تدهورت أحوال هيئة السكك الحديدية الألمانية الحكومية المسماة “دويتش بان”، ويشكو كثير من سكان برلين على وجه الخصوص من خدماتها ومن انتظارهم لساعات في أجواء ما قبل أعياد الكريسماس الجليدية لقطارات أو من تأخر حركتها في سائر أنحاء ألمانيا، ويلتمس موظفو الهيئة كل أنواع الأعذار المقدمة أحياناً وغير المقنعة غالباً. ويعزى ذلك إلى أن “دويتش بان” لم تستثمر في بنيتها الأساسية بالقدر الذي استثمرت وتوسعت خارج ألمانيا سعياً منها لتحقيق أرباح تتيح لها الاستعداد لإجراء عملية خصخصة جزئية. حتى الآن في غير مقدور قطارات الركاب في برلين أن تتجاوز 60 كيلومتراً (40 ميلاً) في الساعة لأسباب مشاكل الصيانة الشتوية. غير أنه من المنتظر أن تتحسن الأحوال بعد أن أصدرت محكمة العدل الفدرالية قراراً في 8 فبراير الجاري. تأتي معظم إيرادات هيئة “دويتش بان” من خلال كيانها الموسع (فهي الهيئة التي تشغل حافلات وسفناً وخدمات لوجستية وبريدية بجانب القطارات في العديد من البلدان) من تشغيل وسائل النقل والخطوط البرية والسكك الحديدية في ألمانيا ذاتها. غير أنها توجهت أيضاً إلى استثمار إيراداتها خارج ألمانيا. ففي خلال العقد الماضي اشترت “دويتش بان” شركتي نقل بضائع هما شنكر وباكس جلوبال، كما اشترت شركات سكك حديدية في بريطانيا. وفي العام الماضي على سبيل المثال استحوذت على “ارايفا” الشركة البريطانية التي تشغل قطارات وحافلات مقابل 1,6 مليار جنيه استرليني (2,3 مليار دولار)، كما أنها تشغل قطارات نقل بضائع في معظم أنحاء أوروبا ولها أيضاً شركة تآلف في قطر. ويعزى إهمال “دويتش بان” لبنيتها الأساسية في المقام الأول إلى رئيسها التنفيذي الأهوج هارتموت ميدورن الذي مكث في منصبه لعشر سنوات تقريباً إلى أن أجبرته فضيحة عام 2009 على الاستقالة. ولم تحصل تشغيل القطارات على الأسبقية التي حصل عليها تحويل “دويتش بان” إلى شركة خدمات لوجستية عالمية وأيضاً إلى الاستعداد لخصخصة جزئية. وقد تم حالياً تقزيم كلا المشروعين وخصوصاً مشروع الخصخصة. صحيح أن الخصخصة ما تزال في جدول أعمال الحكومة، إلا أن شبكة السكك الحديدية التي تعد احتكاراً حكومياً طبيعياً ستظل في يد الدولة. وقد تعهد بيتر رامسوار وزير النقل الفدرالي باستثمار 3,9 مليار يورو في الشبكة هذا العام، ما يساوي تقريباً إيرادها السنوي. ومن المرجح أيضاً أن يعمل قرار المحكمة الفدرالية الألمانية على تطوير القطارات الألمانية. إذ يقضي هذا القرار بما سيجعل “دويتش بان” تواجه منافسة هيئات النقل الإقليمية. ففي نزاع حول عقد بين الشركة وإحدى هذه الهيئات التي تشغل خطوط سكك حديدية في شمالي إقليم راين ويستفاليا الأكثر كثافة سكانية في ألمانيا قضت المحكمة بأن تطرح عقود السكك الحديدية الإقليمية مستقبلاً للمناقصات العمومية مع استثناء العقود التي يتم إبرامها للمرة الأولى. وكان المتبع فيما مضى أن تتم معظم تلك العقود بالاتفاق المباشر، وهو الأمر الذي حجم التنافسية لسنين. يطال هذا القرار القضائي أكثر من 100 عقد يحين تاريخ تجديدها في السنوات الخمس المقبلة. وتشير “دويتش بان” إلى أن مشغلين منافسين يتفاوضون فعلاً على عقود إقليمية ونجحوا في الفوز بسبعة عقود من أصل 12 عقداً. غير أن هذا القرار سيعني أن شبه احتكار “دويتش بان” للمواصلات الإقليمية (حيث تبلغ حصتها 88 في المئة” أن تتضاءل جداً سريعاً. ومن شأن ذلك التطور تقليص ربحية “دويتش بان” رغم تعذر فصل أدائها عن حزم الدعم التي تحصل عليها التي تشمل استثمارات مدعومة بمنح حكومية مثل المخصص السنوي لشبكة السكك الحديدية البالغ 2,5 مليار يورو. كما أن الحكومة تعطي الأقاليم والولايات الألمانية 7 مليارات يورو في السنة لدعم عقود السكك الحديدية الإقليمية. نقلاً عن “ايكونوميست” ترجمة عماد الدين زكي