محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)
يعتبر الفنّان الإماراتي ناجي الحاي -مواليد 6 ديسمبر 1963- الذي عرف طريقه إلى خشبة المسرح عام 1981 ممثلاً في مسرحية «أغنياء ولكن»، واحداً من أهم فناني جيل الريادة والتأسيس للحركة المسرحية الإماراتية، كاتباً وممثلاً ومخرجاً، فتجربته في المسرح تشير إلى انحيازه الشديد للإبداع الأصيل وللسؤال المسرحي والفكري الذي انعكس، بشكل جلي، في نصوصه التي قدّت من شغف مسرحي لافت.
أيام اللولو
عايش الحاي تجربة المسرح في الإمارات عبر كل تحوّلاتها، وساهم بقسط كبير في التعريف بالمسرح الإماراتي، من خلال حضوره المؤثر في عديد المهرجانات المسرحية العربية والعالمية، وآخرها مسرحية «أيام اللولو»، 1916، وهي نص معاصر يتكئ على جماليات الموروث والهوية، ويقارب بذكاء وحساسية جمالية التحولات الاجتماعية التي مرّت بها الإمارات خلال العقود الماضية، وانعكاسات الثراء على ملامح الإنسان والمكان.
من خلال «أيام اللولو»، أكد الحاي أنّه كاتب مسرحي من طراز خاص، فهذا النّص لا يتكئ فقط على جماليات الموروث والهوية، من ناحية الموضوع، بل يضيف أيضاً إلى جمال المعالجة المضمونية جماليات التكنيك المعاصر في الصياغة الدرامية التي تقوم على فن «الديالوج»، وفيها يؤكد حضوره الفني وفق معادلات الحداثة واللغة الصورية المشهدية، وجمال رسم الشخصيات.
حبة رمل
ونجد اختلاف الحاي في كتابته المسرحية ونضجه في نصه المبكر «حبة رمل» الذي صيغ لعروض الهواء الطلق، وفق معطيات فن الفرجة، وما يحتاجه هذا النوع من الصياغات من بناء شخصيات عميقة وحوارات متنوعة، يستطيع الممثلون التحرك فيها بسهولة في الفضاء المسرحي.
أما مسرحيته «بنت عيسى» التي كتب نصها وأخرجها عام 1994، فاعتبرت بداية لنموذج جديد من الكتابة المسرحية في الإمارات، وقد عكس نصّها المكتوب بعناية جماليات بناء المشاهد المتلاحقة والعمل على تنمية الصراع فيها.
في مسرحيته ذات الفصل الواحد التي صاغها لمصلحة فرقة مسرح دبي الأهلي عام 1999، بعنوان «زكريا حبيبي»، وضع شخصياته أمام مواجهة قاسية مع أقدارهم، في سياق حوارات ومواجهات متنوعة الحالة، وجميعها تحيلنا إلى فنون وجماليات «فن المناقشة» الذي ابتدعه الكاتب المسرحي النرويجي هنريك إبسن والذي بدا واضحاً في مسرحيته الشهيرة بيت الدّمية.
التأصيل
وقد سجل الحاي نفسه كواحد من أكثر كتاب المسرح الإماراتي، اهتماماً بالموروث الشعبي واللهجة المحلية، وتوظيفها بعناية في ثيمات نصوصه، كما في مسرحيته «أحمد بنت سليمان»، المقتبسة عن رواية طفل الرمال، للأديب المغربي الطاهر بن جلون، مستخدماً فيها لغة شاعرية جذابة، وبناءً مسرحياً محملاً بتفاصيل اجتماعية مأساوية عن المجتمع الذكوري، ويقوم على التكثيف والاختزال في الحوار وتكوين المشاهد المسرحية، في فضاء شعبي أنيق ومبهج من الخارج، ومأساوي ونقدي في العمق، فضاء يحمل دلالاته وسحره، دون تطرف أو تجريد مقحم، فقد عالج بناءه المسرحي بواقعية شديدة، ما جعله أكثر إيغالاً في مناطق الجمال وفي مناطق الألم والمرارة أيضاً.
وقدّم ناجي الحاي، نصين على قدر كبير من النضوج والشخصيات الممتلئة حياة وكبرياء ونضالاً ضد القوانين الاجتماعية الميكانيكية، وهما: «سلام يا سلامة»، 2003، عن الطبقية والصراع بين قوانين العرف الاجتماعية، ومفاهيم العولمة، وصاغها في إطار من السخرية والهزلية، ليكون ذلك معادلاً موضوعياً لثيمة النص التي تتوزع بين صفاء المثل الأعلى وطين الواقع الأرضي، و«سفر العميان»، 2005 عن مجموعة من العميان وجدوا أنفسهم في ورطة بعد أن تركهم قائدهم البصير في صحراء مقفرة واختفى، ويبدو النص ممتلئاً برمزية عالية، وبناء فني دائري، يقوم على معالجة ذكية، وجماليات ترتكز على لغة جميلة، في تجربة فريدة عن حياة أبناء العولمة اليوم.
أخيراً، قدم الحاي «أيام اللولو» عام 1916 بعد فترة طويلة من الصمت الإبداعي، وها هي أربع سنوات قد مرت عليها، فماذا في جعبة ناجي بعد هذا الصمت، وهل يعود للخشبة فارسها الذي تفتقد شغفه؟