أعجوبة الصداقة بين الطبيعة والصناعة
تطحننا المدن·· وتعصف بنا مشاكل العصر·· نبحث عن رومانسية الحياة، عن جمال الطبيعة المفقود خلف صلابة المباني·· وننسى أن الطبيعة معطاء من دون حدود وأنها ما زالت تهبنا الجمال حتى وإن شيدنا المصانع!
رحلتنا اليوم تمر بجوار إحدى أكبر المدن الصناعية في الدولة، مدينة مصفح الصناعية، لنتجاوزها ذاهبين إلى عمق الصحراء عبر طريق شاحنات العين - أبوظبي متخطين امتدادا أبيض لتراب يمتد كمارد نائم يتحدى من يوقظه، وشارع إسفلتي أسود يخترق الصحراء نمضي فيه غير مصدقين أن هناك وراء امتداد الكثبان الممتدة تنام طبيعة عذراء·
في عام ،1982 بدأ هذا المكان بالظهور نتيجة ضخ كميات هائلة من المياه من محطة معالجة مياه الصرف الصحي بالمفرق، لتتكون بحيرة صغيرة كبرت عاما بعد عام على مساحات من الأرض السبخة بالمنطقة القريبة من المحطة، وأسهم ارتفاع شارع الشاحنات القريب في حجز المياه وتكوين البحيرات لتشكل من المكان منطقة جاذبة للحياة الفطرية ويصبح في فترة وجيزة مأوى لأنواع كثيرة من الطيور معلنا ولادة ''محمية الوثبة الطبيعية''·
جمال الطبيعة
لا نعرف بالضبط متى حل أول طائر هنا، ولا ندري أهي الغريزة أم الانبهار ما قاد السرب الأول من الطيور لينزل في هذا المكان، لكن الحقيقة أنك لو كنت طيرا- عزيزي القارئ- لما اخترت مكانا أفضل من هذا لتقضي الشتاء فيه!
فهذه المحمية التي تبعد (40 كم) جنوب شرق أبوظبي تزدهر بحياة فطرية جميلة هذبتها يد الإنسان وأفرزتها مياه المصانع القريبة في تمازج غريب بين الصناعة والطبيعة، فيها بحيرات سطحية طبيعية واصطناعية وتحفها شجيرات خضراء كثيفة تصدمك للوهلة الأولى لأن الطريق للمحمية يبدو أجرد خاليا إلا من شجيرات صحراوية متناثرة قضى الرعي على معظمها، بينما أحيطت الشجيرات في المحمية بعناية فائقة وترتيب خاص لتضفي سحرا خاصا على المكان·
يمضي الزائر مأخوذا بضخامة البحيرة التي تمتد على مساحة كيلومترين كاملين، وبتنوع الطيور التي تحوم في المكان، فالمحمية ملجأ لأكثر من 230 نوعا من أنواع الطيور (وهو ما يساوي أكثر من نصف الأنواع المسجلة في الإمارات) تعتمد على البحيرة والمناطق الرطبة حولها للاستراحة أو التغذية أو التكاثر، كما أن المحمية من المواقع المهمة في الدولة لتكاثر طائر أبو مغزل وطائر الزقزاق الاسكندراني·
ويستمتع محبو الطبيعة بمنظر الفلامنجو وهو يتناول الروبيان الملحي، ومراقبة الطيور من أعلى نقطة في المحمية ويمكن كذلك زيارة البحيرة العليا لمشاهدة البط والفراشات·
إعلان المحمية
تعيش طيور المحمية بهدوء فيها بعد أن منحت محمية الوثبة عام 1998 الحماية الكاملة بتوجيه من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث تم تسويرها وحمايتها ومراقبتها بصورة متواصلة للتقليل من الإزعاج، وتوفير الحماية الكاملة للطيور المهاجرة· وفي عام 1999 اشتهرت المحمية بشكل عالمي بعد أن سجلت كأول موقع تنجح به عمليات تكاثر طيور الفلامنجو في شبه الجزيرة العربية منذ عام ·1920
تخضع محمية الوثبة الطبيعية لإشراف كامل من هيئة البيئة والحياة الفطرية في أبوظبي التي تولت إدارة المحمية وفي عام ،2002 بتنفيذ برنامج لمراقبة الطيور في المحمية مرة كل أسبوعين في إطار جهودها للحفاظ على طيور الفلامنجو التي تعيش في مجموعات يصل عدد أفرادها إلى أكثر من 100 طائر تسكن أطراف البحيرات وفوق المياه الراكدة·
وقبل عام تقريبا افتتحت المحمية مركزا حديثا للزائرين يوفر مواد للتوعية وساحات للتنزه وممرات للمشي ومشاهدة معالم المحمية، وتم وضع لوحات تحمل أسماء ومعلومات عن 40 نوعا من النباتات المختلفة الموجودة في المحمية بهدف زيادة الوعي البيئي· سمحت هيئة أبحاث البيئة للجمهور بزيارة المحمية في الفترة ما بين أكتوبر ومارس من كل عام شريطة الحصول على تصريح مسبق من هيئة البيئة من دائرة التعليم والتوعية البيئية للطلبة الراغبين بزيارة المكان، أو من مركز بحوث البيئة البرية بالنسبة للأشخاص والفئات الأخرى،إلا أنه لا يسمح بالزيارات العشوائية، ويجب أن تكون الزيارات محددة المواعيد بشكل مسبق·