معين من التفاعل مع القضايا والمشكلات الاجتماعية، ليس على مستوى المهتمين فقط وإنما على مستوى المجتمع كذلك. وتكاد تنحصر إسهامات المثقفين أو الباحثين في ملامسة قشور القضايا دون الغوص فيها، وقد يكون نمط التفاعل في الاتجاه المقابل على مستوى الفرد والمجتمع سبباً في ذلك، إذ كيف يجرؤ الباحث أو الصحفي على الغوص في قضايا يحاول أصحابها إما الهروب من مواجهتها أو تجميلها بإضفاء أي تفسير يخلصون من خلاله إلى تجاهلها، غير أن هذا الهروب بمستوياته وأشكاله المختلفة لم ولن يضيف إلى الملف الاجتماعي سوى المزيد من المآسي. مثلاً لا تزال معظم مشكلات الحياة الزوجية لا تشكل سوى استفسارات نقف عاجزين أمام محاولة البحث عن إجابات شافية لها. وحتى حينما ندعي أننا قد توصلنا إلى مفاتيحها فإننا سرعان ما نكتشف أننا ندور حول الفكرة وليس فيها. إن هذه الضبابية التي نغلف بها مشكلاتنا والتي تفضي إلى استنتاجات في حدها الأعلى مشوشة قد نختصر أسبابها بهيمنة مفردتي (العيب والحرام) اللتين تلعبان في واقعنا دوراً معوقاً لأي إسهام جاد في هذا الاتجاه. فما ليس محرماً الحديث فيه قد يكون عيباً، ولذا كنا أبعد ما نكون عن ذواتنا على الرغم من الحاجة الملحة لدى المعتقلين في ثقافة العيب لمن يخوض المعركة بالنيابة عنهم. فالطلاق بخلاف ما أتحفتنا به الدراسات التي تناولته ليس أهم مشكلات الحياة الزوجية، بل ربما يكون في كثير من الأحيان الحل السليم على الرغم من آثاره السلبية. وليس من قبيل المبالغة اعترافنا بأن المشكلات المسكوت عنها تفوق بكثير تلك التي نتناولها بالبحث، وأن أبواب بيوتنا المقفلة تخبئ خلفها معتقلين ومعذبين من كلا الجنسين أزواج وزوجات وثمرات الزواج من الأبناء. إن التساؤل المهم حول هذه الظاهرة هو: لماذا يعود الأزواج، إذا ما حاولوا إصلاح الخلافات فيما بينهم، إلى نقطة الصفر في نقاشاتهم ومواجهتهم للمشكلة؟ باعتقادي أن هنالك خللاً يقع ضحيته طرفا الخلاف ربما يكمن في التصور المسبق لعش الزوجية والذي سرعان ما يتكشف لهما أنه الفخ. ولو حاولنا أن نحصر دوافع الجنسين لاتخاذ قرار الزواج فإن أولها في المجتمعات المحافظة هو دافع إشباع الرغبة الجسدية، ونظراً لارتباط هذا الدافع بميول عاطفية فإن هذا يعمل على تنحية الشروط الأخرى من دائرة اهتمامهما، ولذا نجد تكرار مقولة (كنت أحبه أو أحبها قبل الزواج ولا أعرف ماذا حصل بعده). وتفسير ذلك هو أن الرغبة الآنية عندما تشبع يعبر عنها بمحاولة البحث عن روابط روحية أو وجدانية أخرى، وإن لم تكن موجودة تكون النهاية التي لا يشترط ارتباطها بطلاق فعلي. وقد تكون محاولات الفرار الحركي وغير الحركي أول مؤشراتها، أما محاولة أحد الطرفين امتلاك الطرف الآخر فغالباً ما يتعلق بعدم قدرة أحدهما على نحت عالمه الخاص. ولأن وسائل البحث عن الذات متاحة لدى الرجل أكثر من المرأة، فإن المرأة غالباً ما تتجه لمحاولة إعادة الزوج إلى القفص، وقد تستخدم وسائل عديدة لهذا الغرض، منها إمطاره بسيل من الاتهامات بعدم اهتمامه بها، أو المزيد من التعلق به أملاً في استعادة الصورة أو ربما بدفعه لمواصلة الهروب كلما ازدادت توتراً وإصراراً. مما لا شك فيه أن أحد دوافع الزواج الأخرى يتعلق برغبة كليهما أيضاً في تأسيس مملكته الخاصة وفي حلمهما باستبدال الدور والتخلص من سلطة الأسرة، غير أن أشكالاً أخرى من السلطة تظهر على السطح، فالزوج صورة أخرى من أي سلطة أبوية، إلا أنه قد يفاجأ بأن الزوجة لا تتقن دور الأم بالصورة التي يريد، وهنا تبدأ ملامح خلاف قد يؤدي إلى شكل من أشكال الفرار. وفي معظم الأحوال يبتعد الزوجان عن المحكات الأكثر حساسية وأهمية في الحوار، ولذا يعودون- كما نعود دائماً في نقاشاتنا- إلى نقطة الصفر لنبدأ الكرة من جديد. خولة سعيد