«منتجع المها الصحراوي» تجربة سياحية أبطالها الغزلان والإبل
وسط مشهد رملي تكتسي فيه الطبيعة باللباس الذهبي المتحرك، وعلى وقع أصوات الرياح تصفر آتية من بعيد، تتبختر الغزلان بخفتها وتزهو المها العربية ببياضها الناصع. وهناك حيث للطيور ألوان لا تشبه سواها، وللنجوم بريق لا يخفت على وسع السماء، يتربع “منتجع المها” عند محمية دبي الصحراوية. هذا المعلم السياحي الذي حصد الكثير من الجوائز العالمية لتفرده شكلا ومضمونا، يروي قصصا عن الضيافة النموذجية التي تجمع البساطة بدفء المكان، وتمزج في كوكبة نادرة بين فخامة الخدمات ومطلق الخصوصية والرومانسية.
(دبي) - قلما يتحقق للسائح فرصة الهروب من صخب الحياة ومشاغلها، والسكون إلى نفسه وسط لوحة من الطبيعة الحالمة في أقل مسافة يقطعها. وكثيرا ما يسأل عشاق البر والباحثون عن متعة المشي حفاة على الرمل وتناول العشاء في العراء، عن ملاذ هادئ يمضون فيه عطلاتهم على ألا تكون تقليدية. والجواب المناسب، هو اكتشاف ما يخفيه منتجع “المها الصحراوي” الذي يبعد 65 كيلومترا من مدينة دبي، ولا يتعدى الوصول إليه من أبوظبي عبر طريق السويحان أكثر من 90 دقيقة.
شعلة نارية
الدخول عبر البوابة العريضة باتجاه الطريق المؤدية إلى المبنى الأساسي للفندق، والتي تستغرق نحو 5 دقائق بالسيارة، كفيلة بأن تكون خير عنوان للرسالة المخبأة في الداخل. ولا داعي بعدها لتتبع الإشارات الدالة على البهو، لأن الشعلة النارية المضاءة في ذلك الركن الخالي من مظاهر الازدحام، تقوم بالدور الترحيبي. وهذا السيناريو الفريد المتبع هنا، يذكر في أول مظاهره برمز الضيافة البدوية التي تنشط تفاصيلها في أرجاء المكان. وأكثرها إبهارا مجموعات التحف الأثرية التي تضم 2000 من القطع التاريخية النادرة، والتي تتأرجح بين المجوهرات واللوحات وأدوات الزينة والأنسجة القديمة من سجاد وأغطية ونحاسيات.
قاعة الاستقبال الرحبة التي تتوزع من خلالها صالة الانتظار وجاليري التحف والمكتبة والمطعم، تمت هندستها بأسلوب بسيط يشبه تقسيم البيوت القديمة التي ترتكز في فخامتها على البساطة والمساحة. ضوء كثيف يتسرب من كل مكان فيوحي بالانشراح، ورائحة البخور والعطور المنبعثة مع كل هبة نسيم تعد باستضافة ناجحة. وما أمتع احتساء فنجان من القهوة عند الشرفة الطالة على حبيبات الرمل في الخارج، وقراءة الجريدة أو تصفح كتاب من الكتب المعروضة. أجواء من الصفاء الروحي تعيد للنفس ما سلبته منها ضغوطات الأيام، وتسرح في الخيال إلى أفق تشبه الفضاءات الفسيحة من خلف الصحراء.
بالنزول درجات قليلة إلى مطعم “الديوان”، تنكشف أمام الرواد لوحة طبيعية لا يحدها عن الكثبان الرملية إلا شجرات النخيل التي لا تتعب من التمايل منذ غروب الشمس وحتى بزوغ الفجر. جلسات موزعة بين شعلات الضوء، وأجواء هانئة تفتح الشهية لتأمل ما ترسمه الغيوم من خيوط وصور. وتلك الحمامات المتناثرة على كل غصن يخبر هديلها أسرارا عن ذكريات يطيب مرها مع كل إشراقة تشع بها الطبيعة هنا.
استجمام متواصل
كل هذا، والمشوار الحقيقي في عالم الاستجمام المتواصل، لم يبدأ بعد. سيارات “الباجي” البيضاء المفتوحة على تجربة قيادة ممتعة، تنقلك بين ممرات المنتجع إلى حيث تشاء. والبداية طبعا باتجاه الأجنحة، ولك أن تختار منها ما يعجبك مع أنها بمعظمها متشابهة. وهي تشمل 37 جناحا بدويا مصممة على شكل خيمة فائقة الأناقة، تضم كل منها بركة سباحة خاصة توفر إطلالة رائعة على مفردات الطبيعة الصحراوية. وإضافة إلى الأجنحة البدوية، يخصص المنتجع جناحين ملكيين تمت هندستهما وفق أفخم الشروط العمرانية مع أن كلا منهما يتخذ شكل الخيمة التقليدية. والأمر نفسه ينطبق على الجناحين الإماراتيين اللذين يمتازان بأثاث تم جلبه خصيصا ليتناسب مع النمط البدوي الذي لا يخلو من مظاهر الأناقة. ويضم المنتجع جناحا رئاسيا من 3 غرف، يصنف من بين أفخم الأجنحة التي يمكن تصميمها داخل بيئة صحراوية تعتمد اعتمادا كليا على الفخامة في أدق التفاصيل مع عدم إهمال جانب البساطة.
رياضات
النشاطات التي يمكن القيام بها وسط هذه الأرجاء التي تمتد على مساحة 225 كيلومترا مربعا، كثيرة وعلى رأسها رياضة المشي في أي اتجاه وأي وقت. ويوفر المنتجع لكل نزيل فرصة الاختيار بين اثنين من فعالياته التي ينظمها يوميا وعددها 5. وهنا يمكن لهواة الرماية بالسهام، أن يختبروا طاقاتهم وقدراتهم على تحديد الهدف. كما يتحقق لمحبي الفروسية، فرصة الركوب على الخيل أو عبور مسافات في الصحراء على ظهر الجمل. وتعتبر رحلات السفاري، من أكثر البرامج المطلوبة والتي تقدم متعة القفز الآمن على التلال الذهبية، وبسرعة يمكن التحكم بها بحسب طلب الركاب. أما رياضة المشي برفقة دليل يشرح عن أسرار الصحراء ومحاسن الحيوانات المنتشرة فيها، فهي خطوات لا بد من اجتيازها لعيش التجربة الصحراوية كاملة.
عشاء رومانسي
رمال ذهبية وسكون وصفاء روحي، كلها إشارات توحي بأن المكان يبعث إلى عيش تجربة رومانسية كفيلة بضخ روح جديدة للعلاقة بين الشريكين. وهي على وجه محدد مناسبة جدا لقضاء الفترة الأولى من شهر العسل، وهذا ما يشتهر به المنتجع الذي لا يستقبل الأطفال تحت الـ12 عاما. من جهة كي يحافظ على أجواء الخصوصية والهدوء الحالم بعيدا عن الضجيج، ومن جهة أخرى لأن توزيع الأجنحة - الخيم، وسط الصحراء المفتوحة على محمية دبي، يشكل خطرا عليهم. كما أن أحواض السباحة المدفأة في كل جناح، غير مصممة بطريقة تأمن انزلاق الطفل فيها.
ولمزيد من الخدمات الراقية، يوفر مطبخ المنتجع 3 أفكار لعشاء مميز. الأول في مطعم “الديوان” المطل على الصحراء الشاسعة، والثاني عشاء في الباحة الخارجية للجناح قرب حوض السباحة، فيما العشاء الثالث هو الأكثر خصوصية. سيارة من الدفع الرباعي تنقل الزوجين إلى قلب الصحراء، حيث تكون جلسة عشاء “الباربكيو” بانتظارهما. وهناك تضاء الشعلات النارية ويتركان ليتدبرا أمرهما على مائدة تتوزع عليها أطباق ضيافة الخمس نجوم.
سياحة بدوية
يشكل المنتجع الذي أنشئ عام 1999 مفهوما جديدا للسياحة البدوية، وعند افتتاحه كان أول منتجع بيئي صحراوي من نوعه في الشرق الأوسط. وهو يختصر بتصميمه عنصر الإقبال على الطبيعة في عودة مرنة إلى الماضي، ويغلب عليه الطابع العربي حيث الأرضيات المرصوفة بالحجارة والتي تعكس الصورة التقليدية لفن العمارة.
ويزيده دفئا تلك المشغولات اليدوية الموزعة على جدرانه، ومعها أدوات الأجداد والأسلحة القديمة.
ولا يحتل المنتجع الذي يتميز بمنشآته ذات الطابق الواحد، سوى 2 في المئة من إجمالي مساحة المحمية الطبيعية التي يقوم على أرضها والتي تمت توسعتها حديثا.
علاجات
منتجع “المها الصحراوي” لم يغفل أهمية قسم “السبا” الذي يشكل جانبا أساسيا من تجربة الاستجمام. وقد خصص له ركنا فسيحا يقدم كل أنواع العلاجات البدنية المرتكزة على المواد الطبيعية. بهو ممتاز للاسترخاء، ضيافة سخية للتحضير لجلسات التدليك، وغرف أرستقراطية تحقق الانتعاش والتجدد.
اعتراف دولي
يتمتع المنتجع باعتراف دولي بمركزه الريادي على مستوى المنطقة في مجال المحافظة على البيئة والتنمية المستدامة. وتعتبر محمية دبي الصحراوية التي يقع المنتجع في وسطها، واحدة من أهم المحميات في دول الخليج لما تضمه من كائنات حية على رأسها المها العربية والغزلان والثدييات الأخرى.
جوائز
نال المنتجع الكثير من الجوائز على تقدمه في أسلوب الخدمات التي يوفرها، كان أولها جائزة “أغا خان” التي حازها تقديرا لنمط العمارة العربية فيه والتي تعكس مفهوم الخيمة البدوية من الخارج. ومن بين الجوائز العالمية، نال المنتجع جائزة قراء مجلة “كوندي ناست ترافيلير” التي أصبح بموجبها أول منشأة فندقية من دبي تدخل ضمن قائمة “كوندي ناست” التي تضم 20 منتجعا في مناطق أفريقيا والشرق الأوسط وجزر المحيط الهندي للعام 2008. و”جائزة التراث العالمي” من “ناشيونال جيوغرافيك آند كونزيفيشن إنترناشونال”، وجائزة “أفضل مشروع معماري” ضمن الدورة الثامنة لجوائز منظمة المدن العربية. كما تم إدراج المنتجع في القائمة الذهبية الخاصة بمجلة “ترافيلير” للعام 2006، إضافة الى الكثير علامات التميز الأخرى.
صديق للبيئة
الإقامة في هذه الربوع الساكنة تفتح المجال إلى التأمل في الرسالة البيئية التي يتبعها المنتجع من خلال حماية المنطقة المحيطة به. ومن الأساليب التي يعتمدها استخدام مواد بناء تقليدية تعزز حماية البيئة وتسهم في توفير الطاقة. ويتضح ذلك من خلال الإضاءة وطريقة التكييف والاستعانة بالطابوق العازل للحرارة في بناء الجدران، وكذلك في تظليل الألواح الزجاجية وفي التركيز على النوافذ صغيرة الحجم. وأكثر من ذلك يتبع المنتجع نظام معالجة المياه الجوفية، وإعادة تكرار مياه الصرف الصحي لاستخدامها في ري المسطحات الخضراء.