حوار- بسام عبد السميع
مستقبل الاقتصاد الصيني.. حروب التجارة الأميركية.. رفع العقوبات المفروضة على إيران.. الدور الروسي.. مستقبل النفط الصخري، عوامل دفعت أسواق النفط إلى دخول مرحلة التقلبات والتي لا تلوح في الأفق أية بوادر على تحسنها في المستقبل القريب، حيث تهيمن القضايا الجيوسياسية، وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي ومخاطر التقنيات الجديدة وفوائدها على الوضع الراهن في قطاع الطاقة، وفقاً لما قاله راندولف بيل، مدير مركز الطاقة العالمي في المجلس الأطلسي.
وأضاف في حوار مع «الاتحاد»، أمس، أنه على الرغم من أن أسعار النفط تعافت من أدنى مستوياتها التي شهدتها في عامي 2014 و2015، فإن التقلبات الأخيرة التي سببتها التوجهات الجيوسياسية والجيو اقتصادية السلبية أثارت سؤالاً، وهو: «ما الذي يحدث لأسعار النفط؟»، واصفاً تلك الفترة بأنها كانت رحلة جامحة ومحيرة للجميع داخل السوق وخارجه، وليس من المتوقع أن تتلاشى حالات عدم اليقين، فهي جزء من طبيعة السوق.
وقال مدير الطاقة العالمي: «دفعت حالة صعود مصادر الطاقة المتجددة، وثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة، إلى تجدد الأمل بأن تلعب العوامل الجيوسياسية دوراً أقل تأثيراً في منظومة الطاقة».
واستدرك بالقول: «ولكن، وكما تبين لنا خلال العام المنصرم، فإن الطاقة والعوامل الجيوسياسية متوازيان في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى، والسؤال الذي يتعين علينا الإجابة عليه في عام 2019 لا يتعلق بكيفية التخلص من الآثار التي تخلفها العوامل الجيوسياسية في قطاع الطاقة، بل في طريقة التعامل مع الفرص والتحديات التي نواجهها، وسيمثل ذلك المحور الرئيسي لمنتدى الطاقة العالمي المقرر انطلاقه هذا الأسبوع والذي ينظمه المجلس الأطلسي، وهو مؤسسة بحثية تتخذ من واشنطن مقراً لها.
الدوافع الأهم
وأوضح بيل، أنه على المدى القصير، فإن الدوافع الثلاثة الأهم تكمن جميعها في الولايات المتحدة: وهي العقوبات النفطية على إيران، والحرب التجارية مع الصين، وثورة النفط الصخري. وباعتبارها تمتلك أكبر اقتصاد وجيش في العالم، وأكبر منتج للغاز الطبيعي والنفط في العالم، فليس من المستغرب أن يكون للولايات المتحدة تأثير كبير في الأسواق والظروف الجيوسياسية، غير أن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في نظام الطاقة ما كان ليمثل مفاجأة لمراقبي شؤون السوق قبل عشر سنوات، عندما كان الإنتاج النفطي الأميركي في حالة هبوط حاد، وكانت الولايات المتحدة تقوم ببناء محطات لاستيراد الغاز الطبيعي المسال بدلاً من تصديره.
وعلى الرغم من أن الكثيرين توقعوا أن تؤدي العقوبات على إيران إلى رفع الأسعار، فإن أسعار النفط انخفضت بمقدار 30 دولاراً في أكتوبر الماضي، وذلك نتيجة لعدد من الإعفاءات من العقوبات بشكل مفاجئ، والوضع المستقبلي للاقتصاد الصيني في النزاع التجاري مع الولايات المتحدة، واستمرار النمو الملحوظ لإنتاج النفط الصخري الأميركي، بحسب بيل.
كما أن تخفيض الإنتاج الذي تعتزم منظمة أوبك القيام به – أي تخفيض الدول غير الأعضاء في أوبك لإنتاجها بمقدار 1.2 مليون برميل في اليوم - لم يترك أثراً كبيراً في السوق.
وأكد أنه من الآن فصاعداً، فإننا بحاجة لأن نراقب أثر رفع العقوبات المفروضة على إيران، والوضع الاقتصادي المتوقع في الصين، ومع انخفاض الأسعار إلى ما دون نقطة التعادل المالي لدى عدد من المنتجين (ما يزيد الضغط على تماسك التحالف)، سيجد المنتجون أنفسهم قريباً مضطرين إلى التخلي عن أولويات جيوسياسية وأخرى متعلقة بالسوق.
امتلاك التقنيات
وأضاف بيل، على المدى الطويل، فإن السباق من أجل امتلاك تقنيات الطاقة الجديدة سيساهم في إعادة تشكيل نظام الطاقة والنظام الجيوسياسي للقرن الحادي والعشرين بشكل جذري، إلا أن ذلك مرتبط بشدة بالسياسة العالمية، كما يتضح من خلال الاختلافات الأميركية مع الصين.
وقال:«على الرغم من أن تقنيات الطاقة الجديدة ستتمتع بإمكانات هائلة لتحسين الوصول إلى الطاقة وضمان أمن الطاقة مع الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فإنها تنطوي على إمكانية بدء عهد من التنافس التكنولوجي العالمي على طول خطوط الصدع الجيوسياسية».
ولفت إلى أن الميزة التي تكتسبها أولى الجهات السباقة في تطوير هذه التقنيات الجديدة ستكون أكثر أهمية من أي وقت مضى، ما سيحدو بالدول إلى دفع السياسات الصناعية من أجل ترسيخ ريادتها للتقنيات الرئيسية الناشئة، وسيكون الاستحواذ على السوق والتأثير في السوق من الأولويات الرئيسية في الوقت الذي يبدأ تسويق التقنيات الجديدة.
وفي الوقت نفسه، سيواجه الاندفاع وراء هذه التقنيات الجديدة تحديات موارد جديدة، حيث ستؤدي مركزية معادن الأرض النادرة والدول التي تمتلكها إلى ديناميكيات جيوسياسية جديدة، وسيكون لإدارة قيود الموارد والمنافسة على الوصول إليها خصائص مماثلة للتنافس على الوقود الأحفوري، ولكن مع درجة أكبر من المخاطرة.
وهنا وجدت كل من الولايات المتحدة والصين نفسيهما مرة أخرى على طرفي نقيض، ما أسفر عن منافسة عالمية تهدف من خلالها كل منهما إلى أن تكون الدولة «الأولى» التي تعيد تشكيل التحالفات والأسواق.
واختتم بالقول: «ستكون المواقع التي تبحث فيها الدول عن تقنيات نووية جديدة، وأنظمة التقاط الكربون، وشبكات الاتصال من الجيل الخامس، والبلوك تشين، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من تقنيات الطاقة النظيفة، خطوطاً أمامية في السياسة الفعلية نفسها التي ظن الكثيرون أنها ستنتهي».
ذروة الطلب
وقال مدير الطاقة العالمي:«من بين التحديات التي قد نواجهها على المدى الطويل، يبرز احتمال وصول الطلب على النفط إلى ذروته ثم يتراجع الطلب، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار مجموعة واسعة من الدول التي تعتمد على العائدات النفطية».
وأضاف: تسببت بيئة أسعار النفط المنخفضة مؤخراً في عدم استقرار كل من فنزويلا ونيجيريا، ما يوحي بأن بيئة «ذروة الطلب» ستجعل الدول المنتجة للنفط بتكلفة مرتفعة غير قادرة على المنافسة.
وتابع:«وعلى المستوى الأوسع، ستؤدي الإيرادات المحدودة من إنتاج النفط إلى تعميق العجز المالي وإذكاء عدم الاستقرار الداخلي، وفي بعض الدول، قد يتداخل ذلك مع العقد الاجتماعي الذي يدعم الاستقرار الداخلي».
ويستعرض المنتدى مستويات الطلب والابتكار في مجال الطاقة في منطقة شرق آسيا، مسلطاً الضوء على شراكات دول المنطقة مع شركاء عالميين، خاصة منطقة الخليج والتوجه لامتلاك تقنيات مبتكرة ودور الشراكات في إعادة صياغة منظومة الطاقة.
وينظم المجلس الأطلسي المنتدى بالشراكة مع كل من وزارة الطاقة وشركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك»، وشركة مبادلة للاستثمار، حيث سيكون جزءاً من فعاليات «أسبوع أبوظبي للاستدامة».
ويضم المنتدى مسؤولين حكوميين وخبراء في قطاع الطاقة وقادة فكر، لمناقشة جدول أعمال الطاقة عالمياً للعام الجديد، كما يحدد المنتدى التوقعات في قطاع الطاقة وكيفية الاستجابة للتغيرات الجذرية في هذا القطاع.
جهود عالمية للإمارات لضمان مستقبل الطاقة
أكد راندولف بيل، مدير مركز الطاقة العالمي في المجلس الأطلسي، أن الإمارات تبذل جهوداً حثيثة لضمان مستقبل الطاقة، حيث يتناول «أسبوع أبوظبي للاستدامة»، أبرز القضايا المتعلقة بالقطاع ضمن مناقشاته، وطرح العديد من الأفكار من نخبة واسعة من الخبراء والرؤساء التنفيذيين لأكبر شركات البترول العالمية. وينطلق السبت المقبل وعلى مدار يومين، «أسبوع أبوظبي للاستدامة»، برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مستعرضاً مستقبل النفط، والتحول الرقمي للقطاع والتنوع في شركات الطاقة والدول المنتجة لها.
فرص النمو لتنويع الموارد الاقتصادية
قال راندولف بيل: تسعى بعض الدول بشكل استباقي إلى تنويع اقتصاداتها، لافتاً إلى أن الإمارات، على سبيل المثال، تركز بشكل متزايد على منتجات البتروكيماويات، حيث ترى فرصاً لنمو الطلب حتى مع تراجع دور النفط كوقود لوسائل النقل.
وأضاف:«في خضم كل هذه التقلبات، يصبح خطر التغير المناخي أكثر واقعية كل عام، وعلى الرغم من أن إجراءات التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة غير متساوية وغير متسقة، إلا أن تأثيرات التغير المناخي، والإجراءات المتخذة للتخفيف منها، وسياسات المفاوضات الدولية بشأن المناخ، سيكون لها تداعيات جيوسياسية.