لينا أبوبكر
لن تبتعد كثيراً، حين تقرن الجمال بالشر، ولكن مع حذر غير بريء من مسار تاريخي يقلب السحر على الساحر، فيجعل من الشريرات قرابين، أو ضحايا.... يرحلن من هذا العالم مع أسرار القتلة، هكذا بلا حقائق ولا ذكريات، ولكن بما يكفي من أكاذيب وعذابات...؟
جميلات، خطفن الألباب، لأنهن لسن مجرد صور في الذاكرة السينمائية، إنما أكواد جمالية، لم يكن بمقدور التاريخ فك كل شيفرتها، مثل: مارلين مونرو، داليدا، سعاد حسني، أسمهان، لا بل وأيضاً كليوباترا وبلقيس وزنوبيا ثم الأميرة ديانا ومي زيادة وسيلفيا بلاث وفيرجينيا وولف اللواتي تحررن من الصيغة التمثالية والمتحفية والأدبية ليتحولن إلى شرائح أيقونية في ملاحم سينمائية عديدة، توجت ممثلات مغمورات أحياناً، كبطلات تاريخيات في الأرشيف السينمائي للآلهات عبر العصور الميثولوجية، وهن يضفين النسق الأسطوري على أدوار البطولة في سينما الجميلات، مع وجود أخريات لن أخوض في حكاياتهن، لأنهن دخلن الفن من باب الجاسوسية والدعارة، ما يشذ عن موضوع هذا الطرح...
هناك ماسح حراري لبصمة سينمائية بمقدورها أن تختصر كل الحكايا بصورة واحدة، وفيلم واحد، هو سفير جهنم، إنتاج عام 1945، بطولة يوسف وهبي وليلى فوزي، حيث يستند البطل إلى ثنائية الغواية والهلاك، أو الشر والجمال، التي برعت البطلة بتجسيدها، ضمن تقنية الأيقنة... على الشاشة، وليس خارج مدارها الفضائي، لأن الحياة لم تنعم على «فوزي» بنهاية تليق بهذه اللوحة الخام في ملكوت السينماتوغراف!
الجمال وحده لم يكن كافيا، والشخصيات التاريخية التي يتقمصنها أيضاً، لم تكن لتنهض من سباتها لولا توافر عناصر أخرى، سحرية ربما أو سرية، أو إبداعية تمكنت من مَلكاتها لتتمتع بتأثير قادر على استحضار الأسطورة بروح خارقة تفوقت على الموت والزمن والفن أيضاً !
في واقع الحال، كان لابد من موت ميتافيزقي، للتفوق على الموت الحقيقي، وهو بالضرورة ما يستدعي الدخول في غيبوبة غير مستديمة، والتراوح بين حالتي الذهول والنوام، دون إدراك النوم التام، لأن الاستجابة للمحفزات المحيطة، لم تزل فاعلة في نظام الإدراك المعرفي للمخيلة، بالتالي لا يمكن أن تكون أسمهان مثلا في عداد الأموات، بينما تستطيع تأكيد انقراض «ليليث»، لأن التماثيل لا تتمتع بأداء حي للأسطورة، وربما أيضاً النصوص في عصر بصري امتص «فورمة» البدء: الكلمة، «بالماسح الإلكتروني»: الصورة، في إطارها السينمائي طبعاً، الذي يحافظ على ديناميكيتها، حسياً وعاطفياً، بكامل قواها الوجودية وتمثيلها الضوئي، أما التحف والآثار، فهي موروثات صامتة، ستاتيكية، دخلت منذ آلاف السنين في حالة غيبوبة تاريخية مستديمة، توقف بها نشاطها العصبي - الحركي.. وهنا تكمن المفارقة !
من قال إن الجمال مرتبط بالخير؟ أو حتى بالسعادة؟ أو الرفاهية؟ لا تصدق «عالم الروح» في عقيدة «سانتيانا» الإسباني، أو «العالم الأعلى» في جمهورية أفلاطون، ليس لأن الجمال لا يخضع فقط للمعايير الحسية أو الأخلاقية، إنما لأنه يتحرك ضمن مجال بصري يحكم سيطرته على المعايير كافة !
بين الشر والجمال، صراع حميم، قوامه الجاذبية، وهذه حكمة فيزيائية خالصة، تعتمد على الحقل الاتجاهي الذي يوفر القوة اللازمة لتفعيلها، والذي يتمركز في محور المركز: الصورة السينمائية!
النساء اللواتي يستيقظن من موتهن بعد أن يُهال التراب على ملاءاتهن، ينفضن غبار الموتى عن شواهدهن، ينهضن من قبورهن ليغتسلن في حمام الوحوش، يرتدين حليهن المفقودة، وأجسادهن الشفافة وثيابهن العارية، يضعن أقنعتهن الشاحبة، ورؤوسهن المستعارة التي منحتهن إياها «كيننماستا».. ينتعلن أحذيتهن...ويخرجن من مراياهن الحجرية... بعيون وحشية تنثرها «هيرا» على ريش الطواويس... إنهن وريثات «نيفيلهايم»، ورسولات «أودين»، ينحدرن من سلالة «الأسينيور»... من إقليم سماوي، يسكنّ في الفراغ المتثائب بين الصمت والظلام، يختطفن الأبطال الذين يتساقطون في الحروب، ويقطفن لهم من شجرة آيدون، تفاحات الشباب الذهبية، ثم يأكلن ما تيسر لهن من الرجال.....ويلاهْ!
لعنة الجمال، ولعنة الصورة، عادة ما ترتبط بالنساء، اللواتي ينجذبن إلى مصير مركب: الحياة بين موتين، أو الموت كجسر فاصل بين حياتين !
اغلق عينيك إذن وأنت تنظر إلى الصورة، لكي ترى الوجه التشريحي للجمال، والمرآة العاكسة للشرور في هذه المقالة، وسلامتكم!