المحاكم تتصدر الثقافة المصرية عام 2007
جرت مياه كثيرة في بحر الثقافة المصرية خلال عام 2007 وتراوحت بين المد والجزر والنشاط والخمول، وكانت حركة النشر أكثر نشاطاً خلال العام المنقضي وعاد الكتاب السياسي والتاريخي للمنافسة ولم تعد الساحة قاصرة على كتب التراث والدراسات الإسلامية· وحظيت كتب السير والمذكرات بمكانة كبيرة في حركة النشر خلال العام 2007 واستمرت معارك المثقفين والأصوليين حول المصادرة لبعض الكتب والابداعات الأدبية·
''أولاد حارتنا'' في مصر
بدأ عام 2007 بحدث ثقافي انتظره والمثقفون المصريون بل قاتلوا من أجله قرابة نصف قرن، وهو صدور الطبعة المصرية من رواية نجيب محفوظ ''أولاد حارتنا''، كان محفوظ قد كتب الرواية عام 1957 ودفعها لتنشر فصولا على صفحات جريدة ''الأهرام'' عام 1959 وبعد عدة حلقات ظهر لغط حول الرواية بأنها تنطوي على مساس بالأنبياء الثلاثة موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام وأن ''الجبلاوي'' داخل الرواية مقصود به الله ذاته، ومع اشتداد اللغط طلب الرئيس جمال عبدالناصر من ثلاثة علماء دين أن يعد كل واحد بمفرده تقريرا عن الرواية ومن بينهم الشيخ محمد الغزالي والشيخ أبوزهرة، وانتهت التقارير إلى صحة اللغط، لكن كانت هناك آراء كبار الكتاب والمفكرين بأنها عمل أدبي ويجب التعامل معه على هذا الأساس وكان رأي عبدالناصر أن تنشر الرواية في كتاب خارج مصر، لكن لم يصدر قرار بمصادرتها لأنها لم تطبع اصلا، وطبعت الرواية في دار الآداب ببيروت، وكانت النسخ تدخل سرا إلى مصر إلى أن حصل محفوظ على جائزة نوبل في الأدب عام 1988 وتفجر الحديث مجددا عن الرواية، وطالب المثقفون بنشرها داخل مصر وشددت الجماعات السلفية الهجوم على الرواية وصدرت فتوى بتكفير محفوظ واباحة دمه وفي أكتوبر 1994 جرت محاولة اغتيال محفوظ، وأصر محفوظ على عدم نشرها دون إذن الأزهر·
وقبل وفاته بشهور، تحركت بعض المياه الراكدة، فقد أعلن شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي أن احدا لم يطلب رأي الأزهر في الرواية وانهم لا يعترضون على نشرها، واعد د· أحمد كمال ابو المجد بصفته عضو مجمع البحوث الإسلامية تقريرا يبرئ فيه ''أولاد حارتنا'' من كل الاتهامات الموجهة إليها وكذلك كتب د· محمد سليم العوا رئيس اتحاد علماء المسلمين كلمة بهذا المعنى وبدأ الإعداد لاصدارها من ''دار الشروق'' وصدرت في يناير 2007 لتنتهي أطول معركة حول نشر رواية داخل مصر·
الحجز على منزل حجازي
في لهيب شهر أغسطس الحارق بالقاهرة عام 2007 استيقظ الرأي العام يوما على خبر بأن محضرا من إحدى المحاكم بالقاهرة توجه إلى منزل الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي بحي مصر الجديدة للحجز عليه، نظير مبلغ عشرين ألف جنيه مستحقة للشيخ يوسف البدري، كان البدري قد رفع دعوى قضائية ضد حجازي، متهماً اياه بالسب والقذف، وكان حجازي قد نشر مقالا بمجلة ''روزاليوسف'' في نوفمبر 2003 منتقداً الشيخ البدري، وبعد اربع سنوات وفي صيف 2007 قضت المحكمة بتغريم الشاعر الكبير عشرين ألف جنيه·
وتحول المشهد إلى حالة عبثية مرة وسوداوية مرة أخرى وانبرى الكتاب والمثقفون للدفاع عن حجازي معتبرين الحكم مساساً بحرية الكلمة والتفكير، وأصر البدري على الحصول على المبلغ وانه حقه، وأن الحكم يتعلق بالسب والقذف وليس بالحرية، وأعلن حجازي انه ليست لديه مدخرات للدفع، ثم أعلن انه حتى لو توفر لديه المبلغ فلن يدفع واستمر الأمر بين شد وجذب وجدل قانوني خاصة أن ''المحضر'' حين ذهب لتوقيع الحجز وجد أن أثاث البيت مملوك لزوجة الشاعر، فلم يتمكن من إنجاز مهمته وبدأ الحديث عن ضرورة رفع دعوى قضائية مستعجلة من جانب حجازي لوقف تنفيذ الحكم، لكن لم يتخذ الشاعر هذه الخطوة وانتهى الأمر بأن تولت مؤسسة ''روزاليوسف'' دفع المبلغ للشيخ البدري تأسيساً على أن المقال موضوع النزاع كان قد نشر على صفحاتها· ولم ينته الأمر بعد فقد أقام الشيخ يوسف البدري سبع دعاوى جديدة ضد عدد من الكتاب كانوا قد دافعوا عن حجازي فور صدور الحكم ويتهمهم البدري بسبه وقذفه، وعلى رأس هؤلاء الناقد الكبير د· جابر عصفور الذي نشر مقالا بصحيفة ''الأهرام'' ندد فيه بالبدري·
ليلى مراد تهدد حلمي سالم
في شهر يونيه 2007 عادت مجلة ''ابداع'' للصدور بعد توقف أكثر من عامين، وبدلا من أن تكون شهرية صارت فصلية، وبنفس هيئة التحرير، الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي رئيسا للتحرير وحسن طلب نائبا له، وتمت مضاعفة صفحات المجلة وزيادة قطعها ونشر في العدد قصيدة للشاعر حلمي سالم بعنوان ''شرفات ليلى مراد'' وبها مقطوعة اعتبرها كثيرون تنطوي على مساس بالذات الإلهية·
وتطور الأمر وقدم عدد من نواب الإخوان المسلمين أكثر من استجواب إلى وزير الثقافة فاروق حسني حول نشر هذه القصيدة في مجلة رسمية وينفق عليها من المال العام، بينما الدستور ينص على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، وذهب ناصر الأنصاري رئيس هيئة الكتاب الجهة التي تصدر المجلة، إلى البرلمان وتعهد بسحب العدد من السوق واجراء تحقيق حول نشر القصيدة، وتم سحب العدد ورفعت منه تلك القصيدة واعيد طرحه في الأسواق، لكن المعركة لم تتوقف إلى اليوم فقد أقام الشيخ يوسف البدري دعوى قضائية يتهم فيها حلمي سالم بازدراء الدين الإسلامي ويطالب بمعاقبته جنائياً، ولجأت المحكمة إلى الأزهر تطلب رأيه في القصيدة وجاء تقرير مجمع البحوث الإسلامية مؤكداً أن القصيدة بها مساس بالذات الإلهية وتنطوي على كفر وإلحاد ومازالت المحكمة تنظر القضية ومن المتوقع أن تقضي فيها عام ·2008
وبسبب القصيدة يواجه حلمي سالم دعوى قضائية أخرى، ففي يونية 2007 نال جائزة الدولة للتفوق في الشعر، وهناك من لجأ إلى القضاء يطلب سحب الجائزة منه بسبب تلك القصيدة·
درويش نجم مؤتمر الشعر
في فبراير 2007 شهدت القاهرة مؤتمر الشعر العربي الأول، الذي نظمه المجلس الأعلى المصري للثقافة ومن المقرر أن يعقد المؤتمر مرة كل عامين، بالتناوب مع مؤتمر الرواية العربية وتأسس مؤتمر الشعر العربي بالقاهرة بناء على توصية نجيب محفوظ في كلمته إلى مؤتمر الرواية العربية عام 2005 وكانت وجهة نظر محفوظ أن الشعر هو ديوان العرب الأول، ولا يليق أن يعقد مؤتمر للرواية العربية بانتظام بينما يتم تجاهل الشعر العربي، وعلى الفور استجاب وزير الثقافة المصري فاروق حسني·
وشارك في المؤتمر الأول عدد غير قليل من الشعراء والباحثين العرب بالإضافة إلى عدد من المستشرقين المتخصصين في الشعر العربي قديمه وحديثه·
وكالعادة اختلف الشعراء معا، فقد قاطع من يسمون شعراء السبعينيات في مصر المؤتمر لأنهم رأوا أن الجيل السابق ممثلا في الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي يسيطر على المؤتمر، ولأن الترشيحات لجائزة القاهرة للشعر العربي لم تشملهم، وقاطعه ايضا شعراء قصيدة النثر، وذهب حلمي سالم من شعراء السبعينيات إلى تنظيم مهرجان مواز داخل حزب التجمع، ضم أمسيات شعرية للشعراء الشبان·
واثارت جائزة المؤتمر أزمة من نوع آخر بين الشعراء وكان رأي فريق من الشعراء المصريين أن الدورة الأولى للمؤتمر يجب أن ينال الجائزة فيها شاعر مصري، فالجائزة تحمل اسم القاهرة وكانت هناك وجهة نظر مقابلة تزعمها جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلى للثقافة آنذاك ترى أن الجائزة الأولى يجب أن يفوز بها شاعر عربي، وانتصرت وجهة نظر عصفور في أن ينالها شاعر عربي، وثار جدل آخر حول اختيار اسم الفائز وكان هناك رأي بمنح الجائزة للشاعرة نازك الملائكة فهي من الجيل المجدد وهي كذلك عراقية ويتم تكريم العراق والشعر العراقي في شخصها وكانت مريضة جدا ويجب تكريمها قبل الوفاة، لكن التصويت حسم الجائزة لصالح محمود درويش، الذي قال لحظة فوزه، إن تلك الجائزة هي لكل الشعراء العرب في شخصه·
احتفالات حافظ وشوقي
طوال النصف الثاني من العام 2007 اقيمت احتفالات ثقافية بذكرى مرور 75 عاما على رحيل أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم وعقدت سبع ندوات كبرى آخرها في مكتبة الإسكندرية في الأسبوع الثاني من ديسمبر·
وكان حافظ إبراهيم وأحمد شوقي قد رحلا عام 1932 ورغم الهجوم القاسي الذي تعرض له كل منهما في حياته، فقد تراجع ذلك الهجوم تماما بعد الوفاة، وانتبه كثير من النقاد إلى قيمتهما الشعرية، خاصة أعضاء مدرسة الديوان عباس العقاد وإبراهيم عبدالقادر المازني وعبد الرحمن شكري·
وخلال الاحتفالات أجريت العديد من الدراسات النقدية، لكن معظم هذه الدراسات كانت عن أحمد شوقي وحده وفي احتفالية المجلس الأعلى للثقافة التي استمرت ثلاثة أيام نوقشت 18 ورقة بحثية، بينها 15 ورقة عن شوقي وحده وثلاث أوراق عن شوقي وحافظ معا ولم تقدم ورقة واحدة عن حافظ منفردا رغم أن هناك جوانب عديدة فيه تستحق الدراسة·
وفي احتفالية مكتبة الإسكندرية كانت هناك ثلاث أوراق فقط عن حافظ، والمثير للانتباه ان الذين قدموها كانوا من غير المصريين، لكن أهم ما جرى في هذه الاحتفالات هو قيام المجلس الأعلى المصري للثقافة بإعادة طبع الأعمال الكاملة لشوقي وحافظ ذلك أن الشوقيات فقط هي التي كانت تطبع من أعمال شوقي، وتم تجاهل مسرحياته الشعرية ورواياته ومقالاته وكذلك الأمر بالنسبة لحافظ إبراهيم، ديوانه فقط هو الذي ينشر، بينما عمله المهم ''ليالي سطيح'' توقف نشره منذ عام 1964 وترجمة ''البؤساء'' لفيكتور هوجو، وغيرها من أعمال·
كل اللغات ماعدا العبرية
في أول يوليو 2007 تم الإعلان عن قيام المركز القومي المصري للترجمة وهو أول مركز رسمي للترجمة منذ مدرسة الألسن في زمن رفاعة الطهطاوي ومحمد علي، والمركز تأسس بقرار جمهوري ويتولى وزير الثقافة رئاسته، ومهمة المركز أن يترجم إلى اللغة العربية عن مختلف اللغات، قديمها وحديثها وأن ينقل إلى العربية مختلف العلوم والمعارف· مهمة المركز كذلك إعداد المترجمين من خلال دورات تدريبية وتعليمية يتولى المحاضرة فيها كبار المترجمين·
مدير المركز د· جابر عصفور يؤكد أن المركز يعمل على كسر المركزية الأوروبية في اللغات والترجمة لأن معظم الترجمات إلى العربية تكون عن الإنجليزية ثم الفرنسية وبدرجة أقل الألمانية، وهناك تجاهل للغات الشرقية مثل الفارسية والتركية والأردية، وهي لغات تعبر عن ثقافات إسلامية في النهاية، وهناك كذلك اللغة الصينية واليابانية وغيرها وهناك تخطيط للترجمة عن لغات أميركا اللاتينية، الإسبانية واللغات المتفرعة منها، واللغات الأفريقية مثل السواحلية والهوسا وغيرها، واللغة التي لا تتم الترجمة عنها هي العبرية·